الدولار الأمريكي يواصل هبوطه للجلسة الثالثة بسبب مخاوف الميزانية والسياسة التجارية

واصل الدولار الأمريكي تراجعه لليوم الثالث على التوالي مقابل سلة من العملات الرئيسية خلال تداولات يوم الأربعاء، حيث انخفض إلى أدنى مستوى له في عشرة أيام مقابل الين الياباني الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا. ويأتي هذا الضغط المتزايد على العملة الأمريكية في وقت يعاني فيه المستثمرون من قلق بشأن مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب لتمريره، خاصة في ظل الانقسامات الجمهورية حول تفاصيله وتأثيره المحتمل على الدين العام. وتتفاقم هذه المخاوف الداخلية مع استمرار حالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات التجارية العالمية وتداعيات تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة مؤخرًا.
الخلافات حول مشروع قانون الضرائب وتداعياته السلبية على الدولار
تشكل الخلافات العميقة داخل الحزب الجمهوري بشأن مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي يتبناه الرئيس ترامب مصدر قلق كبير للأسواق، مما ينعكس سلبًا على أداء الدولار الأمريكي. فقد التقى الرئيس ترامب يوم الثلاثاء بأعضاء جمهوريين في مجلس النواب، لكنه فشل في إقناع المعارضين من حزبه بدعم مشروع القانون الشامل. ووفقًا لرئيس مجلس النواب مايك جونسون، لا يزال المتشددون الجمهوريون يرون أن مشروع القانون لا يخفض الإنفاق الحكومي بشكل كافٍ.
ويقدر محللون مستقلون أن مشروع قانون الضرائب الذي يروج له ترامب سيضيف ما بين 3 إلى 5 تريليونات دولار إلى ديون البلاد، مما يزيد من الأعباء على المالية العامة الأمريكية. وفي هذا السياق، قال يوجين إبستين، رئيس قسم التداول والمنتجات المهيكلة لمنطقة أمريكا الشمالية في “مانيكورب”: “هناك إعادة تخصيص عامة للأصول بعيدا عن أصول الملاذ الآمن الأمريكية، باستثناء الأسهم، ويرجع ذلك جزئيا إلى مشروع قانون الميزانية”. وأضاف: “حتى قبل مشروع القانون، كان لدينا بالفعل نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي سيئة ومتسارعة في التدهور. إنفاقنا فاق النمو”. هذه المخاوف بشأن الاستدامة المالية للولايات المتحدة تضعف الثقة في الدولار الأمريكي.
تأثير تخفيض التصنيف الائتماني على الدولار الأمريكي
يضاف إلى هذه المخاوف الداخلية تأثير تخفيض وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي. وعلى الرغم من أن التأثير المباشر لهذا التخفيض على الأسواق قد يكون محدودا في حد ذاته، إلا أنه يعزز السردية القائلة بتراجع الثقة في الأصول الأمريكية، بما في ذلك الدولار الأمريكي، كملاذات آمنة.
وقد استمر ما يعرف بـ “موضوع بيع أمريكا” في التأثير على قرارات الاستثمار، وإن كان بوتيرة أقل دراماتيكية مما شهده السوق في وقت سابق من هذا الشهر. وفي تطور يعكس قلق المجتمع الدولي، دعت الصين يوم الاثنين الولايات المتحدة إلى اتخاذ تدابير سياسية مسؤولة للحفاظ على استقرار النظام المالي والاقتصادي الدولي وحماية مصالح المستثمرين.
السياسة التجارية الأمريكية: ضبابية مستمرة تُلقي بظلالها على الدولار
لا تزال السياسة التجارية الأمريكية مصدرًا رئيسيًا لعدم اليقين في الأسواق العالمية، مما يؤثر على أداء الدولار الأمريكي. فقد تباطأت وتيرة التطورات المتعلقة بتهدئة الحرب التجارية العالمية هذا الأسبوع، على الرغم من اقتراب نهاية فترة السماح البالغة 90 يوما التي مُنحت للشركاء التجاريين للولايات المتحدة في غياب اتفاقات جديدة.
وزاد من هذه الضبابية تصريحات وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، يوم الأحد، والتي أكد فيها أن الرئيس ترامب سيفرض التعريفات الجمركية بالمعدلات التي هدد بها الشهر الماضي على الشركاء التجاريين الذين لا يتفاوضون “بحسن نية”. وفي حين أن الأسواق لا تزال متفائلة بأن البيت الأبيض حريص على إعادة تدفق التجارة بشكل مستدام، يبدو أن المحادثات مع الحلفاء المقربين، مثل طوكيو وسول، قد فقدت زخمها.
كما يخشى المتعاملون من أن المسؤولين الأمريكيين قد يسعون عمدا لإضعاف الدولار الأمريكي كجزء من صفقات تجارية مستقلة يتم التفاوض عليها على هامش اجتماعات وزراء مالية مجموعة السبع الجارية حاليًا في كندا.
أداء الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية: تراجعات واسعة النطاق
شهد الدولار الأمريكي تراجعات ملحوظة مقابل معظم العملات الرئيسية يوم الأربعاء:
- مقابل اليورو: ارتفع اليورو بنسبة 0.5% ليصل إلى 1.1339 دولار، بعد أن كان قد سجل في وقت سابق أعلى مستوى له في أسبوعين.
- مقابل الين الياباني: انخفض الدولار الأمريكي بنسبة 0.6% ليصل إلى 143.64 ين. وجاء هذا الارتفاع في الين مدعوما جزئيا بارتفاع حاد في عوائد السندات الحكومية اليابانية المحلية، حيث قفزت عوائد سندات الثلاثين عاما إلى مستويات قياسية جديدة يوم الأربعاء في أعقاب نتيجة مزاد ضعيفة أثارت شكوكا حول مبيعات الديون القادمة. كما أن المخاوف بشأن حوافز مالية يابانية جديدة قبيل انتخابات مجلس الشيوخ المقررة في يوليو تساهم في رفع عوائد السندات اليابانية. وقال فؤاد رزاق زاده، المحلل في “فوركس.كوم”: “ارتفاع العوائد اليابانية يقلص الفجوة مع سندات الخزانة الأمريكية، مما يقلل من الحافز للاحتفاظ بالدولار الأمريكي”. وأضاف أن زوج الدولار/ين، الذي وجد دعما قصير الأجل حول مستوى 140.00، يبدو ضعيفا مرة أخرى. كما استفاد الين، إلى جانب الملاذات الآمنة الأخرى مثل الفرنك السويسري والذهب، من تقرير لشبكة “سي إن إن” يوم الثلاثاء أشار إلى أن معلومات استخباراتية جديدة جمعتها الولايات المتحدة توحي بأن إسرائيل تستعد لشن ضربة على منشآت نووية إيرانية.
- مقابل الجنيه الإسترليني: وصل الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوى له منذ فبراير 2022 مقابل الدولار الأمريكي، مدعوما ببيانات أظهرت ارتفاع التضخم الاستهلاكي في المملكة المتحدة بوتيرة أسرع مما توقعه معظم الاقتصاديين في أبريل، مما قلص من قدرة بنك إنجلترا على خفض أسعار الفائدة بسرعة. وارتفع الإسترليني في أحدث التعاملات بنسبة 0.4% ليصل إلى 1.3443 دولار.
سوق سندات الخزانة الأمريكية ومحادثات الصرف الأجنبي تحت المجهر
من المقرر إجراء مزاد لبيع سندات خزانة أمريكية لأجل 20 عامًا في وقت لاحق يوم الأربعاء، والذي قد يوفر اختبارا لشهية المستثمرين للديون الأمريكية طويلة الأجل في ظل المخاوف المالية الحالية.
وفي سياق متصل، يتطلع المشاركون في السوق أيضًا إلى المحادثات الأمريكية اليابانية، حيث من المتوقع أن يلتقي وزير المالية الياباني، كاتسونوبو كاتو، بوزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت في وقت لاحق من هذا الأسبوع. وقال كاتو قبيل الاجتماع المتوقع إن المحادثات بشأن أسعار الصرف ستستند إلى وجهة نظرهما المشتركة بأن التقلبات المفرطة غير مرغوب فيها.
ختاما يواجه الدولار الأمريكي ضغوطا متزايدة ومتعددة المصادر، مما أدى إلى تراجعه للجلسة الثالثة على التوالي. فبين الخلافات الداخلية حول السياسة المالية وتأثيرها المحتمل على الدين العام، وتجدد المخاوف بشأن السياسات التجارية الحمائية، والشكوك التي تحوم حول مكانته كملاذ آمن عالمي بعد تخفيض تصنيفه الائتماني، تبدو الصورة قاتمة للعملة الخضراء على المدى القصير.
إن تراجع الدولار الأمريكي هذا العام مقابل جميع العملات الرئيسية يُعد مؤشرًا قويًا على عمق هذه التحديات. وبينما قد توفر بعض التطورات الإيجابية المؤقتة، مثل الهدنة التجارية مع الصين، بعض الدعم اللحظي، إلا أن العوامل الهيكلية والمخاوف طويلة الأجل تظل قائمة. وستكون قدرة الإدارة الأمريكية على معالجة هذه القضايا المالية والتجارية بشكل فعال، بالإضافة إلى تطورات الأوضاع الجيوسياسية العالمية، هي المحدد الرئيسي لمسار الدولار الأمريكي في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا…