أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

لأسواق الأمريكية تستعد لقفزة تاريخية: اتفاق صيني أمريكي “يفوق التوقعات” يخفض التعريفات

استقبلت الأسواق الأمريكية والعالمية يوم الاثنين سيلاً من الأنباء الإيجابية التي طال انتظارها، حيث تم الإعلان عن اتفاق “أفضل من المتوقع” بين الولايات المتحدة والصين يقضي بخفض متبادل وحاد للتعريفات الجمركية بشكل مؤقت. هذا التطور، الذي وصفه مراقبو الأسواق بأنه “أكثر قابلية للتطبيق” وحتى “سيناريو حالم”، أشعل موجة عارمة من التفاؤل بشأن إمكانية إنهاء الحرب التجارية المدمرة التي عصفت بالاقتصاد العالمي خلال الفترة الماضية. وانعكس هذا التفاؤل بشكل فوري في ارتفاعات قياسية متوقعة للعقود الآجلة للأسواق الأمريكية، مبشرة بجلسة تداول تاريخية ومزيد من الارتياح للمستثمرين على المدى القصير.

إن أهمية اتفاق من هذا النوع بين أكبر اقتصادين في العالم لا يمكن إغفالها، فالحرب التجارية لم تقتصر تأثيراتها على التبادل السلعي المباشر، بل امتدت لتلقي بظلال من عدم اليقين على قرارات الاستثمار العالمية، وتكبل سلاسل الإمداد، وتزيد من تكاليف الإنتاج والمستهلكين، مما شكل ضغطًا كبيرًا على أرباح الشركات المدرجة في الأسواق الأمريكية والعالمية. لذا، فإن أي بادرة أمل نحو التهدئة تُعتبر بمثابة جرعة أكسجين للاقتصاد العالمي.

تفاصيل الاتفاق الصيني الأمريكي: بارقة أمل للأسواق العالمية

جاء الإعلان عن الاتفاق من جنيف، حيث أسفرت المفاوضات المكثفة عن قرار يقضي بخفض التعريفات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين من مستويات خانقة تجاوزت في بعض الحالات 100%، لتستقر عند نسبة أساسية تبلغ 10% على كلا الجانبين. هذا الخفض الهائل، وإن كان مؤقتا لمدة 90 يوما، يمثل تحولا جذريا في مسار النزاع. وتجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستحتفظ بتعريفات جمركية بنسبة 20% مرتبطة بقضايا تدفق الفنتانيل من الصين، مما يعني أن إجمالي الرسوم الأمريكية الفعلية على الواردات الصينية سيستقر عند 30% خلال فترة التهدئة.

هذه الهدنة المؤقتة، التي تمتد لتسعين يوما، توفر نافذة زمنية حاسمة للطرفين للعمل على صياغة اتفاق تجاري أكثر شمولا واستدامة. ورغم قصر المدة نسبيا، إلا أنها تبعث برسالة قوية للأسواق الأمريكية والعالمية بأن هناك إرادة سياسية لتجاوز الخلافات.

كان رد فعل الأسواق العالمية فوريا وإيجابيا بشكل لافت. فقد ارتفعت مؤشرات الأسهم الرئيسية في أوروبا وآسيا بشكل ملحوظ فور إعلان شروط الاتفاق. مؤشر “ستوكس 600” الأوروبي كسب 1%، ووصل مؤشر “داكس” الألماني، الذي يعتبر شديد الحساسية للتجارة العالمية، إلى أعلى مستوى له في عام كامل. وفي آسيا، قفزت الأسهم المدرجة في بورصة هونغ كونغ بنحو 3%. ولم تقتصر الارتفاعات على أسواق الأسهم، بل امتدت لتشمل قطاعات حيوية مرتبطة بالتجارة، حيث شهدت أسهم شركة الشحن الدنماركية العملاقة “ميرسك” ارتفاعا تجاوز 12%، في إشارة واضحة إلى التوقعات المتفائلة باستئناف وتنشيط حركة التجارة العالمية، وهو ما سينعكس إيجابا على الشركات المدرجة في الأسواق الأمريكية.

تفاؤل واسع النطاق يسيطر على الأسواق الأمريكية

في وول ستريت، قلب الأسواق المالية النابض، أشارت العقود الآجلة للأسواق الأمريكية إلى استعدادها لتحقيق قفزة تاريخية عند جرس الافتتاح. فقد ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر “ناسداك”، الذي يضم كبريات شركات التكنولوجيا، بنسبة هائلة بلغت 3.8%. ولم يكن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، المقياس الأوسع نطاقا للأسواق الأمريكية، أقل حماسا، حيث صعدت عقوده الآجلة بنسبة 2.8%. كما كسبت العقود الآجلة لمؤشر “داو جونز الصناعي” العريق نسبة 3.1%.

تعكس هذه الارتفاعات الصاروخية في العقود الآجلة حجم الارتياح والتفاؤل الذي استقبلت به الأسواق الأمريكية هذا الاتفاق. فبعد أسابيع وشهور من التقلبات الحادة وعدم اليقين التي سببتها الحرب التجارية، جاء هذا الإعلان ليمثل بصيص أمل قوي. ويرى المحللون والاستراتيجيون أن الترتيب الجديد بين الولايات المتحدة والصين لديه القدرة على إعادة إشعال شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وهو ما يعود بالنفع على الأسواق الأمريكية بمختلف قطاعاتها، بالإضافة إلى دعم الأصول الأمريكية الأخرى مثل الدولار وسندات الخزانة، وإن كان تأثيره على الأخيرة قد يكون مركبًا مع عودة الإقبال على المخاطرة. وبالفعل، شهد مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعًا بنسبة 1%، كما ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار 6 نقاط أساس، في إشارة إلى توجه المستثمرين نحو الأصول التي تحمل درجة أعلى من المخاطرة مقارنة بالسندات الآمنة.

آراء المحللين: سيناريو يفتح الباب لفرص صعود إضافية في الأسواق الأمريكية

أجمع المحللون على وصف الاتفاق بأنه تجاوز التوقعات المتفائلة، ورأوا فيه محفزا قويا للأسواق الأمريكية:

  • تاي هوي، من “جي بي مورجان لإدارة الأصول”: اعتبر أن الاتفاق “أفضل مما كان متوقعًا”، وأن “حجم الخفض في التعريفات أكبر من المتوقع”. ورغم تحفظه بشأن كفاية فترة الـ 90 يومًا للتوصل إلى اتفاق تفصيلي شامل، إلا أنه أكد أنها “تبقي الضغط على عملية التفاوض”. وتوقع هوي أن “تعود السوق إلى الشعور بالإقبال على المخاطرة على المدى القريب”، وأن الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة “قد يخف أيضًا في الوقت الحالي”، وهو ما قد يكون له تأثير متباين على الأسواق الأمريكية، حيث أن توقعات خفض الفائدة كانت تدعم الأسهم سابقًا.
  • جوردان روتشستر، من بنك ميزوهو: وصف الاتفاق بأنه “أخبار أفضل بكثير مما كان متوقعًا”، ورأى أن هذه التطورات ستؤدي إلى “الضغط على سردية ‘بيع أمريكا'” التي كانت سائدة. وأوضح أن الاتفاق يخفض معدل التعريفة الأمريكية الفعلي على الشركات الصينية من 108.8% إلى 27%، وهو ما يتجاوز بكثير توقعات السوق. هذا الخفض الكبير في التكاليف من شأنه أن يحسن هوامش أرباح الشركات التي تعتمد على سلاسل إمداد مرتبطة بالصين، مما ينعكس إيجابًا على تقييمات أسهمها في الأسواق الأمريكية.
  • إيمانويل كاو، من باركليز: أشار إلى أنه على الرغم من الانتعاش الأخير، فإن الأسواق الأمريكية (الأسهم) “لا يزال لديها مجال للارتفاع المفرط”. وعزا ذلك إلى التشتت الكبير بين أداء الأسهم المحلية وأسهم الشركات المصدرة، وارتفاع علاوة مخاطر الدولار، والتمركز الحذر والدفاعي للمستثمرين بشكل عام. واعتبر أن ما يحدث هو “صفقة مؤلمة للمتشائمين في الاتجاه الصعودي”.
  • استراتيجيو دويتشه بنك: أكدوا أن معنوياتهم “تعززت بشكل كبير” بفعل أخبار الاتفاق، ويتوقعون الآن أن تتفوق الأسواق الأمريكية على نظيراتها الأوروبية على المدى القصير. وأشادوا بالاتفاق قائلين: “إعلان اليوم لا يتجاوز توقعاتنا البناءة فحسب، بل يتجاوز أيضا ما كانت السوق تتوقعه في مارس”. وأكدوا أن “التداعيات على الأسواق داعمة بشكل واضح”، موصين المستثمرين بـ “الحفاظ على التوجه الصعودي والنظر في العودة إلى القطاعات التي كانت معرضة لتعريفات الصين (باستثناء السيارات والرعاية الصحية والرقائق)”.
  • ميكل إميل جنسن، من سيدبنك: اعتبر أن تعليق التعريفات لمدة 90 يوما يمثل “تهدئة كبيرة في الحرب التجارية”، و”يزيل جزءًا كبيرًا من عدم اليقين المتعلق بالتجارة العالمية – على الأقل في الوقت الحالي”. ورأى أن الاتفاق “قد يكون مؤقتًا، لكنه أفضل من المتوقع ويمكن أن يشعل تأثيرات إيجابية متتالية على التجارة العالمية ويزيد الطلب على شحن الحاويات”، وقد يعزز “تأثير التحميل المسبق” للشركات.
  • دان آيفز، من ويدبوش: وصف الاتفاق بأنه “نصر كبير للسوق وللثيران (المتفائلين)”، معتبرًا أنه “من الواضح أنه مجرد بداية لمفاوضات أوسع وأكثر شمولاً”. وتوقع أن “تتحرك أرقام التعريفات هذه نحو الانخفاض بشكل ملحوظ خلال الأشهر المقبلة”، واصفًا الاتفاق بأنه “سيناريو حالم”. ويرى آيفز أن الاتفاق يعني أن تحقيق ارتفاعات جديدة للأسواق الأمريكية وأسهم التكنولوجيا أصبح “مطروحا الآن على الطاولة في عام 2025”.
  • ليندسي جيمس، من كويلتر: قدمت رؤية أكثر تحفظا، مشيرة إلى أن الصفقة الجديدة “ليست جيدة تمامًا مثل مستوى 20% الذي كان قائمًا قبل ما يسمى بيوم التحرير (إعلان التعريفات الأولية)”، لكنها أقرت بأن الاتفاق المؤقت سيمكن “نسبة كبيرة من التجارة من الاستئناف، وإن كان ذلك بأسعار أعلى قليلاً”.

الآثار المتوقعة على التجارة والاقتصاد العالمي ودور الأسواق الأمريكية

من المتوقع أن تُستأنف حركة التجارة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، بسرعة ونشاط بعد هذا الخفض الكبير في التعريفات. هذا من شأنه أن يعكس التراجع الذي شهدته سفن الشحن وحاويات النقل منذ إعلان التعريفات الأولية في أوائل أبريل، والذي أدى إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية وزيادة التكاليف. إن عودة الانسيابية إلى شرايين التجارة العالمية يُعد محفزًا أساسيًا للنمو الاقتصادي العالمي، وينعكس بشكل مباشر على توقعات أرباح الشركات، خاصة تلك التي تعتمد على أسواق أو مدخلات إنتاج من البلد الآخر، والعديد من هذه الشركات مدرج في الأسواق الأمريكية. وكانت الأصول الأمريكية، بما في ذلك الدولار وسندات الخزانة والأسهم الأمريكية، قد شهدت تقلبات عنيفة في الأسابيع التي تلت كشف الرئيس ترامب عن كامل خططه للتعريفات الجمركية، مما يجعل هذا الاتفاق بمثابة انفراجة مرحب بها.

احتفلت الأسواق الأمريكية والعالمية يوم الاثنين بالاتفاق التجاري المفاجئ والمشجع بين الولايات المتحدة والصين، والذي فاق في جوانبه الإيجابية توقعات معظم المراقبين. وبينما تظل هناك تفاصيل بحاجة إلى مزيد من التوضيح، ومفاوضات أوسع نطاقًا يجب أن تستمر وتُكلل بالنجاح خلال فترة التسعين يومًا المقبلة، فإن الخفض الكبير والمتبادل في التعريفات الجمركية قد أزال بالفعل قدرا هائلا من عدم اليقين الذي كان يخيم على الأسواق الأمريكية. وينظر المحللون بتفاؤل كبير إلى إمكانية أن يمثل هذا التحول بداية لإنهاء فصول الحرب التجارية المؤلمة، مع توقعات بمزيد من الصعود في الأسواق الأمريكية إذا ما استمر هذا الزخم

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى