تحليل بيانات التضخم الأمريكي لشهر أبريل وتأثيره على قرارات الفيدرالي والأسواق المالية

صدرت بيانات التضخم الأمريكي لشهر أبريل لتظهر ارتفاعا أقل من المتوقع، وذلك في ظل أسعار معتدلة للملابس والسيارات الجديدة، مما يشير إلى أن الشركات لا تتعجل حتى الآن في تحميل تكلفة التعريفات الجمركية المرتفعة على المستهلكين. هذا التطور أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا التباطؤ في التضخم الأمريكي يمثل هدوءا مؤقتا أم بداية لمسار جديد، وألقى بظلاله على توقعات قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية وردود فعل الأسواق المالية.
قراءة تفصيلية في أرقام التضخم الأمريكي لشهر أبريل
وفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة يوم الثلاثاء، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين، باستثناء فئتي الغذاء والطاقة المتقلبة (ما يعرف بمؤشر التضخم الأمريكي الأساسي)، بنسبة 0.2% عن شهر مارس. وتُعد هذه القراءة هي الثالثة على التوالي التي تأتي أضعف من توقعات المحللين.
- مؤشر أسعار المستهلكين العام (CPI MoM): ارتفع بنسبة 0.2% على أساس شهري، بينما كانت التقديرات تشير إلى ارتفاع بنسبة 0.3%.
- مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي (Core CPI MoM): ارتفع أيضًا بنسبة 0.2% على أساس شهري، مقابل تقديرات بارتفاع 0.3%.
- مؤشر أسعار المستهلكين العام (CPI YoY): سجل ارتفاعًا بنسبة 2.3% على أساس سنوي، وهو أقل من التقديرات البالغة 2.4%.
- مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي (Core CPI YoY): استقر عند 2.8% على أساس سنوي، متوافقًا مع التقديرات.
وتُعتبر الوتيرة السنوية لكل من التضخم الأمريكي العام والأساسي هي الأبطأ منذ ربيع عام 2021، وهو الوقت الذي بدأ فيه التضخم في التسارع بشكل ملحوظ.
جاء هذا التباطؤ مدفوعا بشكل رئيسي باستقرار أو انخفاض أسعار بعض السلع الهامة مثل الملابس والسيارات الجديدة. كما شهدت أسعار البقالة أكبر انخفاض لها منذ عام 2020، متأثرة بأكبر تراجع في أسعار البيض منذ عام 1984. وفي المقابل، شهدت فئات أخرى ارتفاعات سعرية، أبرزها الأثاث والأجهزة المنزلية (وهي سلع مستوردة إلى حد كبير)، والمفروشات المنزلية، والرعاية الطبية، وتأمين السيارات، وتكاليف الطاقة بشكل عام (بنسبة 0.7%)، والغاز الطبيعي. كما ارتفعت أسعار أجهزة الصوت بأكبر وتيرة شهرية مسجلة على الإطلاق، بنسبة 8.8%. وواصلت تكاليف المأوى (الإسكان) ارتفاعها بنسبة 0.3% على أساس شهري، مدفوعة بشكل أساسي بزيادة الإيجارات.
تأثير التعريفات الجمركية على التضخم الأمريكي
يسلط تقرير مؤشر أسعار المستهلكين الضوء على ديناميكيتين أساسيتين في الاقتصاد فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية. من فئات السلع المعرضة لتعريفات أعلى، بما في ذلك السيارات الجديدة والملابس، لم تشهد نوع الزيادات في الأسعار التي توقعها الاقتصاديون بحلول هذا الوقت. ويشير ذلك إلى احتمالين: إما أن المستوردين وتجار التجزئة يقومون بامتصاص جزء من التكاليف الإضافية ولم يحملوها بالكامل للمستهلك بعد، أو أن المنتجات المستوردة المباعة حاليا كانت قد وصلت إلى المخازن قبل دخول الجزء الأكبر من التعريفات – وتحديدا تلك المفروضة على الصين – حيز التنفيذ الكامل.
وكان الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه خلال عطلة نهاية الأسبوع لتهدئة الحرب التجارية مع الصين قد قلص إلى حد كبير التوقعات بشأن حجم الضرر الذي ستلحقه التعريفات بالاقتصاد. وبينما يرى العديد من الاقتصاديين الآن أن الولايات المتحدة من المرجح أن تتجنب الركود بفضل هذه الهدنة – التي خفضت الرسوم الأمريكية على معظم الواردات الصينية من 145% إلى 30% لمدة 90 يومًا – فإنهم يؤكدون أن الرسوم المفروضة ستظل تبقي التضخم الأمريكي أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ 2%.
ومع ذلك، هناك تحذيرات من أن فترة السماح البالغة 90 يوما، والتي تهدف إلى إعادة بناء المخزونات، قد تؤدي في الواقع إلى ازدحام في الموانئ، مما قد يتسبب في زيادات أسرع في الأسعار تنعكس على مؤشر أسعار المستهلكين، وفقا لـ “بلومبرج إيكونوميكس”. وحتى مع التخفيض، لا يزال المستوردون الأمريكيون يعانون من ارتفاع تكاليف التجارة ويخشون من إمكانية ارتفاعها مرة أخرى عند انتهاء فترة الهدنة.
ويرى برايان كولتون، كبير الاقتصاديين في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، أننا “قد نكون في وضع جيد مؤقتا الآن بالنسبة لاتجاهات التضخم الأساسي. فأسعار السلع الأساسية لم تعكس بعد تأثير زيادات التعريفات التي حدثت منذ فبراير، بينما يستمر تضخم الخدمات في التراجع تدريجيًا”. لكنه حذر من أن “تضخم السلع الأساسية من المرجح أن يرتفع في الأشهر القليلة المقبلة مع استنفاد مخزونات السلع المستوردة قبل فرض التعريفات”. هذا يشير إلى أن التأثير الكامل للتعريفات على التضخم الأمريكي قد يكون مؤجلاً وليس ملغيًا.
نظرة أعمق على مكونات التضخم: تباين بين السلع والخدمات
أظهرت بيانات أبريل أن أسعار السلع الأساسية (باستثناء الغذاء والطاقة) بالكاد ارتفعت، مما يعكس محدودية تمرير تكاليف التعريفات حتى الآن. وفي المقابل، شهدت بعض فئات الخدمات، مثل السفر والترفيه، ضعفا، مما يوحي بأن المستهلكين بدأوا في تقليص إنفاقهم على الرفاهيات والبنود غير الضرورية.
ومع ذلك، تظل تكاليف الإسكان هي المحرك الرئيسي لتضخم الخدمات، وهي أكبر فئة ضمن هذا القطاع. فقد ارتفعت أسعار المأوى بنسبة 0.3% على أساس شهري، مدفوعة بشكل أساسي بزيادة الإيجارات. وباستثناء الإسكان والطاقة، ارتفعت أسعار الخدمات بنسبة 0.2% على أساس شهري بعد انخفاضها في مارس. وعلى أساس سنوي، تقدمت هذه التكاليف بنسبة 2.7%، وهي أبطأ وتيرة منذ أربع سنوات.
ويشير تقرير “بلومبرج إيكونوميكس” إلى أن “تأثيرات سياسة تعريفات ترامب على التضخم يجب أن تنظر إليها جنبا إلى جنب مع التأثير غير المباشر على الخدمات. ونظرا للأهمية النسبية الأعلى للخدمات في مؤشر أسعار المستهلكين، فإن تباطؤ التضخم في هذا القطاع يمكن أن يعوض التضخم في أسعار السلع – كما يظهر تقرير أبريل”.
تداعيات بيانات التضخم الأمريكي على قرارات الفيدرالي
في ظل حالة عدم اليقين الشديدة بشأن تطور التعريفات الجمركية وتأثيرها النهائي على الاقتصاد، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة معلقة في المستقبل المنظور. وقد قدمت بيانات التضخم الأمريكي الضعيفة لشهر أبريل دعمًا للرهانات على قيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة مرتين على الأقل هذا العام، حيث تتوقع الأسواق حاليا خفضا إجماليا قدره 55 نقطة أساس بدءا من سبتمبر.
ومع ذلك، يولي مسؤولو البنك المركزي اهتماما خاصا لمقياس تضخم آخر، وهو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، الذي لا يعطي نفس الوزن الكبير لتكاليف المأوى كما يفعل مؤشر أسعار المستهلكين، وهو ما يساعد في تفسير سبب اقترابه من هدف الفيدرالي البالغ 2%. ومن المقرر صدور بيانات مؤشر أسعار المنتجين (PPI) يوم الخميس، والتي ستقدم رؤى حول الفئات الإضافية التي تدخل مباشرة في حساب مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أبريل، والذي سيصدر في وقت لاحق من هذا الشهر.
كما يراقب صانعو السياسة عن كثب نمو الأجور، حيث يمكن أن يساعد في تكوين توقعات لإنفاق المستهلكين – المحرك الرئيسي للاقتصاد. وأظهر تقرير منفصل يوم الثلاثاء، يجمع بين أرقام التضخم وبيانات الأجور الأخيرة، أن متوسط الدخل الحقيقي للساعة ارتفع بنسبة 1.4% عن العام السابق، معادلاً أعلى مستوى منذ أكتوبر.
رد فعل الأسواق المالية
كان رد الفعل الأولي للأسواق المالية على بيانات التضخم الأمريكي إيجابيا بشكل عام. فقد افتتح مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” على ارتفاع، وواصلت سندات الخزانة ارتفاعها (مما يعني انخفاض عوائدها)، وانخفض سعر الدولار الأمريكي. هذه التحركات تعكس عادة تزايد توقعات المستثمرين بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه نحو سياسة نقدية أكثر تساهلا، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة، استجابة لبيانات التضخم المعتدلة.
ومع ذلك، أشارت تقارير لاحقة إلى أن العقود الآجلة لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” أصبحت مستقرة تقريبا، بينما انخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين بنحو 3 نقاط أساس، وانخفض مؤشر الدولار الفوري بنسبة 0.3% مما يشير إلى أن التفاؤل الأولي قد يكون مصحوبًا ببعض الحذر.
التحديات المستقبلية للتضخم الأمريكي والسياسة النقدية
على الرغم من الأرقام المعتدلة لالتضخم الأمريكي في أبريل، لا تزال هناك تحديات كبيرة تلوح في الأفق. فقد أشارت شركات كبرى مثل “نينتندو” و”بروكتر آند جامبل” إلى أنها ستحاول تمرير تكلفة التعريفات الجمركية إلى المستهلكين. ومع ذلك، فإن مدى قوتها التسعيرية لا يزال غير واضح، خاصة مع تباطؤ الطلب. ومن المتوقع أن تكون بيانات مبيعات التجزئة لشهر أبريل، والتي تعكس إلى حد كبير الإنفاق على السلع والمقرر صدورها يوم الخميس، قد سجلت استقرارا، مما يشير إلى حذر المستهلكين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة المؤقتة للهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين تترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية إعادة تصعيد التوترات، وهو ما سيعيد المخاوف بشأن التضخم الأمريكي إلى الواجهة. ويظل الجدل قائما حول تأثير سياسة التعريفات، حيث ترى إدارة ترامب أنها ستعزز التصنيع والاستثمار المحلي على المدى الطويل، بينما يرى النقاد أنها تضيف في الواقع إلى مجموعة التحديات التي تعيق بالفعل عملية إعادة التوطين الصناعي.
مس نقاط رئيسية من تقرير مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي لشهر أبريل:
- ارتفع كل من مؤشر أسعار المستهلكين العام والمؤشر الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) بنسبة 0.2% على أساس شهري، وهو أقل من متوسط التقديرات البالغ 0.3%. وشكلت تكاليف المأوى أكثر من نصف المكاسب الشهرية الإجمالية، وساهمت مفروشات المنازل والرعاية الطبية وتأمين السيارات في زيادة المؤشر الأساسي.
- انخفض معدل التضخم السنوي العام إلى 2.3%، بينما استقر المعدل الأساسي عند 2.8%. وفي كلتا الحالتين، تُعد هذه الوتيرة هي الأبطأ منذ ربيع عام 2021 عندما بدأ التضخم في الارتفاع بشكل جدي.
- بينما بدت بعض الفئات تشير إلى تأثرها بارتفاعات التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب – مثل مفروشات المنازل وأكبر ارتفاع شهري مسجل على الإطلاق في أسعار أجهزة الصوت (بنسبة 8.8%) – قال الاقتصاديون إنه من السابق لأوانه رؤية التأثير الكامل، والذي قد يظهر في الأشهر اللاحقة. وأشارت الانخفاضات في أسعار تذاكر الطيران والفنادق إلى ضعف في قطاع السفر.
- انخفضت أسعار البقالة بنسبة 0.4% على أساس شهري، وتراجعت أسعار البيض بنسبة 12.7%، وهو أكبر انخفاض منذ عام 1984، مما يدعم بعض رسائل الرئيس دونالد ترامب. وفي المقابل، ارتفعت تكاليف الطاقة بنسبة 0.7%، مما يتناقض مع ادعاءاته هناك. انخفضت أسعار البنزين على أساس معدل موسميًا، لكن الغاز الطبيعي قفز.
- ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بفضل أخبار التضخم المعتدل، وزادت سندات الخزانة من مكاسبها، وإن كانت التحركات متواضعة نسبيًا في وقت لاحق.
ختاما قدمت بيانات التضخم الأمريكي لشهر أبريل بعض الارتياح للأسواق ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث جاءت أضعف من المتوقع وأثارت الآمال في إمكانية خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام. ومع ذلك، فإن الصورة العامة لا تزال محاطة بقدر كبير من عدم اليقين. فالتأثير الكامل للتعريفات الجمركية لم يظهر بعد، واستدامة الهدنة التجارية مع الصين غير مضمونة، وسلوك المستهلكين والشركات في مواجهة هذه المتغيرات سيظل هو العامل الحاسم.
وبينما قد تكون بيانات أبريل قد وفرت “نقطة جيدة مؤقتًا” لاتجاهات التضخم الأساسي، فإن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا التباطؤ سيستمر، أم أن ضغوط التعريفات والتكاليف الأخرى ستدفع التضخم الأمريكي للارتفاع مجددا، مما يضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أمام قرارات صعبة في بيئة اقتصادية عالمية معقدة ومليئة بالتحديات.
اقرأ أيضا…