الدولار الأمريكي يقلص خسائره بعد بيانات وظائف أفضل من المتوقع لشهر أبريل

كان الدولار الأمريكي يتداول على انخفاض خلال معظم فترات يوم الجمعة، متأثرًا بمزيج من العوامل بما في ذلك التوقعات الحذرة بشأن السياسة النقدية والتوترات التجارية المستمرة. ولكنه تمكن من تقليص جزء ملموس من خسائره مقابل العملات الرئيسية مثل اليورو والين الياباني في وقت لاحق من الجلسة.
جاء هذا التحسن النسبي في أداء العملة الأمريكية كرد فعل مباشر وفوري على صدور بيانات سوق العمل الأمريكية لشهر أبريل، والتي جاءت أفضل من المتوقع وأظهرت أن أكبر اقتصاد في العالم قد أضاف وظائف جديدة بوتيرة فاقت التقديرات، مما قدم صورة لسوق عمل لا يزال يتمتع بأساس مستقر نسبيًا وقادر على الصمود على الرغم من التحديات الاقتصادية المتزايدة والمخاوف من التباطؤ.
عزز هذا التقرير، الذي جاء أقوى مما توقعه العديد من المحللين، القناعة السائدة في الأسواق بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) سيجد مبررًا إضافيًا لتبني نهج “الانتظار والترقب” الحذر، ومن المرجح أن يبقي على أسعار الفائدة الحالية ثابتة دون تغيير خلال اجتماعاته القليلة المقبلة.
كما قلل التقرير بشكل واضح من احتمالية قيام البنك المركزي بالإقدام على خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر، حيث تشير التوقعات المعدلة الآن إلى أن أي تخفيض قد لا يحدث حتى فصل الصيف على الأرجح، وذلك ريثما تتضح الصورة الاقتصادية بشكل أكبر وتظهر بيانات إضافية تؤكد الحاجة إلى مثل هذا التحفيز النقدي.
إضافة وظائف تفوق التوقعات ومراجعة بيانات مارس السلبية
أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية أن الاقتصاد قد أضاف 177 ألف وظيفة في القطاع غير الزراعي خلال شهر أبريل. جاء هذا الرقم ليتجاوز بشكل مريح متوسط توقعات الاقتصاديين الذين استطلعت وكالة رويترز آراءهم، والذين كانوا يتوقعون إضافة 130 ألف وظيفة فقط خلال الشهر، مما يمثل مفاجأة إيجابية للسوق.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن رقم الوظائف لشهر مارس قد تم تعديله بالخفض بشكل ملحوظ، حيث أظهر التقرير أن الاقتصاد أضاف 185 ألف وظيفة فقط في مارس، بدلاً من الرقم المثير للإعجاب البالغ 228 ألف وظيفة الذي تم الإبلاغ عنه في البداية. هذا التعديل الكبير بالخفض يقلل إلى حد ما من قوة الزخم الذي كان يُعتقد أن سوق العمل يتمتع به خلال الشهر السابق، لكن الرقم القوي لشهر أبريل جاء ليعوض هذا الضعف جزئيًا ويقدم صورة أكثر توازنًا.
على الرغم من أن الرقم الرئيسي للوظائف لشهر أبريل جاء أفضل من المتوقع، إلا أن هناك إجماعًا واسع النطاق بين المحللين على أن هذا التقرير قد لا يعكس بعد التأثير الكامل للتعريفات الجمركية الشاملة التي فُرضت في ما أصبح يُعرف بـ “يوم التحرير” في الثاني من أبريل.
السبب الرئيسي لهذا التحفظ هو أن عملية جمع البيانات الخاصة بتقرير الوظائف لشهر أبريل تمت خلال الأسبوع الذي تلا مباشرة تطبيق هذه التعريفات. وبالتالي، يُعتقد أن الفترة الزمنية كانت قصيرة جدًا بحيث لا تسمح بظهور التأثيرات الكاملة لهذه الإجراءات التجارية على قرارات التوظيف لدى الشركات. يتوقع العديد من الاقتصاديين أن يتباطأ نمو الوظائف بشكل كبير، أو حتى أن يبدأ الاقتصاد في فقدان وظائف صافية، خلال الأشهر المقبلة بمجرد أن تبدأ تداعيات هذه التعريفات العقابية في الظهور بشكل أوضح وأكثر اكتمالاً في البيانات الاقتصادية اللاحقة.
وفي هذا السياق، علق جيف شولز، رئيس الاستراتيجية الاقتصادية والسوقية في ClearBridge Investments، في تعليقات أرسلها عبر البريد الإلكتروني قائلاً: “تم جمع بيانات هذا الإصدار (تقرير أبريل) خلال الأسبوع الذي تلا مباشرة ‘يوم التحرير’. هذا يعني أنه سيكون من السابق لأوانه توقع ظهور تداعيات جوهرية وكبيرة على سوق العمل في نفس الوقت الذي كانت فيه التعريفات المرتفعة قد بدأت للتو في التطبيق الفعلي على أرض الواقع”.
وأضاف موضحًا كيف يفسر المستثمرون هذه البيانات في ظل هذا السياق: “نتيجة لذلك، من المرجح أن يتجاهل المستثمرون هذه القراءة الإيجابية نسبيًا، أو على الأقل أن يأخذوها بحذر شديد، معتبرين إياها بمثابة ‘هدوء يسبق العاصفة’ المحتملة. حيث يتم التقليل من أهمية هذه القوة الظاهرية في سوق العمل نظرًا للرياح المعاكسة القوية والمعروفة التي من المتوقع أن يواجهها سوق العمل في الأشهر المقبلة بسبب التأثير المتوقع للتعريفات على النشاط التجاري وقرارات الشركات”.
تحركات الدولار المحدودة واستمرار الضغوط
عقب صدور تقرير الوظائف الذي فاق التوقعات، شهد الدولار الأمريكي بعض التحسن الفوري، حيث قلص جزءًا من خسائره التي كان قد تكبدها في وقت سابق من اليوم مقابل الين الياباني، لكنه مع ذلك فشل في التحول إلى المنطقة الإيجابية وظل يتداول منخفضًا بشكل عام خلال اليوم. وفي آخر التعاملات، كان الدولار منخفضًا بنسبة 0.6% مقابل الين ليصل إلى مستوى 144.52 ين.
في غضون ذلك، قلص اليورو بعض مكاسبه مقابل الدولار بعد صدور البيانات، لكنه ظل يتداول مرتفعًا خلال اليوم عند 1.1326 دولار، بزيادة قدرها 0.3%. هذا التفاعل المحدود نسبيًا للدولار مع البيانات الإيجابية يعكس حقيقة أن السوق كان يتوقع بالفعل بعض القوة في سوق العمل وأن القلق الأكبر لدى المستثمرين لا يزال يتعلق بالتأثيرات المستقبلية للسياسات التجارية وحالة عدم اليقين المحيطة بها، بالإضافة إلى التوقعات بشأن مسار أسعار الفائدة.
إعادة تقييم توقعات أسعار الفائدة الفيدرالية
كان التأثير الأكثر وضوحًا وقابلية للقياس لتقرير الوظائف القوي على توقعات أسعار الفائدة المستقبلية. فقد قلص سوق العقود الآجلة لأسعار الفائدة الأمريكية بشكل فوري الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيقدم على خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر مثل اجتماع شهر يونيو المقبل. فبعد صدور بيانات الوظائف، انخفضت الاحتمالية الضمنية المستمدة من أسعار العقود الآجلة لخفض الفائدة في يونيو إلى حوالي 50%، بعد أن كانت هذه الاحتمالية تبلغ حوالي 60% قبل صدور التقرير.
وبشكل عام، قام السوق بتقليص حجم تخفيضات أسعار الفائدة الإجمالية المتوقعة بحلول نهاية العام إلى 85 نقطة أساس (bps)، وهو ما يعادل تقريبًا ثلاثة تخفيضات منفصلة بمقدار 25 نقطة أساس لكل منها. يُذكر أنه خلال الأيام القليلة الماضية، وقبل صدور تقرير الوظائف، كانت العقود الآجلة لأسعار الفائدة قد أخذت في الاعتبار تخفيضات أكبر تبلغ حوالي 100 نقطة أساس. هذا التعديل في التوقعات يعكس بوضوح أن سوق العمل الذي جاء أقوى من المتوقع يمنح بنك الاحتياطي الفيدرالي مساحة أكبر للتحرك وسببًا إضافيًا للانتظار ومراقبة المزيد من البيانات الاقتصادية قبل الالتزام ببدء دورة تيسير نقدي وخفض أسعار الفائدة.
اقرأ أيضا….