الدولار الأمريكي يقفز بقوة: هدنة تجارية بين واشنطن وبكين تبدد مخاوف الركود

شهد الدولار الأمريكي قفزة قوية يوم الاثنين، معززًا مكانته مقابل سلة من العملات الرئيسية. جاء هذا الارتفاع الملحوظ في أعقاب توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق مفاجئ يقضي بخفض متبادل ومؤقت للتعريفات الجمركية، مما أدى إلى تهدئة المخاوف من أن حربًا تجارية شاملة بين أكبر اقتصادين في العالم قد تدفع الاقتصاد العالمي نحو ركود عميق. هذا التطور الإيجابي انعكس بشكل مباشر على شهية المخاطرة في الأسواق، ودعم الدولار الأمريكي على نطاق واسع.
تفاصيل اتفاق التجارة وتأثيره المباشر على الدولار الأمريكي
بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد محادثات جرت في جنيف خلال عطلة نهاية الأسبوع، ستخفض الولايات المتحدة التعريفات الإضافية التي فرضتها على الواردات الصينية في أبريل من 145% إلى 30%. وفي المقابل، ستخفض الصين الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%. ويسري هذا الاتفاق لمدة 90 يوما.
وفاجأت هذه الخطوة، التي وصفت بأنها “تجاوزت توقعات المستثمرين”، الأسواق التي كانت تتوقع جولة تمهيدية من المحادثات قد لا تسفر عن اتفاقات ملموسة. إن هذا الخفض الكبير في حدة التوتر التجاري قلل من جاذبية عملات الملاذ الآمن ودعم الدولار الأمريكي، حيث تحسنت النظرة المستقبلية للاقتصادين الأمريكي والعالمي.
تحليل للاتفاق وتداعياته على الدولار الأمريكي
على الرغم من الترحيب الواسع بالاتفاق في الأسواق، قدم بعض المحللين قراءة أكثر حذرًا. فقد أشار مارك تشاندلر، كبير استراتيجيي السوق في “بانوكبيرن جلوبال فوركس” بنيويورك، إلى أن “الاتفاق يمتد لتسعين يوما، وهو ما يعني بشكل أساسي كسب المزيد من الوقت، وأعتقد نوعا ما أن الولايات المتحدة هي التي تراجعت أولاً”.
وأضاف تشاندلر: “لست من كبار المعجبين بالتعريفات الجمركية في المقام الأول، ولكن بمجرد فرضها، بدا أن الولايات المتحدة تراجعت دون الحصول على الكثير في المقابل. أي أننا أوقفنا تعريفاتنا المتبادلة على الصين، وبالتالي قاموا هم بإلغاء تعريفاتهم المتبادلة علينا، لكننا ما زلنا في المربع الأول”. هذا التحليل يشير إلى أنه بينما ارتفع الدولار الأمريكي مدفوعا بالارتياح قصير المدى، قد تظل هناك أسئلة جوهرية حول التنازلات المقدمة والتوازن التجاري على المدى الطويل.
أداء الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية
كان أداء الدولار الأمريكي قويا بشكل لافت يوم الاثنين:
- مؤشر الدولار (DXY): الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من العملات الرئيسية بما في ذلك الين واليورو، ارتفع بنسبة 1.2% ليصل إلى 101.58.
- مقابل اليورو: انخفض اليورو بنسبة 1.17% ليصل إلى 1.1115 دولار، متجهًا نحو تسجيل أكبر انخفاض يومي له هذا العام.
- مقابل الين الياباني: ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 1.91% ليصل إلى 148.12 ين، بعد أن كان قد لامس مستوى 148.59 ين، وهو أعلى مستوى له منذ 3 أبريل.
- مقابل الفرنك السويسري: صعد الدولار الأمريكي بنسبة 1.4% ليصل إلى 0.843 فرنك، بعد أن سجل 0.8475 فرنك، وهو أعلى مستوى له منذ 10 أبريل.
- مقابل الجنيه الإسترليني: ضعف الجنيه الإسترليني بنسبة 0.8% ليتداول عند 1.3198 دولار، وكان في طريقه لتسجيل أكبر انخفاض يومي له منذ 7 أبريل.
- مقابل اليوان الصيني في التعاملات الخارجية: وعلى النقيض، تعزز اليوان الصيني بنسبة 0.64% مقابل العملة الأمريكية ليصل إلى 7.194 يوان لكل دولار، وهو ما يعكس استفادة الصين أيضًا من هذا الاتفاق.
هذه التحركات عززت من قوة الدولار الأمريكي بشكل عام، مدفوعة بتحسن شهية المخاطرة وتراجع الطلب على عملات الملاذ الآمن.
السياق الأوسع لأداء الدولار وتغير توقعات أسعار الفائدة
يأتي هذا الارتفاع بعد أن كان الدولار الأمريكي قد عزز مكاسبه لثلاثة أسابيع متتالية، مدفوعًا بالتفاؤل المتزايد بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاقات تجارية. ومع ذلك، لا يزال الدولار منخفضًا بنسبة 2.2% منذ 2 أبريل، وهو التاريخ الذي أعلن فيه الرئيس ترامب عن تعريفات جمركية واسعة النطاق، مما أدى إلى اهتزاز الثقة في الأصول الأمريكية.
والأهم من ذلك، أدى الاتفاق التجاري الأخير إلى تغيير توقعات المستثمرين بشأن أسعار الفائدة. فقد قلص المتعاملون يوم الاثنين رهاناتهم على قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة، وذلك بسبب تحسن الآفاق الاقتصادية. وتشير الأسواق الآن إلى أن الخفض الأول لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي بمقدار 25 نقطة أساس على الأقل من المرجح أن يأتي في اجتماع سبتمبر، مقارنة بتوقعات سابقة كانت تشير إلى يوليو. هذا التحول في توقعات الفائدة يعد داعما رئيسيا لالدولار الأمريكي.
تطورات جيوسياسية أخرى تدعم الإقبال على المخاطرة
لم تقتصر الأنباء الإيجابية على جبهة التجارة، فقد شهدت عطلة نهاية الأسبوع تطورات جيوسياسية أخرى ساهمت في تهدئة المخاوف ودعم الإقبال على المخاطرة، مما انعكس إيجابا على الدولار الأمريكي بشكل غير مباشر من خلال تقليل الطلب على الملاذات الآمنة الأخرى:
- أعلنت الهند وباكستان عن وقف لإطلاق النار بعد أربعة أيام من القتال بين القوتين النوويتين، وهو ما كان قد أثار قلق الأسواق.
- صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه مستعد للقاء الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في تركيا يوم الخميس لإجراء محادثات مباشرة، والتي ستكون أول مفاوضات بين البلدين منذ الأشهر الأولى للغزو الروسي عام 2022.
التركيز على البيانات الاقتصادية الأمريكية المقبلة
ستتجه أنظار المستثمرين هذا الأسبوع أيضًا إلى البيانات الاقتصادية الأمريكية الهامة، بما في ذلك أرقام مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) يوم الثلاثاء، وبيانات مبيعات التجزئة لشهر أبريل المقرر صدورها يوم الخميس. ستوفر هذه البيانات مؤشرات حول مدى تأثير الصراع التجاري العالمي على الاقتصاد، وستساهم في تشكيل التوقعات بشأن المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما سيكون له تأثير مباشر على مسار الدولار الأمريكي.
في النهاية استعاد الدولار الأمريكي جزءا كبيرا من بريقه يوم الاثنين، مسجلاً قفزة قوية في أعقاب الهدنة التجارية المفاجئة والمرحب بها بين الولايات المتحدة والصين. هذا الاتفاق لم يبدد مخاوف الركود العالمي فحسب، بل أدى أيضا إلى إعادة تقييم توقعات أسعار الفائدة،
مما وفر دعما إضافيا للعملة الأمريكية. ورغم أن بعض التحليلات تشير إلى أن الاتفاق قد يكون بمثابة كسب للوقت أكثر من كونه حلا جذريا، إلا أن رد فعل السوق الفوري كان إيجابيا بشكل لا لبس فيه لصالح الدولار الأمريكي. وستظل الأنظار مركزة على مدى استدامة هذه الهدنة، بالإضافة إلى البيانات الاقتصادية القادمة وقرارات السياسة النقدية، لتحديد المسار المستقبلي لالدولار الأمريكي في الأسابيع والأشهر المقبلة.
اقرأ أيضا…