الدولار الأمريكي يواصل تراجعه للجلسة الثانية مع هدوء التضخم وترقب تطورات التجارة

واصل الدولار الأمريكي تراجعه خلال تداولات يوم الأربعاء، مضيفًا إلى انخفاضه في الجلسة السابقة، وذلك بعد صدور بيانات تضخم أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة التي جاءت أضعف من توقعات السوق لشهر أبريل. هذا التراجع يأتي في أعقاب قفزة قوية شهدتها العملة الأمريكية مطلع الأسبوع بدعم من التفاؤل الذي أعقب الإعلان عن هدنة تجارية بين الولايات المتحدة والصين. ويترقب المستثمرون الآن أي إشارات جديدة حول استمرار تهدئة التوترات التجارية العالمية وتوجهات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
بيانات التضخم وتأثيرها المباشر على مسار الدولار الأمريكي
كان المحرك الرئيسي لضعف الدولار الأمريكي يومي الثلاثاء والأربعاء هو بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أبريل، والتي كشفت عن ارتفاع بنسبة 0.2% على أساس شهري، وهو ما جاء أقل من توقعات الاقتصاديين الذين استطلعت آراؤهم وكالة رويترز والذين كانوا يتوقعون زيادة بنسبة 0.3%. ويأتي هذا بعد انخفاض طفيف بنسبة 0.1% في مارس، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية قد تكون أقل حدة مما كان يُعتقد سابقًا.
وفي هذا السياق، علق جوزيف تريفيساني، كبير المحللين في “إف إكس ستريت” بنيويورك، قائلاً: “ما شهدناه خلال الفترة الماضية، وبالتحديد منذ أن توقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن خفض أسعار الفائدة، هو حساسية كبيرة في الأسواق، وخاصة أسواق العملات، تجاه بيانات التضخم”. وأضاف: “نحن ننتقل من القلق بشأن معدل التضخم في الولايات المتحدة، الذي يواصل التحرك في الاتجاه الصحيح، وربما نحو إنعاش النمو”. هذه الرؤية تشير إلى أن تباطؤ التضخم قد يقلل من حاجة الفيدرالي لتبني سياسة نقدية متشددة، وهو ما قد يضغط على الدولار الأمريكي على المدى القصير.
وعلى الرغم من هذه القراءة المعتدلة، أشار براين جاكوبسن، كبير الاقتصاديين في “آنكس ويلث مانجمنت”، إلى أنه “بينما كان الرقم الرئيسي للتضخم أفضل من المتوقع، هناك مؤشرات على أن التعريفات قد دفعت الأسعار للارتفاع بالفعل”. ولكنه أضاف أن “خفض درجة حرارة التعريفات أمر جيد حيث ستبدأ تأثيرات الأسعار في التسرب إلى سلة المستهلك بسرعة كبيرة. وقد يعني إعادة ضبط العلاقات التجارية مع الصين أن بإمكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي العودة إلى العمل كالمعتاد واستئناف خفض أسعار الفائدة تدريجيًا في وقت لاحق من هذا العام”.
أداء الدولار الأمريكي في أسواق العملات يوم الأربعاء
انعكس تأثير بيانات التضخم المعتدلة على أداء الدولار الأمريكي في أسواق العملات العالمية:
- مؤشر الدولار (DXY): انخفض المؤشر، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.25% ليصل إلى 100.73.
- مقابل اليورو: ارتفع اليورو بنسبة 0.25% ليصل إلى 1.1212 دولار، مستفيدًا من تراجع الدولار الأمريكي.
- مقابل الين الياباني: ضعف الدولار الأمريكي بنسبة 0.89% ليتداول عند 146.16 ين، مواصلاً تراجعه بعد الارتفاع القوي الذي شهده يوم الاثنين.
- مقابل الجنيه الإسترليني: شهد الجنيه الإسترليني تراجعًا طفيفًا بنسبة 0.1% ليتداول عند 1.3291 دولار، مما يعني قوة نسبية لالدولار الأمريكي مقابل الإسترليني في هذه الجلسة، على عكس أدائه العام.
- مقابل الفرنك السويسري: تراجع الدولار الأمريكي بنسبة 0.47% ليصل إلى 0.841 فرنك، بعد أن كان قد صعد بنسبة 1.6% يوم الاثنين.
- مقابل اليوان الصيني في التعاملات الخارجية: ارتفع الدولار الأمريكي بشكل طفيف جدا بنسبة 0.01% ليصل إلى 7.199 يوان، وذلك بعد أن كان قد انخفض إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر عند 7.1779 يوان.
الهدنة التجارية وتوقعات أسعار الفائدة
يأتي هذا التراجع الطفيف للدولار الأمريكي بعد قفزة كبيرة تجاوزت 1% يوم الاثنين، مدفوعة بالتفاؤل الذي أثاره الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين على خفض التعريفات الجمركية مؤقتًا، مما أدى إلى تهدئة المخاوف من حرب تجارية شاملة وركود عالمي.
وعلى الرغم من مكاسب يوم الاثنين، لا يزال الدولار الأمريكي أقل بأكثر من 2% من مستواه في 2 أبريل، وهو التاريخ الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق، مما أدى إلى اهتزاز الثقة ودفع المستثمرين الأجانب إلى تقليل تعرضهم للأسهم والسندات الأمريكية.
وقد أدت تهدئة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى قيام المشاركين في السوق بتقليص توقعاتهم بشأن حدوث ركود، وكذلك توقعاتهم بشأن توقيت وحجم تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا العام. وقامت كبرى شركات الوساطة المالية، بما في ذلك “جولدمان ساكس” و”جيه بي مورجان” و”باركليز”، مؤخرًا بتخفيض توقعاتها بحدوث ركود في الولايات المتحدة ومراجعة نظرتها بشأن تيسير سياسة الفيدرالي. ووفقًا لبيانات مجموعة بورصات لندن (LSEG)، يُنظر الآن إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس على الأقل على أنه مرجح في اجتماع سبتمبر للبنك المركزي، مقارنة بتوقعات سابقة كانت تشير إلى خفض في اجتماع يوليو. كما يتم تسعير حوالي 51 نقطة أساس من التخفيضات لعام 2025. هذا التحول في توقعات أسعار الفائدة، والذي يعني سياسة نقدية أقل تساهلاً مما كان متوقعًا سابقًا، يشكل في العادة دعما للدولار الأمريكي.
تعليقات مسؤولي الفيدرالي
أضفت تصريحات مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي مزيدًا من التعقيد على المشهد. فقد صرح أوستان غولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، بأن البيانات التي أظهرت تضخمًا معتدلًا في أسعار المستهلكين خلال شهر أبريل لا تعكس بالضرورة تأثير ارتفاع التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية، وأن الفيدرالي لا يزال بحاجة إلى المزيد من البيانات لتحديد اتجاه الأسعار والاقتصاد.
كما أشار نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فيليب جيفرسون، إلى شعور مماثل، قائلاً إن بيانات التضخم الأخيرة تشير إلى تقدم جيد نحو هدف البنك المركزي البالغ 2%، لكن التوقعات الآن غير مؤكدة بسبب احتمال أن تؤدي ضرائب الاستيراد الجديدة إلى ارتفاع الأسعار. هذه التعليقات الحذرة تشير إلى أن معركة الفيدرالي ضد التضخم لم تنته بعد، وأن تأثير السياسات التجارية لا يزال مصدر قلق، مما قد يؤثر على قرارات السياسة النقدية المستقبلية وبالتالي على قيمة الدولار الأمريكي.
تحركات الوون الكوري الجنوبي تلفت الأنظار
في تطور لافت، تعرض الدولار الأمريكي لضغوط مقابل الوون الكوري الجنوبي، ليصل إلى أدنى مستوى له في أسبوع مقابل العملة الكورية. جاء ذلك في أعقاب أنباء عن اجتماع نائب وزير المالية الكوري الجنوبي، تشوي جي يونغ، مع روبرت كابروث من وزارة الخزانة الأمريكية في 5 مايو لمناقشة أسواق الصرف الأجنبي. وقد تعزز الوون بنسبة 1.53% مقابل الدولار ليصل إلى 1,394.64.
وعلق محللون في “جولدمان ساكس” في مذكرة للعملاء بأنه على الرغم من شح تفاصيل الاجتماع وأن المحادثات قد تكون جزءًا من حوار مستمر، إلا أن “ذلك يسلط تركيزًا متجددًا على إمكانية ارتفاع قيمة عملات الدول ذات الفائض التجاري والتي تُقيّم بأقل من قيمتها الحقيقية في بيئة دولار أمريكي أضعف”. يشير هذا التحليل إلى وجود عوامل هيكلية قد تضغط على الدولار الأمريكي مقابل بعض العملات الآسيوية على وجه الخصوص.
الأنظار تتجه إلى بيانات أمريكية إضافية وكلمة رئيس الفيدرالي
يترقب المستثمرون الآن عن كثب البيانات الأمريكية المقرر صدورها يوم الخميس، والتي تشمل بيانات عن سوق العمل، ومؤشر تضخم آخر، وقراءة لصحة المستهلك. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يدلي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بتصريحات. ستكون هذه البيانات والتصريحات حاسمة في توفير مزيد من الإشارات حول قوة الاقتصاد الأمريكي ومسار السياسة النقدية، وبالتالي ستلعب دورًا هامًا في تحديد اتجاه الدولار الأمريكي.
واصل الدولار الأمريكي تراجعه الحذر يوم الأربعاء، حيث استوعبت الأسواق بيانات التضخم الأضعف من المتوقع لشهر أبريل، والتي جاءت بعد الارتفاع القوي الذي شهدته العملة مطلع الأسبوع بفضل الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ورغم أن هذه الهدنة قد قللت من توقعات الركود ودفعت الأسواق إلى إعادة تقييم مدى سرعة وحجم تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة من الفيدرالي – وهو ما يدعم الدولار الأمريكي نظريًا – إلا أن بيانات التضخم الفورية ألقت بظلال من الشك على مدى قوة الضغوط السعرية الحالية. تصريحات مسؤولي الفيدرالي الحذرة، والتطورات في أسواق العملات الآسيوية، تزيد من تعقيد الصورة. ستبقى الأنظار متجهة نحو البيانات الاقتصادية الأمريكية القادمة وكلمة رئيس الفيدرالي، والتي ستكون حاسمة في تشكيل المسار قصير الأجل للدولار الأمريكي في ظل هذه البيئة العالمية المتقلبة.
اقرأ أيضا…