أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

الدولار الأمريكي يرتفع رغم انكماش الناتج المحلي

شهد الدولار الأمريكي ارتفاعا ملحوظا مقابل سلة من العملات الرئيسية خلال تداولات يوم الأربعاء، الذي كان حافلا بالبيانات الاقتصادية الهامة.

وجاء هذا الارتفاع على الرغم من صدور تقرير أظهر انكماشا غير متوقع في أكبر اقتصاد في العالم خلال الربع الأول من العام. ورغم أن هذا الانكماش كان أسوأ من متوسط توقعات السوق، إلا أنه جاء أفضل من التنبؤات الأكثر تشاؤما التي كانت قد روجت لها بعض البنوك الاستثمارية الأمريكية الكبرى، مما قدم بعض الارتياح للمستثمرين.

علاوة على ذلك، جاء الدعم الحقيقي للدولار من مجموعة أخرى من البيانات الاقتصادية التي صدرت في نفس اليوم وأظهرت متانة وصلابة في جوانب رئيسية أخرى من الاقتصاد، لا سيما فيما يتعلق بإنفاق المستهلكين والتضخم.

انكماش غير متوقع وتأثير الواردات الاستباقي

كشف التقرير الصادر عن وزارة التجارة في تقديره الأولي أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة انخفض بمعدل سنوي بلغ 0.3% خلال الربع الأول من عام 2025.

ويعزى هذا الانخفاض المفاجئ بشكل كبير إلى عامل استثنائي ومؤقت: زيادة هائلة وحادة في حجم الواردات. فقد سعت العديد من الشركات الأمريكية إلى تسريع وتكديس مشترياتها من السلع الأجنبية خلال هذه الفترة، تحسبا واستباقا لتطبيق إدارة الرئيس ترامب للتعريفات الجمركية الجديدة التي كان قد أعلن عنها على معظم السلع المستوردة.

وأظهرت البيانات التفصيلية أن هذه الواردات الاستباقية قفزت بنسبة هائلة بلغت 41.3% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. ونظرا لأن الواردات تطرح من حساب الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذه الزيادة الضخمة في الواردات كان لها تأثير سلبي كبير ومباشر على الرقم الإجمالي للناتج المحلي الإجمالي.

وكان متوسط توقعات الاقتصاديين الذين استطلعت رويترز آراءهم يشير إلى نمو متواضع بنسبة 0.3%، مما يجعل الانكماش الفعلي مفاجأة سلبية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن بعض التوقعات كانت أكثر تشاؤما بكثير؛ فعلى سبيل المثال، توقع بنك جولدمان ساكس انكماشا بنسبة 0.8%، بينما ذهب بنك جي بي مورجان إلى أبعد من ذلك متوقعا انخفاضا حادا بنسبة 1.75%. وبالتالي، جاء الرقم الفعلي أفضل من هذه السيناريوهات الأسوأ. ويأتي هذا الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول بعد أن كان الاقتصاد قد سجل نموًا قويًا نسبيًا بلغ 2.4% في الربع الرابع من العام السابق.

إنفاق المستهلكين ونظرة تحليلية أعمق

على الرغم من الصورة العامة القاتمة التي رسمها رقم الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي، إلا أن التفاصيل الدقيقة للتقرير كشفت عن نقاط قوة مهمة. فقد استمر الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل حوالي ثلثي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة ويعتبر محركا رئيسيا للنمو، في النمو خلال الربع الأول، وإن كان بوتيرة معتدلة. وسجل الإنفاق الاستهلاكي على قطاع الخدمات – وخاصة خدمات الرعاية الصحية – نموا ملحوظا بنسبة 2.4%، مما يشير بوضوح إلى أن الأسر الأمريكية لا تزال تتمتع بالقدرة على الصمود والإنفاق على الرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي والضغوط التضخمية.

وعلق أوليفر بورش، نائب الرئيس الأول والمستشار في Wealthspire Advisors، على هذه الأرقام قائلا: “من المهم للغاية أن ندرك أن جزءا كبيرا ومؤثرا من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي المسجل يرجع بشكل مباشر إلى الزيادة الحادة وغير المعتادة في الواردات، والتي بطبيعتها تخصم من حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي”. وأضاف موضحا السبب المحتمل: “وهذا الارتفاع في الواردات على الأرجح كان بسبب توقع الشركات لتطبيق التعريفات الجمركية الوشيك. لذا، إذا قمت بتعديل الرقم واستبعاد هذا التأثير المؤقت للواردات، فسينتهي بك الأمر على الأرجح إلى تسجيل نمو إيجابي للناتج المحلي الإجمالي لهذا الربع. ولكن، على الرغم من ذلك، فإن هذا الاعتماد على الواردات الاستباقية بالتأكيد لا يبشر بالخير لأداء الربع الثاني، حيث قد نشهد تباطؤا في الواردات والنشاط الاقتصادي”.

إنفاق ودخل المستهلكين وتباطؤ التضخم (PCE)

لم يقتصر الدعم للدولار على تفاصيل الناتج المحلي الإجمالي، بل تعزز بشكل أكبر بعد صدور تقرير منفصل أظهر أداء قويا لإنفاق ودخل المستهلكين الأمريكيين، بالإضافة إلى مؤشرات إيجابية على تباطؤ وتيرة التضخم السنوي. فقد أظهرت البيانات أن الدخل الشخصي في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 0.5% في شهر مارس، بينما قفز الإنفاق الاستهلاكي الشخصي بنسبة 0.7% خلال نفس الشهر. جاء كلا الرقمين أعلى من توقعات الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع رويترز، مما يؤكد استمرار قوة المستهلك الأمريكي.

والأهم من ذلك، أظهر التقرير تباطؤا في مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي. فعلى مدى الاثني عشر شهرا حتى نهاية مارس، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) بنسبة 2.3%، وهو تباطؤ ملحوظ مقارنة بنسبة 2.7% المسجلة في فبراير. كما تباطأ معدل التضخم الأساسي السنوي (الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة الأكثر تقلبًا ويعتبر مؤشرًا أفضل للضغوط التضخمية الكامنة) مقارنة بالشهر السابق، حيث ارتفع بنسبة 2.6% في مارس بعد أن كان قد ارتفع بنسبة 3.0% في فبراير. وعلى المستوى الشهري، لم يسجل كل من المؤشر الرئيسي والمؤشر الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي أي تغيير يذكر مقارنة بالشهر السابق، مما يشير إلى استقرار الأسعار على المدى القصير.

وعلق هاري تشامبرز، مساعد اقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، على هذه البيانات قائلاً: “إن المستوى شبه الثابت الذي سجلته أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية في مارس هو بالتأكيد خبر مرحب به بالنسبة للفيدرالي والسوق، ولكن يجب أن نتذكر أن هذه البيانات تسبق التطبيق الفعلي للتعريفات الجمركية واسعة النطاق. لذلك، من المحتم أن يرتد التضخم الأساسي بشكل حاد في الأشهر المقبلة مع بدء ظهور تأثير هذه التعريفات على أسعار السلع المستوردة”. وأضاف: “بخلاف ذلك، فإن الارتفاع القوي الذي شهده الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) الشهر الماضي يجب أن يساهم في تهدئة المخاوف من أن المستهلكين بدأوا في تقليص إنفاقهم بشكل كبير في مواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي السائدة”.

انتعاش مبيعات المنازل المعلقة

في تقرير إيجابي آخر صدر يوم الأربعاء، قفز مؤشر مبيعات المنازل المعلقة، الذي تصدره الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين (NAR) ويعتمد على العقود التي تم توقيعها ولكن لم يتم إغلاقها بعد، بنسبة كبيرة بلغت 6.1% ليصل إلى مستوى 76.5 الشهر الماضي. كانت هذه الزيادة الشهرية هي الأكبر المسجلة منذ ديسمبر 2023، مما يشير إلى انتعاش محتمل وقوي في نشاط سوق الإسكان، وهو قطاع حيوي للاقتصاد الكلي.

تباطؤ نمو وظائف القطاع الخاص (ADP)

في وقت سابق من الجلسة، وقبل صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي ونفقات الاستهلاك الشخصي، أظهر تقرير التوظيف الوطني الصادر عن شركة ADP أن وتيرة نمو وظائف القطاع الخاص في الولايات المتحدة قد تباطأت بأكثر مما كان متوقعًا خلال شهر أبريل. فقد أضاف القطاع الخاص 62 ألف وظيفة فقط هذا الشهر، وهو رقم جاء أقل بكثير من التوقعات ويأتي بعد تعديل بالخفض لمكاسب شهر مارس لتصبح 147 ألف وظيفة فقط. كان الاقتصاديون الذين استطلعت رويترز آراءهم يتوقعون زيادة قدرها 115 ألف وظيفة في أبريل. أدت هذه البيانات الأضعف من المتوقع إلى تقليص الدولار لبعض مكاسبه الأولية مقابل الين الياباني، حيث أثارت بعض القلق بشأن صحة سوق العمل.

توقعات أسعار الفائدة الفيدرالية

على الرغم من ضعف بيانات ADP، إلا أن صدور بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي لاحقًا، والتي أظهرت اعتدالًا في التضخم، عززت التوقعات السائدة في السوق بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيستأنف دورة تخفيض أسعار الفائدة قريبًا، ربما بدءًا من اجتماع شهر يونيو. وتشير العقود الآجلة لأسعار الفائدة الأمريكية حاليًا إلى أن السوق يتوقع تخفيضات إجمالية تبلغ حوالي 100 نقطة أساس (أي ما يعادل أربعة تخفيضات منفصلة بمقدار ربع نقطة مئوية لكل منها) بحلول نهاية هذا العام. مثل هذه التخفيضات ستوصل سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأمريكي إلى نطاق يتراوح بين 3.25% و 3.50% بحلول نهاية 2025.

أداء الدولار مقابل العملات الرئيسية

انعكست هذه التطورات والبيانات المتضاربة على أداء الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى. فعقب صدور البيانات الأكثر إيجابية المتعلقة بالإنفاق والتضخم، ارتفع الدولار مقابل الين الياباني ليتداول مرتفعًا بنسبة 0.4% عند مستوى 142.96 ين، بينما انخفض اليورو مقابل الدولار بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.1351 دولار.

وعلى صعيد الأداء الشهري، وعلى الرغم من مكاسب اليوم، لا يزال الدولار يتجه لتسجيل أكبر انخفاض شهري له مقابل الين الياباني منذ يوليو 2024، مما يعكس الضغوط التي تعرض لها في وقت سابق من الشهر. من ناحية أخرى، تتجه العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) لتسجيل أكبر مكسب شهري لها مقابل الدولار منذ نوفمبر 2022، مستفيدة من ضعف الدولار النسبي خلال أبريل.

أما الجنيه الإسترليني، فقد انخفض خلال تداولات اليوم بنسبة 0.6% ليصل إلى 1.3332 دولار. ولكن على الرغم من هذا الانخفاض اليومي، فقد ارتفع الجنيه الإسترليني بشكل ملحوظ بنسبة 3.8% خلال شهر أبريل ككل، مسجلا بذلك أكبر ارتفاع شهري له مقابل الدولار الأمريكي في غضون عامين ونصف العام.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى