أسعار النفط تتهاوى بنحو 3% بفعل آمال اتفاق نووي إيراني ومفاجأة المخزونات الأمريكية

شهدت أسعار النفط تراجعا حادا بنحو دولارين للبرميل، أي ما يعادل حوالي 3%، خلال تداولات يوم الخميس. ويأتي هذا الانخفاض الكبير مدفوعًا بتضافر عاملين رئيسيين: الأول هو التوقعات المتزايدة بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على طهران وزيادة إمدادات النفط الإيرانية في الأسواق العالمية، والثاني هو الزيادة المفاجئة في مخزونات النفط الخام الأمريكية الأسبوع الماضي، مما أثار قلق المستثمرين بشأن تخمة المعروض.
حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 1.99 دولار، أو بنسبة 3%، لتصل إلى 64.10 دولار للبرميل. وفي الوقت نفسه، تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأمريكي بمقدار 2.05 دولار، أو بنسبة 3.3%، لتسجل 61.10 دولار للبرميل.
توقعات الاتفاق النووي الإيراني تضغط بقوة على أسعار النفط
تصدرت الأنباء المتعلقة بالمفاوضات النووية الإيرانية المشهد وألقت بظلالها على أسعار النفط. فقد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس بأن الولايات المتحدة “تقترب بشدة” من تأمين اتفاق نووي مع إيران، وأن طهران “وافقت نوعا ما” على الشروط. جاء هذا التصريح بعد أن نقلت شبكة “إن بي سي نيوز” عن مسؤول إيراني يوم الأربعاء قوله إن إيران مستعدة للموافقة على اتفاق مع الولايات المتحدة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
إن التوصل إلى اتفاق من هذا النوع يعني عودة كميات كبيرة من النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية، بعد أن كانت مقيدة بفعل العقوبات. هذه الزيادة المحتملة في المعروض العالمي تعتبر عاملا رئيسيا للضغط على أسعار النفط نحو الانخفاض.
وفي هذا السياق، علق جون إيفانز، المحلل في “بي في إم أويل”، على تراجع الأسعار قائلاً إن هذه الحركة “تسارعت بفعل ما يبدو أنه تهدئة للعداء في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران”، وذلك بالإضافة إلى تأثير بيانات المخزونات الأمريكية.
مفاجأة المخزونات الأمريكية تعزز مخاوف تخمة المعروض في سوق النفط
زاد من الضغوط على أسعار النفط صدور بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية يوم الأربعاء، والتي أظهرت ارتفاعا مفاجئا في مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة. فقد ارتفعت المخزونات بمقدار 3.5 مليون برميل لتصل إلى 441.8 مليون برميل الأسبوع الماضي. وجاءت هذه الزيادة على عكس توقعات المحللين في استطلاع أجرته وكالة رويترز، والذين كانوا يتوقعون سحبًا قدره 1.1 مليون برميل.
عادة ما ينظر إلى ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية على أنه إشارة إما إلى ضعف الطلب في أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم، أو إلى وجود فائض في المعروض، وكلاهما يؤثر سلبا على أسعار النفط.
سياق العقوبات الأمريكية المستمرة على إيران: تعقيدات المشهد
على الرغم من الآمال المتزايدة بالتوصل إلى اتفاق نووي، تواصل واشنطن فرض عقوبات على إيران في مجالات أخرى. فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الأربعاء عن فرض عقوبات تستهدف جهود إيران لتصنيع مكونات الصواريخ الباليستية محليا. وجاء ذلك بعد فرض عقوبات يوم الثلاثاء على نحو 20 شركة ضمن شبكة قالت إنها ترسل النفط الإيراني إلى الصين منذ فترة طويلة.
تأتي هذه العقوبات في أعقاب جولة رابعة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران جرت في سلطنة عمان بهدف معالجة الخلافات حول برنامج طهران النووي. هذا النهج المزدوج من واشنطن – التفاوض مع فرض عقوبات جديدة – يضيف طبقة من التعقيد على المشهد، وقد يشير إلى أن الطريق نحو اتفاق نووي شامل وتخفيف كامل للعقوبات قد لا يكون وشيكا أو خاليا من العقبات، مما قد يحد من التأثير الهبوطي الكامل على أسعار النفط على المدى الطويل إذا لم يتحقق الاتفاق بسرعة.
نظرة وكالة الطاقة الدولية وأوبك على العرض والطلب
في خضم هذه التطورات، قدمت المؤسسات الدولية الكبرى رؤى متباينة حول مستقبل سوق النفط:
- وكالة الطاقة الدولية (IEA): رفعت الوكالة توقعاتها لنمو الطلب على النفط في عام 2025 بشكل طفيف إلى 740 ألف برميل يوميا، بزيادة قدرها 20 ألف برميل يوميا عن التقرير السابق. وعزت الوكالة هذه المراجعة إلى توقعات نمو اقتصادي أعلى وانخفاض أسعار النفط مما يدعم الاستهلاك.
- منظمة أوبك (OPEC): من جانبها، وفي حين أن تحالف “أوبك+” الذي يضم أوبك ومنتجين آخرين من بينهم روسيا، كان يعمل على زيادة الإمدادات، إلا أن منظمة أوبك خفضت يوم الأربعاء توقعاتها لنمو إمدادات النفط من الولايات المتحدة والمنتجين الآخرين من خارج مجموعة “أوبك+” الأوسع هذا العام. هذا الخفض في توقعات نمو إمدادات المنتجين المستقلين قد يوفر بعض الدعم لأسعار النفط من خلال تقليل المخاوف من تخمة المعروض من خارج “أوبك+”.
في النهاية تتعرض أسعار النفط لضغوط كبيرة يوم الخميس، مدفوعة بشكل أساسي بالاحتمالية المتزايدة لعودة النفط الإيراني إلى الأسواق بكميات كبيرة في حال التوصل إلى اتفاق نووي، بالإضافة إلى البيانات المفاجئة التي أظهرت ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية. هذان العاملان يشيران إلى زيادة محتملة في المعروض العالمي و/أو ضعف في الطلب، مما يدفع أسعار النفط للانخفاض.
ورغم أن وكالة الطاقة الدولية أبدت بعض التفاؤل بشأن نمو الطلب المستقبلي، وأن أوبك قلصت توقعاتها لنمو المعروض من خارجها، إلا أن التركيز الفوري للسوق ينصب على التأثير المباشر لعودة النفط الإيراني المحتملة والمخزونات الأمريكية الفعلية. وعليه، تبدو النظرة المستقبلية القريبة لأسعار النفط تميل إلى الضعف، في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات النووية والتطورات الفعلية في ميزان العرض والطلب العالمي.
اقرأ أيضا…