الدولار الأمريكي: انتعاش طفيف وسط ضغوط هيكلية وترقب لبيانات حاسمة من الفيدرالي

شهد مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية أخرى، ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.1% يوم الأربعاء ليصل إلى 99.65. ومع ذلك، يأتي هذا الارتفاع الهامشي في ظل صورة أوسع تظهر تراجع المؤشر بنسبة كبيرة بلغت 8% منذ بداية العام، حيث يبحث المستثمرون عن بدائل للأصول الأمريكية وسط تقلبات السياسات التجارية والمخاوف بشأن آفاق النمو.
تأتي هذه التحركات في وقت حساس، حيث تنتظر الأسواق صدور محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأخير في وقت لاحق اليوم، بالإضافة إلى بيانات اقتصادية هامة قد تلقي مزيدا من الضوء على صحة الاقتصاد الأمريكي وتوجهات السياسة النقدية.
دعم قصير الأجل مقابل ضغوط طويلة الأمد
استفاد الدولار الأمريكي مؤخرا من بعض العوامل الداعمة التي قدمت له دفعة مؤقتة:
- آمال الاتفاقات التجارية: شهدت الأسواق يوم الثلاثاء موجة شراء للدولار وسط مؤشرات على إمكانية التوصل إلى اتفاقات تجارية، بالإضافة إلى قرار الرئيس ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع بتأجيل فرض تعريفات جمركية أعلى على الاتحاد الأوروبي.
- ثقة المستهلك الأمريكي: جاءت بيانات ثقة المستهلك الأمريكي لشهر مايو أفضل بكثير من المتوقع، مما قدم بعض الدعم للعملة.
ومع ذلك، تواجه العملة الأمريكية ضغوطا هيكلية قد تحد من أي انتعاش مستدام:
- ضعف بيانات القطاع الصناعي: أظهرت بيانات يوم الثلاثاء أن الطلبيات الجديدة على السلع الرأسمالية المصنعة في الولايات المتحدة شهدت أكبر انخفاض لها منذ ستة أشهر في أبريل، مما يشير إلى أن التقلبات في فرض التعريفات الجمركية بدأت تؤثر سلباً على الاقتصاد والشركات.
- مخاوف العجز وتوجهات “إزالة الدولرة”: كتب فرانشيسكو بيسولي، استراتيجي العملات الأجنبية في ING، في مذكرة: “هناك حاجة إلى المزيد من المفاجآت الإيجابية في البيانات لإعادة بناء الثقة في النمو الأمريكي، كما أن المخاوف بشأن العجز لن تختفي في أي وقت قريب”. وأضاف: “عند إضافة موضوعات إزالة الدولرة وخطط ترامب لإضعاف الدولار على المدى الطويل، ما زلنا نعتقد أن ارتفاعات الدولار يمكن أن تتلاشى من هنا”.
ترقب قرارات الفيدرالي وبيانات التضخم الحاسمة
تتجه أنظار المستثمرين هذا الأسبوع إلى بيانات وقرارات رئيسية قد تحدد مسار الدولار الأمريكي في الفترة المقبلة:
- محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي: من المقرر صدور محضر اجتماع السياسة النقدية لشهر مايو في وقت لاحق اليوم (الأربعاء). سيبحث المستثمرون في المحضر عن أي تلميحات حول تقييم الفيدرالي للوضع الاقتصادي الحالي وتأثير السياسات التجارية، بالإضافة إلى رؤيته لمسار التضخم وأسعار الفائدة.
- بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE): يترقب السوق صدور تقرير نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أبريل يوم الجمعة، وهو مقياس التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي. يمكن أن تساعد هذه البيانات في قياس تأثير سياسات ترامب التجارية على الأسعار، وبالتالي على قرارات الفيدرالي المستقبلية.
الدولار الأمريكي في مواجهة العملات الرئيسية الأخرى
شهد أداء الدولار الأمريكي تبايناً أمام العملات الرئيسية الأخرى:
- اليورو (EUR): استقر اليورو بشكل عام عند 1.1331 دولار بعد انخفاضه بنسبة 0.5% يوم الثلاثاء. وفي سياق متصل، أفادت مصادر لوكالة رويترز بأن مسؤولي الاتحاد الأوروبي طلبوا من الشركات الكبرى والرؤساء التنفيذيين في التكتل تفاصيل حول خططهم الاستثمارية في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تستعد فيه بروكسل لدفع المحادثات التجارية مع واشنطن.
- الجنيه الإسترليني (GBP): تم تداول الجنيه الإسترليني مؤخراً عند 1.3488 دولار، وظل قريباً من أعلى مستوى له في ثلاث سنوات الذي لامسه يوم الاثنين.
- الين الياباني (JPY): استقر الين يوم الأربعاء مقابل الدولار عند 144.28، بعد انخفاضه بنسبة 1% يوم الثلاثاء. جاء هذا الانخفاض عقب تقرير لرويترز أفاد بأن اليابان ستدرس تقليص إصدار السندات طويلة الأجل للغاية بعد ارتفاع حاد في العوائد في الأسابيع الأخيرة. ويظل التركيز على سوق السندات اليابانية، حيث انخفض الطلب في مزاد على سندات البلاد ذات الأجل الأطول يوم الأربعاء إلى أدنى مستوى له منذ يوليو. وعلى الرغم من ذلك، اكتسب الين ما يقرب من 9% حتى الآن في عام 2025 بسبب ضعف الدولار بشكل عام وتدفقات الملاذ الآمن حيث يهرب المستثمرون من الأصول الأمريكية في أعقاب السياسات التجارية المتقلبة تحت إدارة الرئيس ترامب. وقالت جين فولي، الاستراتيجية في رابوبنك: “على الرغم من تدفق الأخبار، يبدو أن هناك مستوى معين من المقاومة في زوج الدولار-ين”، في إشارة إلى أن السوق قد لا يرغب في رؤية المزيد من ضعف الين مقابل الدولار في الوقت الحالي.
- الدولار الأسترالي (AUD): تم تداول الدولار الأسترالي مؤخراً عند 0.6438 دولار أمريكي، حيث أظهرت البيانات أن تضخم أسعار المستهلكين ظل مستقراً في أبريل، مما أبقى على آمال خفض أسعار الفائدة قائمة إلى حد كبير.
- الدولار النيوزيلندي (NZD): ارتفع الدولار النيوزيلندي بنسبة 0.33% إلى 0.5969 دولار أمريكي بعد أن أشار البنك المركزي للبلاد إلى أنه قد يكون أقرب إلى نهاية دورة التيسير النقدي مما كان يأمله البعض في السوق، وذلك بعد خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس كما كان متوقعاً.
نظرة المحللين: هل يتجه الدولار نحو مزيد من الضعف الانتقائي؟
يرى سام لينتون براون، الرئيس العالمي للاستراتيجية الكلية في بي إن بي باريبا، خلال مكالمة لتقديم التوقعات الاقتصادية العالمية للبنك الفرنسي، أن ضعف الدولار سيكون انتقائياً، مع احتمال أن يكون اليورو والين المستفيدين الرئيسيين.
هذه الرؤية تتماشى مع تحليل فرانشيسكو بيسولي من ING الذي أشار إلى أن العوامل الأساسية، بما في ذلك المخاوف بشأن العجز الأمريكي والتوجهات نحو “إزالة الدولرة” ورغبة الإدارة الأمريكية في دولار أضعف على المدى الطويل، قد تجعل أي ارتفاعات للعملة الخضراء مؤقتة وعرضة للتلاشي.
في النهاية يقف الدولار الأمريكي حاليا عند مفترق طرق. فبينما قد توفر بعض التطورات الإيجابية قصيرة الأجل، مثل آمال التوصل إلى اتفاقات تجارية أو بيانات ثقة المستهلك القوية، دعما مؤقتا للعملة، تظل هناك ضغوط هيكلية وتحديات سياسية قد تدفع به نحو مزيد من الضعف على المدى المتوسط والطويل.
سيكون الأسبوع الحالي حاسما، حيث ستوفر قراءة محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي وبيانات نفقات الاستهلاك الشخصي (مؤشر التضخم المفضل للفيدرالي) مؤشرات هامة حول تقييم البنك المركزي للاقتصاد وتوجهاته المستقبلية بشأن السياسة النقدية. هذه البيانات، إلى جانب التطورات المستمرة على جبهة التجارة العالمية، سترسم ملامح الاتجاه القادم للدولار الأمريكي، الذي يظل أداؤه محور اهتمام المستثمرين والأسواق العالمية.
اقرأ أيضا…