الدولار الأمريكي يتراجع بقوة: خفض التصنيف الائتماني لأمريكا ينهي موجة مكاسب استمرت أسابيع

شهد الدولار الأمريكي تراجعًا حادًا مقابل سلة من العملات الرئيسية خلال تداولات يوم الاثنين، ليصل إلى أدنى مستوى له في عشرة أيام مقابل الين الياباني الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا. يأتي هذا الانخفاض الملحوظ في الوقت الذي تستوعب فيه الأسواق المفاجأة المتمثلة في قيام وكالة موديز بخفض التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى تجدد المخاوف بشأن التوترات التجارية العالمية، مما أثر سلبًا على معنويات المستثمرين تجاه العملة الأمريكية. ويُنهي هذا التراجع موجة مكاسب كان قد حققها الدولار الأمريكي على مدار الأسابيع الأربعة الماضية.
تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يؤثر سلبا الدولار الأمريكي
كان لقرار وكالة “موديز” يوم الجمعة الماضي بخفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة درجة واحدة، لتصبح بذلك آخر وكالات التصنيف الكبرى التي تتخذ مثل هذا الإجراء، تداعيات مباشرة على أداء الدولار الأمريكي مع بداية الأسبوع. وعزت “موديز” قرارها إلى المخاوف المتزايدة بشأن عبء الديون الأمريكية المتنامي الذي وصل إلى 36 تريليون دولار.
هذا التخفيض أثار تساؤلات جدية حول الوضع المالي للولايات المتحدة وقدرتها على إدارة ديونها، مما أثر على النظرة إلى الأصول الأمريكية بشكل عام. وعلق فرانشيسكو بيسولي، استراتيجي العملات في آي إن جي، قائلاً: “يبدو أن الدولار الأمريكي يواجه جولة جديدة من بناء المراكز البيعية بعد تخفيض موديز يوم الجمعة. العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 منخفضة بنسبة 1.2% وسندات الخزانة تحت الضغط: إنها جلسة ‘بيع أمريكا’ تقليدية في الأسواق”.
من جانبه، أشار كينيث بروكس، رئيس أبحاث الشركات للعملات الأجنبية وأسعار الفائدة في سوسيتيه جنرال، إلى أن التخفيض “يثير المزيد من الأسئلة المشروعة حول العجز، ووضع الملاذ الآمن لسندات الخزانة والدولار الأمريكي”، واصفًا أحداث اليوم بأنها “تذكير بهشاشة الدولار الأمريكي”. كما رأت مهجبين زمان، رئيسة أبحاث الصرف الأجنبي في إيه إن زد، أن “التركيز على مخاطر النمو في الولايات المتحدة وأجندة سياسات الإدارة الأمريكية قد وضع وضع الملاذ الآمن للولايات المتحدة موضع تساؤل”.
وتأتي هذه المخاوف في وقت واجه فيه الرئيس ترامب عقبة نحو تمرير مشروع قانون لتخفيضات ضريبية شاملة قد تضيف ما يقدر بنحو 3 إلى 5 تريليونات دولار إلى ديون البلاد خلال العقد المقبل، بعد حصوله على موافقة من لجنة برلمانية رئيسية، مما يزيد من المخاوف بشأن الاستدامة المالية.
تجدد التوترات التجارية يضيف ضغوطًا إضافية على الدولار الأمريكي
لم تقتصر الضغوط على الدولار الأمريكي على تخفيض التصنيف الائتماني، بل امتدت لتشمل تجدد المخاوف بشأن التوترات التجارية. فقد صرح وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، في مقابلات تلفزيونية يوم الأحد بأن الرئيس دونالد ترامب سيفرض التعريفات الجمركية بالمعدلات التي هدد بها الشهر الماضي على الشركاء التجاريين الذين لا يتفاوضون “بحسن نية”. هذه التصريحات أعادت إلى الأذهان حالة عدم اليقين التي صاحبت السياسات التجارية الأمريكية مؤخرًا.
وفي رد فعل على ذلك، دعت الصين يوم الاثنين الولايات المتحدة إلى اتخاذ تدابير سياسية مسؤولة للحفاظ على استقرار النظام المالي والاقتصادي الدولي وحماية مصالح المستثمرين. إن تجدد هذه اللهجة المتشددة بشأن التجارة يقلل من شهية المخاطرة عالميًا وقد يدفع المستثمرين للبحث عن بدائل االدولار الأمريكي في حال تزايدت الشكوك حول استقرار السياسات الأمريكية.
أداء الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية وتأثر الأصول الأخرى
شهد الدولار الأمريكي تراجعات واضحة مقابل معظم العملات الرئيسية يوم الاثنين:
- مقابل الين الياباني (JPY): انخفض الدولار بنسبة وصلت إلى 0.7% ليتداول عند 144.665 ين، وهو أدنى مستوى له منذ 8 مايو.
- مقابل اليورو (EUR): ارتفع اليورو بنسبة 0.73% ليصل إلى 1.1247 دولار.
- مقابل الجنيه الإسترليني (GBP): أضاف الإسترليني 0.79% ليتداول عند 1.33850 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ 30 أبريل، مدعومًا أيضًا بأنباء عن توصل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى أهم إعادة ضبط للعلاقات الدفاعية والتجارية منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- مقابل الفرنك السويسري (CHF): انخفض الدولار بنسبة 0.41% ليصل إلى 0.833390 فرنك، وهو عملة ملاذ آمن أخرى.
- مقابل الدولار الأسترالي (AUD): ارتفع الدولار الأسترالي بنسبة 0.66% ليصل إلى 0.64460 دولار أمريكي، وذلك قبيل إعلان سياسة بنك الاحتياطي الأسترالي يوم الثلاثاء، حيث من المتوقع على نطاق واسع خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة.
- مقابل الدولار النيوزيلندي (NZD): ارتفع الكيوي النيوزيلندي بنسبة 0.6% ليصل إلى 0.59145 دولار أمريكي.
وامتد تأثير تراجع الثقة ليشمل أسواق الأسهم وسندات الخزانة، حيث تراجعت العقود الآجلة لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 1.1%، متجهة لأداء أضعف من الأسهم الأوروبية التي شهد مؤشرها الرئيسي “ستوكس 600” انخفاضًا أقل حدة بنسبة 0.6%. كما ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار 11.5 نقطة أساس ليصل إلى 4.5545%، مما يشير إلى عمليات بيع لهذه السندات (ضغط على أسعارها).
نهاية موجة صعود للدولار وتحذيرات المحللين بشأن الرضا عن النفس
يأتي انخفاض الدولار الأمريكي يوم الاثنين ليقطع سلسلة مكاسب استمرت لأربعة أسابيع متتالية، كانت مدفوعة في البداية بالتفاؤل المتزايد بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاقات تجارية أمريكية، ثم لاحقًا بالتهدئة في العلاقات مع الصين والتي أدت إلى تراجع المخاوف من ركود عالمي.
ومع ذلك، حذر بعض المحللين من الإفراط في التفاؤل. فقد أشار راي أتريل، رئيس استراتيجية الصرف الأجنبي في بنك أستراليا الوطني، إلى أن “هناك الكثير من الرضا عن النفس بشأن القدرة على إبرام الصفقات”، وأن “الثقة في قدرة الاقتصاد الأمريكي على تجاوز هذه المرحلة لا تزال موضع تساؤل كبير”.
تطورات تجارية أخرى: بصيص أمل وسط الضباب المتجدد
على الرغم من التصريحات المتشددة لوزير الخزانة بيسنت، قدم تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” بعض الأمل، حيث أشار إلى أن الولايات المتحدة بدأت محادثات تجارية جادة مع الاتحاد الأوروبي، مما يكسر جمودا طويلا، ويوفر أملاً في إبرام اتفاقيات إضافية بعد الإطار الأولي الذي تم التوصل إليه مع بريطانيا في وقت سابق من هذا الشهر. وكان الرئيس ترامب قد أشار سابقا إلى وجود صفقات محتملة مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية أيضا، على الرغم من أن المحادثات مع طوكيو تبدو متعثرة بسبب التعريفات على السيارات.
ختاما يمثل تراجع الدولار الأمريكي في بداية الأسبوع تحولًا هامًا في معنويات السوق، مدفوعًا بمزيج من القلق المتزايد بشأن الوضع المالي للولايات المتحدة بعد تخفيض تصنيفها الائتماني، وتجدد حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية الأمريكية. وبينما قدمت التهدئة المؤقتة مع الصين بعض الارتياح في وقت سابق، فإن تصريحات المسؤولين الأخيرة تشير إلى أن الطريق لا يزال طويلاً وشائكًا.
إن تساؤل المحللين حول وضع الملاذ الآمن الدولار الأمريكي، وقدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمل هذه الضغوط، سيجعل العملة الأمريكية تحت المجهر في الفترة القادمة. وسيكون أداء الأسواق، وتطورات المفاوضات التجارية، والسياسات المالية للحكومة الأمريكية، كلها عوامل حاسمة في تحديد مسار الدولار الأمريكي وقدرته على استعادة الثقة التي اهتزت مؤخرا.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد