تراجع مفاجئ في أسعار المنتجين يربك الأسواق الأمريكية:

في تطور مفاجئ أثار اهتمام الأسواق الأمريكية يوم الخميس، انخفضت الأسعار التي يدفعها المنتجون في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع في شهر أبريل، مسجلة أكبر تراجع لها منذ خمس سنوات. ويُعزى هذا الانخفاض بشكل كبير إلى تراجع هوامش الربح، مما يشير إلى أن الشركات قد بدأت في امتصاص جزء من الضربة الناجمة عن ارتفاع التعريفات الجمركية بدلا من تمريرها بالكامل إلى المستهلكين في الوقت الحالي.
هذا التقرير، الذي جاء بعد بيانات تضخم أسعار المستهلكين المعتدلة هذا الأسبوع وبيانات مبيعات التجزئة الضعيفة، يضيف طبقة جديدة من التعقيد لتحليل الأسواق الأمريكية ويغذي التكهنات حول المسار المستقبلي لسياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
قراءة معمقة في بيانات أسعار المنتجين لشهر أبريل
أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة يوم الخميس انخفاضا بنسبة 0.5% في مؤشر أسعار المنتجين (PPI) لشهر أبريل، وذلك بعد استقرار سجله المؤشر في مارس. وجاء هذا الانخفاض مخالفًا لتوقعات الاقتصاديين في استطلاع أجرته وكالة بلومبرغ، والذين كانوا يتوقعون ارتفاعا بنسبة 0.2%.
وكان الانخفاض أكثر وضوحا في المؤشرات الأساسية:
- مؤشر أسعار المنتجين باستثناء الغذاء والطاقة: انخفض بنسبة 0.4% على أساس شهري، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2015.
- مؤشر أسعار المنتجين باستثناء الغذاء والطاقة والتجارة (وهو مقياس أقل تقلبًا يفضله العديد من الاقتصاديين): انخفض بنسبة 0.1% على أساس شهري، وهو أول انخفاض له منذ خمس سنوات. وعلى أساس سنوي، ارتفع هذا المقياس بنسبة 2.9%.
وتشير هذه الأرقام إلى أن المصنعين ومقدمي الخدمات الأمريكيين، حتى الآن، يترددون في تحميل الزيادات في الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات بالكامل. وقد كان التأثير على المستهلكين متواضعًا أيضًا حتى الآن، على الرغم من أن المنتجين يشعرون بوطأة الرسوم الجمركية المفروضة على المواد المستوردة والمدخلات الأخرى.
تفاصيل مكونات مؤشر أسعار المنتجين:
- أسعار السلع (باستثناء الغذاء والطاقة): ارتفعت بنسبة 0.4% في أبريل، مدفوعة بارتفاع تكلفة معدات الأعمال، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر وآلات مناولة المواد الصناعية.
- أسعار المواد الغذائية: انخفضت للشهر الثاني على التوالي، مع تراجع تكلفة البيض بأكثر من 39%.
- تكاليف الطاقة: انخفضت للشهر الثالث على التوالي.
- أسعار خدمات الطلب النهائي: انخفضت بنسبة 0.7%، وهو أكبر انخفاض في البيانات التي يعود تاريخها إلى عام 2009. ويُعزى أكثر من 40% من هذا الانخفاض إلى تراجع هوامش الربح في تجارة الجملة للآلات والمركبات.
- الفئات المستخدمة في حساب مقياس التضخم المفضل لدى الفيدرالي (PCE): كانت هذه الفئات أضعف إلى حد كبير بسبب تراجع رسوم إدارة المحافظ المالية وأسعار تذاكر الطيران.
- فئات الرعاية الصحية: شهدت ارتفاعًا في مؤشر أسعار المنتجين.
الشركات الأمريكية تحت ضغط التعريفات
تعتبر النقطة الأبرز في تقرير أسعار المنتجين هي الإشارة إلى أن الشركات الأمريكية قد بدأت في امتصاص جزء كبير من تكاليف التعريفات الجمركية المرتفعة، بدلا من تمريرها فورا إلى المستهلكين. هذا السلوك يعكس الصعوبات التي يواجهها قادة الأعمال في التعامل مع بيئة سياسات متغيرة باستمرار وتأثيرها على استراتيجيات التسعير.
وقد أظهر استطلاع حديث لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا لتوقعات تضخم الأعمال أن أقل من شركة واحدة من كل خمس شركات تعتقد أنها ستكون قادرة على تمرير زيادة بنسبة 10% في التكاليف بالكامل إلى عملائها. ويأتي هذا في وقت يشعر فيه المستهلكون بالفعل بالقلق بشأن الاقتصاد، حيث تدهورت معنويات المستهلكين وأظهر تقرير مبيعات التجزئة الصادر يوم الخميس أيضا نموا بالكاد يذكر.
هذا الوضع يضع الشركات أمام معضلة حقيقية، وهي مصدر قلق رئيسي للأسواق الأمريكية:
- إذا قامت الشركات برفع الأسعار: فإنها تخاطر بفقدان المبيعات في ظل تباطؤ الطلب وحذر المستهلكين.
- إذا لم تقم برفع الأسعار (وامتصت التكاليف): فإن ذلك يشكل ضغطا كبيرا على هوامش أرباحها، مما قد يؤثر سلبًا على أدائها المالي وتقييمات أسهمها في الأسواق الأمريكية.
وتعكس استراتيجيات التسعير لبعض الشركات الكبرى هذه الحالة من الحذر والترقب:
- ستيلانتس (Stellantis NV): تقدم الشركة خصومات على مركباتها.
- هيونداي موتور (Hyundai Motor Co.): قررت تثبيت الأسعار حتى يونيو، في محاولة لتهدئة المخاوف من أن التعريفات على السيارات المستوردة سترفع الأسعار بآلاف الدولارات.
- وول مارت (Walmart Inc.): على الرغم من تحقيقها مبيعات وأرباحًا فصلية قوية، حذرت الشركة من أن التعريفات والاضطرابات الاقتصادية المتزايدة تعني أنها تتوقع البدء في رفع بعض الأسعار هذا الشهر. وقالت الشركة في بيان: “انعدام الوضوح الموجود في بيئة التشغيل الديناميكية اليوم يجعل التنبؤ على المدى القريب للغاية أمرا صعبا للغاية”.
يلجأ العديد من الشركات أيضًا إلى البحث عن طرق أخرى لخفض التكاليف أو السعي لتعزيز الإنتاجية لمواجهة هذه الضغوط.
تداعيات بيانات أسعار المنتجين على الأسواق الأمريكية
كان لبيانات مؤشر أسعار المنتجين الضعيفة تأثير فوري ومتباين على الأسواق الأمريكية:
- سندات الخزانة الأمريكية: واصلت ارتفاعها (مما يعني انخفاض عوائدها)، حيث عزز المتداولون توقعاتهم بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يلجأ إلى خفض أسعار الفائدة. انخفاض أسعار المنتجين، وبالتالي احتمالية انخفاض تضخم أسعار المستهلكين في المستقبل إذا لم تتمكن الشركات من رفع الأسعار لتعويض هوامشها، يمنح الفيدرالي مساحة أكبر للتيسير النقدي. وهذا يعتبر إيجابيًا لسوق السندات وبعض قطاعات الأسواق الأمريكية الحساسة لأسعار الفائدة.
- الدولار الأمريكي: ظل الدولار منخفضًا، حيث أن توقعات خفض أسعار الفائدة عادة ما تضعف العملة.
- العقود الآجلة لمؤشر S&P 500: قلصت بعض الخسائر التي سجلتها في وقت سابق. قد يعكس رد الفعل الأولي السلبي لأسواق الأسهم المخاوف بشأن ضغط هوامش أرباح الشركات، لكن الآمال في سياسة نقدية أكثر تساهلاً من الفيدرالي قد تحد من هذا التشاؤم.
نظرة على مسار التضخم المستقبلي وتأثيره على قرارات الفيدرالي
على الرغم من أن بيانات مؤشر أسعار المنتجين لشهر أبريل جاءت منخفضة بشكل غير متوقع، إلا أن المخاوف بشأن ارتفاع التضخم في المستقبل لا تزال قائمة، خاصة مع استمرار فرض التعريفات الجمركية. ومع ذلك، قد تساهم الأسعار المنخفضة للعديد من السلع الأولية في التخفيف من درجة تمرير تكاليف التعريفات إلى المستهلكين وعملاء المنتجين في البلاد.
وأظهر تقرير أسعار المنتجين أن تكاليف السلع المصنعة للطلب الوسيط، والتي تعكس الأسعار في مراحل مبكرة من سلسلة الإنتاج، ارتفعت بشكل طفيف بعد انخفاضها في مارس. وفي المقابل، انخفضت أسعار السلع غير المصنعة بشكل حاد بسبب انخفاض أسعار المواد الغذائية والطاقة.
يراقب المحللون عن كثب مؤشر أسعار المنتجين لأن بعض مكوناته تُستخدم في حساب مقياس التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE). وكانت هذه الفئات ضعيفة إلى حد كبير في تقرير أبريل بسبب تراجع رسوم إدارة المحافظ وتذاكر الطيران، بينما ارتفعت فئات الرعاية الصحية. ومن المقرر صدور تقرير نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أبريل في وقت لاحق من هذا الشهر، وسيكون له تأثير كبير على تقييمات الأسواق الأمريكية لتوجهات الفيدرالي.
التعريفات، النمو الاقتصادي، وسياسة الشركات في ظل بيئة متغيرة
تأتي هذه البيانات في سياق اقتصادي معقد تهيمن عليه حالة من عدم اليقين بشأن السياسات التجارية. فبينما تهدف إدارة الرئيس ترامب من خلال التعريفات إلى تحفيز التصنيع والاستثمار المحلي على المدى الطويل، يرى النقاد أن هذه التعريفات تضيف في الواقع إلى مجموعة من التحديات التي تعيق بالفعل جهود إعادة التوطين الصناعي وتزيد من تكاليف الإنتاج.
إن قدرة الشركات على التكيف مع هذه “بيئة التشغيل الديناميكية والمتغيرة باستمرار” من خلال استراتيجيات التسعير، أو خفض التكاليف، أو تحسين الإنتاجية، ستكون حاسمة في تحديد أدائها المالي، وبالتالي أداء أسهمها في الأسواق الأمريكية.
في النهاية قدم الانخفاض المفاجئ في مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي لشهر أبريل معطيات جديدة ومعقدة للأسواق الأمريكية. فمن ناحية، يشير إلى أن الشركات تتحمل حاليًا جزءًا من عبء التعريفات الجمركية، وهو ما قد يضغط على هوامش أرباحها ويشكل مصدر قلق للمستثمرين في الأسواق الأمريكية. ومن ناحية أخرى، فإن هذا التباطؤ في ضغوط أسعار المنتجين، بالإضافة إلى بيانات أسعار المستهلكين المعتدلة، يعزز من التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يمتلك مرونة أكبر لتيسير سياسته النقدية في وقت لاحق من العام، وهو ما يمكن أن يكون إيجابيًا لبعض قطاعات الأسواق الأمريكية.
ستظل الأسواق الأمريكية في حالة ترقب شديد للبيانات الاقتصادية القادمة، وخاصة مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، وأي تطورات جديدة على صعيد السياسة التجارية واستراتيجيات تسعير الشركات. هذه العوامل مجتمعة هي التي سترسم ملامح المشهد الاقتصادي وتحدد مسار قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي اتجاه الأسواق الأمريكية في الأشهر المقبلة.
اقرأ أيضا…