أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

الدولار الأمريكي يتراجع مجددا وبيانات ISM تخفف من الخسائر

انخفض الدولار الأمريكي مجددا خلال تداولات يوم الاثنين، مواصلا مساره الهبوطي، حيث تأثر بشكل كبير بالارتفاع الصاروخي والمفاجئ الذي شهده نظيره التايواني.

وأثار هذا الصعود الحاد للدولار التايواني موجة من التكهنات في الأسواق بأن بعض الدول الآسيوية قد تكون مستعدة للسماح بارتفاع قيمة عملاتها كجزء من استراتيجية تهدف إلى الحصول على تنازلات تجارية من الولايات المتحدة في ظل المفاوضات الجارية أو المحتملة.

كما ساهمت حالة عدم اليقين الجيوسياسي المتصاعدة والتوقعات الحذرة بشأن مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في الضغط الإضافي على الدولار. وعلى الرغم من هذه الضغوط، تمكن الدولار من تخفيف بعض خسائره في وقت لاحق من الجلسة بفضل صدور بيانات قطاع الخدمات الأمريكي التي جاءت أفضل من المتوقع.

تراجع الدولار وصعود الين والدولار الأسترالي

كانت عملات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة تلك المرتبطة بالتجارة والنمو الإقليمي، هي المستفيد الأكبر في أسواق العملات المتقدمة من هذه التطورات التي أضعفت الدولار. فقد انخفض الدولار الأمريكي بنسبة ملحوظة بلغت 0.7% مقابل الين الياباني، الذي يعتبر ملاذًا آمنًا بديلاً، ليصل إلى مستوى 143.94 ين.

في الوقت نفسه، ارتفع الدولار الأسترالي، الذي يُعتبر غالبًا مؤشرًا على شهية المخاطرة والطلب على السلع، بنسبة مماثلة ليصل إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر عند 0.6493 دولار أمريكي، مستفيدًا من ضعف الدولار وتكهنات التجارة.

قفزة الدولار التايواني والتكهنات التجارية العميقة

جاءت الشرارة الرئيسية التي أدت إلى ضعف الدولار واسع النطاق من الارتفاع الحاد وغير المسبوق للدولار التايواني. فقد قفزت العملة التايوانية بأكثر من 5% خلال يوم واحد، وهو ارتفاع صاروخي، لتصل إلى حوالي 28.932 مقابل الدولار الأمريكي، مضيفةً بذلك إلى المكاسب الكبيرة التي كانت قد حققتها يوم الجمعة والتي بلغت 4.4%. دفع هذا الارتفاع الهائل، الذي يُعتبر الأكبر خلال يوم تداول واحد منذ أكثر من ثلاثة عقود، العملة الآسيوية بالقرب من أعلى مستوياتها المسجلة في ثلاث سنوات.

تزايدت التكهنات في أوساط المتداولين والمحللين بأن السلطات في تايوان قد تكون تسمح عمدًا لعملتها بالارتفاع كجزء من تكتيك تفاوضي يهدف إلى تسهيل التوصل إلى صفقة تجارية مع الولايات المتحدة، أو على الأقل أنها غير راغبة في التدخل بقوة في السوق لوقف صعود عملتها وسط تدفقات حادة من “الأموال الساخنة” (استثمارات قصيرة الأجل تبحث عن عائد سريع) إلى الجزيرة.

ووفقا لوكالة بلومبرج، يُعتقد أن المصدرين التايوانيين يسارعون بشكل كبير لتحويل ممتلكاتهم الكبيرة من الدولار الأمريكي إلى عملة الجزيرة، تحسبًا لمزيد من الارتفاع أو كجزء من هذه الديناميكية التجارية. ومما زاد من حدة هذه التحركات هو أن كل هذا حدث في سوق تعاني من ضعف واضح في السيولة بسبب إغلاق العديد من الأسواق الآسيوية الهامة (مثل الصين) وكذلك السوق البريطانية في لندن بمناسبة عطلة رسمية، مما يضخم تأثير الصفقات المنفذة.

على الرغم من النفي الرسمي الصادر عن المسؤولين التايوانيين، إلا أن استمرار المكاسب القوية للدولار التايواني يوم الاثنين دفع محافظ البنك المركزي، يانغ تشين لونغ، إلى عقد مؤتمر صحفي على عجل وبشكل غير معتاد، أكد فيه مرة أخرى وبشدة عدم إجراء أي محادثات رسمية بشأن سعر الصرف مع الولايات المتحدة. وحث المحافظ المعلقين والمشاركين في السوق على عدم الانجرار وراء المضاربات غير المسؤولة التي قد تزعزع استقرار السوق وتؤثر سلبًا على الاقتصاد الأوسع.

اليوان الصيني يرتفع أيضا وسط آمال التجارة

لم يقتصر الارتفاع على الدولار التايواني، فعلى الرغم من إغلاق الأسواق الصينية المحلية بسبب العطلة، وصل سعر صرف اليوان الصيني المتداول في الأسواق الخارجية (Offshore Yuan) إلى أعلى مستوى له في نحو ستة أشهر عند 7.1881 للدولار، قبل أن يتراجع قليلاً لاحقًا إلى 7.1962 للدولار. يعكس هذا الارتفاع رهان بعض المستثمرين على أن بكين قد تسمح لعملتها بالارتفاع بشكل تدريجي كجزء من استراتيجيتها في محادثات التجارة المحتملة مع واشنطن، ربما كبادرة حسن نية أو لتخفيف الضغوط الأمريكية.

وفي هذا السياق، أشار محللون في بنك باركليز في مذكرة بحثية إلى أنه حتى لو كان التوصل إلى اتفاق تجاري شامل وكامل لا يزال بعيد المنال في الوقت الحالي، فإن “ذروة التهديدات بفرض تعريفات جمركية جديدة، على الأقل على المستوى المحلي والمؤقت، تبدو وكأنها أصبحت وراءنا، وهو ما يعتبر تطورًا داعمًا للأصول ذات المخاطر العالية والعملات الحساسة للمخاطر”. وأضافوا أن العملات الآسيوية كانت الأكثر تعرضًا وتأثرًا بتكهنات التعريفات في الفترة الماضية، لذا فإن أي تخفيف إضافي للتوتر قد يوفر لها بعض الارتياح الإضافي، خاصة مقابل اليورو الذي كان قد استفاد كثيرًا من ضعف الدولار في وقت سابق.

غموض محادثات التجارة الأمريكية الصينية المستمر

على الرغم من الإشارات الإيجابية المحدودة، لا تزال حالة عدم اليقين تخيم على مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فبينما أشارت وزارة التجارة الصينية إلى أن بكين تقوم بتقييم عرض من واشنطن لإجراء محادثات بشأن تعريفات ترامب (التي أشير إليها بشكل قد يكون غير دقيق بـ 145% في المصدر الأصلي)، لا يزال الجانبان يبدوان متباعدين في مواقفهما المعلنة. وفي مقابلة تلفزيونية بُثت يوم الأحد، كرر الرئيس ترامب اعتقاده بأن الصين “تريد إبرام صفقة”، لكنه لم يقدم أي تفاصيل ملموسة أو جدول زمني محدد لهذه المحادثات، مما ترك الأسواق في حالة ترقب.

تظل السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي عاملًا رئيسيًا يؤثر على الدولار. أكد الرئيس ترامب مجددًا أنه لن يحاول إقالة رئيس الفيدرالي جيروم باول قبل انتهاء فترة ولايته، لكنه لم يتوان عن تكرار دعواته للبنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، واصفًا باول مرة أخرى بـ “المتشدد”.

يجتمع مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء، والتوقعات السائدة على نطاق واسع هي أنه سيبقي أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير، خاصة بعد صدور تقرير الوظائف القوي لشهر أبريل. وتعكس أسواق العقود الآجلة حاليًا احتمالًا بنسبة 37% فقط لخفض سعر الفائدة الفيدرالي في اجتماع يونيو، وهو انخفاض كبير عن نسبة 64% التي كانت متوقعة قبل شهر واحد فقط. وقد قام بنكا استثمار كبيران، جولدمان ساكس وباركليز، بتأجيل توقعاتهما لأول خفض لأسعار الفائدة من يونيو إلى يوليو، مما يشير إلى تغير في قناعة السوق بشأن توقيت التيسير النقدي.

التوترات الجيوسياسية تفاقم عدم اليقين وتضعف جاذبية الدولار

تأتي كل هذه التحركات الاقتصادية والنقدية في ظل خلفية جيوسياسية متوترة ومقلقة بشكل متزايد. فالأحداث الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الحوثي، وتعهد إسرائيل بشن هجوم بري واسع النطاق في غزة، وتصريحات الرئيس ترامب المثيرة للجدل بشأن غرينلاند، بالإضافة إلى التقارير المستمرة عن سعي الاتحاد الأوروبي لفرض حظر على واردات الغاز الروسي بحلول نهاية عام 2027، وتراجع اليابان عن تصريحات سابقة بشأن استخدام حيازاتها الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية في محادثات التجارة، كلها تساهم في تفاقم حالة عدم اليقين العالمية. ومن المثير للاهتمام أنه وسط كل هذه العناوين والأحداث المقلقة، يبدو أن الدولار الأمريكي يفقد بعضًا من بريقه التقليدي كملاذ آمن رئيسي. فقد أشار العديد من التجار والمحللين، وفقًا لوكالة بلومبرغ، إلى أن المستثمرين قد بدأوا في البحث عن ملاذات آمنة بديلة أو أن الدولار لم يعد يُعتبر الخيار الأول والأوحد للتحوط في أوقات الأزمات كما كان في الماضي.

قراءة ISM للخدمات أفضل من المتوقع وتقدم دعمًا مؤقتًا

في وقت لاحق من جلسة يوم الاثنين، صدرت بيانات مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات (ISM Services PMI) في الولايات المتحدة لشهر أبريل. جاءت هذه البيانات أفضل من المتوقع بشكل ملحوظ، مما ساعد في تخفيف حدة تراجع الدولار وقدم بعض الدعم المؤقت للمعنويات.

  • ارتفع مؤشر مديري المشتريات الرئيسي للخدمات إلى 51.6، متجاوزًا التوقعات التي كانت تشير إلى 50.6، ومسجلًا ارتفاعًا عن قراءة مارس البالغة 50.8. أي قراءة فوق 50 تشير إلى نمو في القطاع.
  • قفز مؤشر الطلبات الجديدة للخدمات، وهو مؤشر فرعي هام يقيس النشاط المستقبلي، إلى 52.3، مرتفعًا بشكل جيد من 50.4 في الشهر السابق.
  • تحسن مؤشر التوظيف في قطاع الخدمات ليصل إلى 49، مقارنة بـ 46.2 في مارس. وعلى الرغم من أنه لا يزال أقل بقليل من مستوى 50 الذي يفصل بين النمو والانكماش، إلا أن هذا التحسن يشير إلى تباطؤ في وتيرة تراجع التوظيف في القطاع الخدمي.

في المقابل، أظهرت القراءة النهائية لمؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات الصادر عن S&P Global، وهو مؤشر منافس، انخفاضًا طفيفًا إلى 50.8، أي أقل من القراءة الأولية البالغة 51.4، مما يقدم صورة أقل إيجابية قليلاً مقارنة ببيانات ISM.

رد فعل الأسواق: أسهم تتعافى وعوائد ترتفع

شهدت أسواق الأسهم الأمريكية بعض الانتعاش وتحسنًا في المعنويات على خلفية قراءات ISM الإيجابية، حيث قلص مؤشر ناسداك خسائره ليتراجع بنسبة 0.70% فقط بحلول وقت كتابة التقرير. وفي أوروبا، أغلق مؤشر داكس الألماني الرئيسي مرتفعًا بنحو 1.00% خلال اليوم، مستفيدًا من تحسن المعنويات العالمية.

ومع ذلك، فإن التأثير على توقعات أسعار الفائدة كان محدودًا أو سلبيًا. فلا تزال أداة CME FedWatch، التي تتبع احتمالات تغير أسعار الفائدة بناءً على تداولات العقود الآجلة، تظهر احتمالًا ضئيلًا للغاية (3.2%) لخفض سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع مايو المقبل، واحتمال بنسبة 31.8% فقط لخفض الفائدة في اجتماع يونيو. وفي سوق السندات، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات لتتداول حول مستوى 4.35%، مما محا التراجع الذي كانت قد شهدته في الأسابيع الماضية. يعكس هذا الارتفاع في العوائد قيام المتداولين باستبعاد فرص خفض الفائدة في يونيو بشكل كبير، وتوقعهم بأن الفيدرالي قد يبقي على سياسته النقدية المتشددة لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقًا، مدعومًا ببيانات ISM القوية نسبيًا.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى