أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال إيجابية في محادثات التجارة الأمريكية الصينية

شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعا ملموسا تجاوز نسبة 1% خلال تداولات يوم الخميس، في تحرك يعكس حالة من التفاؤل الحذر التي تسود الأسواق بشأن إمكانية تحقيق تقدم إيجابي في المحادثات التجارية المرتقبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. يُعد هذان البلدان أكبر مستهلكين للنفط على مستوى العالم، وأي تطور في علاقتهما التجارية ينعكس بشكل مباشر وفوري على توقعات الطلب العالمي، وبالتالي على مسار أسعار النفط.

ففي تفاصيل التداولات، ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت بمقدار 86 سنتا، أو ما يعادل 1.4%، لتستقر عند 61.98 دولار للبرميل. وفي السياق ذاته، صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي، وهو الخام القياسي للولايات المتحدة، بواقع 97 سنتا، أي بنسبة تقارب 1.7%، ليصل سعر البرميل إلى 59.03 دولار. يأتي هذا الارتفاع في أسعار النفط بعد فترة من التقلبات، مدفوعًا بشكل أساسي بآمال المستثمرين في أن تؤدي المفاوضات القادمة إلى تخفيف حدة التوترات التجارية.

المحرك الرئيسي لارتفاع أسعار النفط

تتجه أنظار المستثمرين والمحللين في أسواق الطاقة العالمية حاليا إلى سويسرا، حيث من المقرر أن يلتقي وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، مع كبير المسؤولين الاقتصاديين في الصين يوم 10 مايو. هذا الاجتماع ينظر إليه على أنه خطوة بالغة الأهمية قد تمهد الطريق لإنهاء أو على الأقل تخفيف حدة الحرب التجارية الدائرة بين البلدين، والتي ألقت بظلالها السلبية على الاقتصاد العالمي وأدت إلى تباطؤ توقعات نمو استهلاك النفط الخام.

إن العلاقة بين النزاع التجاري وأسعار النفط واضحة ومباشرة؛ فالرسوم الجمركية المتبادلة والقيود التجارية تؤدي إلى تباطؤ النشاط الصناعي والتجاري، مما يقلل من الطلب على الطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص. وبالتالي، فإن أي إشارة إيجابية توحي بإمكانية التوصل إلى اتفاق أو هدنة تجارية تُترجم إلى توقعات بانتعاش الطلب، وهو ما يدفع أسعار النفط للارتفاع.

وفي هذا الإطار، أشار أولي هفالبي، المحلل في مجموعة “إس إي بي” المصرفية، إلى أن السوق قد استقرت تقريبا فوق مستوى 61 دولار للبرميل بقليل. وأضاف أن هذا الاستقرار، مقترنا ببعض التفاؤل المحيط بوضع التعريفات الجمركية مع الأخذ في الاعتبار المحادثات المرتقبة لكسر الجمود بين الولايات المتحدة والصين، يوفر دعما لأسعار النفط في الوقت الراهن.

ولم يقتصر التفاؤل على المحادثات الأمريكية الصينية وحدها، بل امتد ليشمل تلميحات أخرى حول تحسن الأجواء التجارية بشكل عام. فقد رأى فؤاد رزاق زاده، المحلل في “سيتي إندكس” و”فوركس.كوم”، أن الصفقات التجارية الأخرى التي يعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل تلك المحتملة مع المملكة المتحدة، يمكن أن يكون لها أيضًا تأثير إيجابي، ولو بشكل محدود، على معنويات السوق وبالتالي على أسعار النفط. فكلما قلت النزاعات التجارية، زادت الثقة في استقرار ونمو الاقتصاد العالمي، وهو ما ينعكس إيجابًا على الطلب على النفط.

عوامل الضغط على أسعار النفط

على الرغم من موجة التفاؤل الحالية التي تدعم أسعار النفط، تواجه السوق عوامل ضغط قد تحد من هذا الارتفاع. أبرز هذه العوامل هو الإعلان عن عزم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، المجموعة المعروفة باسم “أوبك+”، زيادة إنتاجها من النفط.

تعتبر مجموعة “أوبك+” لاعبا رئيسيا في سوق النفط العالمية، وقراراتها المتعلقة بمستويات الإنتاج لها تأثير مباشر وقوي على توازن العرض والطلب، وبالتالي على أسعار النفط. وفي حين أن المجموعة كانت قد لجأت في السابق إلى تخفيضات الإنتاج لدعم الأسعار، فإن الإعلان عن زيادة الإنتاج حاليًا يأتي ليضع سقفًا للارتفاعات المحتملة. هذه الزيادة في المعروض، إذا ما تحققت، قد تؤدي إلى تراجع أسعار النفط أو على الأقل الحد من مكاسبها، خاصة إذا لم يقابلها نمو قوي مماثل في الطلب العالمي.

توقعات المحللين المتضاربة تعكس حالة عدم اليقين في أسعار النفط

تعكس توقعات المحللين والمؤسسات المالية هذه الحالة من الشد والجذب التي تشهدها سوق النفط. فمن جانب، هناك تفاؤل بشأن الطلب مرتبط بالآمال التجارية، ومن جانب آخر، هناك مخاوف بشأن زيادة العرض. وفي هذا السياق، قام المحللون في “سيتي ريسيرش” بتخفيض توقعاتهم لسعر خام برنت للأشهر الثلاثة المقبلة إلى 55 دولارًا للبرميل، بعد أن كانت توقعاتهم السابقة تشير إلى 60 دولارًا. هذا التعديل يشير إلى نظرة أكثر حذرًا على المدى القصير.

ومع ذلك، أبقى “سيتي ريسيرش” على توقعاتهم طويلة الأجل لسعر خام برنت عند 60 دولارًا للبرميل لهذا العام، مما يوحي بأنهم يرون أن العوامل الأساسية قد تدعم أسعار النفط عند هذا المستوى على مدار العام، ربما مع توقع استيعاب السوق لزيادة إنتاج “أوبك+” أو تحقق بعض الانفراجات التجارية.

الاتفاق النووي الإيراني: متغير جيوسياسي حاسم لأسعار النفط

يُضاف إلى العوامل الاقتصادية والتجارية متغير جيوسياسي بالغ الأهمية يمكن أن يُحدث تقلبات كبيرة في أسعار النفط، وهو مآل المحادثات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني. ويرى محللو “سيتي ريسيرش” أن هذا الملف يحمل في طياته سيناريوهين متناقضين تمامًا بالنسبة لأسعار النفط.

ففي حال تم التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، وما يترتب على ذلك من رفع للعقوبات المفروضة على طهران، فإن ذلك قد يؤدي إلى عودة كميات كبيرة من النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية. هذه الزيادة المفاجئة في المعروض قد تدفع أسعار النفط (خام برنت) إلى الانخفاض بشكل حاد، لتصل ربما إلى مستوى 50 دولارًا للبرميل.

أما في السيناريو المعاكس، أي في حال فشل المفاوضات وعدم التوصل إلى اتفاق، واستمرار أو حتى تشديد العقوبات على إيران، فإن ذلك سيعني بقاء الإمدادات الإيرانية محدودة، بل وقد يؤدي إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يُعتبر تقليديًا عامل دعم لأسعار النفط، وقد يدفعها للارتفاع فوق مستوى 70 دولارًا للبرميل.

في المحصلة، تجد أسعار النفط نفسها في خضم تفاعلات معقدة بين عوامل متعددة تدفعها في اتجاهات مختلفة. فبينما يوفر التفاؤل بشأن المحادثات التجارية الأمريكية الصينية دعمًا للأسعار عبر تعزيز توقعات الطلب، فإن خطط “أوبك+” لزيادة الإنتاج تمثل عامل ضغط من جانب العرض. وتزيد توقعات المحللين المتباينة والغموض المحيط بالملف النووي الإيراني من حالة عدم اليقين التي تكتنف مستقبل أسعار النفط.

من المرجح أن تظل أسعار النفط حساسة للغاية لأي تطورات على صعيد المفاوضات التجارية، وقرارات منظمة “أوبك+”، والتوترات الجيوسياسية العالمية. وسيتعين على المستثمرين والمتعاملين في أسواق الطاقة مراقبة هذه العوامل عن كثب لاتخاذ قراراتهم في بيئة سوقية تتسم بالتقلب والتغير السريع، حيث تتأرجح أسعار النفط بين آمال الانتعاش الاقتصادي ومخاوف تخمة المعروض والمخاطر الجيوسياسية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى