أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تتراجع مع تغير نبرة ترامب بشأن الفيدرالي

شهدت أسعار الذهب تراجعا يوم الأربعاء، متخلية عن جزء كبير من المكاسب القوية التي حققتها مؤخرا والتي دفعتها لتسجيل مستويات قياسية جديدة. جاء هذا التراجع اللافت بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألمح فيها إلى تخفيض محتمل للتعريفات الجمركية المفروضة على السلع الصينية.

وفي خطوة أخرى هامة، أكد أنه لا يخطط لإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. هذه التصريحات، التي أشارت إلى انفراجة محتملة في جبهتين رئيسيتين كانت تثير قلق الأسواق، أثرت بشكل مباشر على الطلب على الأصول التي تعتبر ملاذات آمنة مثل الذهب.

تراجع أسعار الذهب والمعادن الثمينة الأخرى

تأثرت أسعار الذهب بشكل مباشر وسريع بهذه التطورات التي غيرت من ديناميكيات السوق على المدى القصير:

  • انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة ملحوظة بلغت 2.1% ليصل إلى 3310.29 دولار للأوقية بحلول الساعة 08:11 بتوقيت جرينتش. يمثل هذا تراجعاً حاداً مقارنة بالمستوى القياسي الجديد الذي بلغه الذهب عند 3500.05 دولار في الجلسة السابقة، مما يسلط الضوء على حساسية السوق للأخبار السياسية والاقتصادية.
  • تراجعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بشكل مماثل بنسبة 2.9% لتصل إلى 3321.30 دولار، مما يؤكد الاتجاه الهبوطي في سوق الذهب الآجل أيضاً.

وفيما يتعلق بالمعادن الثمينة الأخرى، شهدت تحركات متباينة:

  • ارتفع سعر الفضة الفورية بنسبة 1% ليصل إلى 32.85 دولار للأوقية، مما قد يشير إلى عوامل طلب مختلفة تؤثر على الفضة مقارنة بالذهب، أو ربما عمليات إعادة توازن للمحافظ.
  • صعد سعر البلاتين بنسبة 0.6% ليبلغ 964.35 دولار، مواصلاً مكاسبه المتواضعة.
  • ظل سعر البلاديوم مستقرا نسبيا عند 935.48 دولار، مما يعكس استقرارا في الطلب الصناعي عليه.

تأثير تصريحات ترامب على معنويات السوق وتقليل الحاجة للملاذات الآمنة

كانت تصريحات الرئيس ترامب هي المحرك الرئيسي لتراجع أسعار الذهب في هذه الجلسة. قال جيوفاني ستونوفو، المحلل في بنك يو بي إس (UBS): “تصريحات الرئيس ترامب، بما في ذلك موقفه الأكثر ليونة تجاه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي وتصريحاته بشأن الصين، خففت بعض مخاوف السوق وضغطت على المعدن الأصفر”. يوضح ستونوفو أن تقليل حالة عدم اليقين على جبهتين رئيسيتين – السياسة النقدية والعلاقات التجارية – يقلل من جاذبية الأصول التي يُلجأ إليها في أوقات الاضطراب، مثل الذهب.

وأضاف ستونوفو، مقدماً رؤية أوسع للمدى المتوسط: “ما زلنا نتوقع ارتفاع الذهب إلى 3500 دولار للأوقية خلال الأشهر المقبلة”، مما يشير إلى أن التراجع الحالي قد يكون مجرد تصحيح قصير الأجل أو عملية جني أرباح في سياق اتجاه صعودي أوسع مدعوم بعوامل أخرى.

كما عبر ترامب عن تفاؤله بإحراز تقدم في المفاوضات التجارية مع الصين من شأنه أن يخفض التعريفات الجمركية على وارداتها بشكل كبير، وهو ما يعتبر خبراً إيجابياً للأسواق التي تضررت من الحرب التجارية. لكنه في الوقت نفسه حافظ على ورقة الضغط، محذرا قائلا: “إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسوف نضع نحن الاتفاق”، مما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال استمرار التوترات إذا لم تسفر المفاوضات عن النتيجة المرجوة.

صندوق النقد الدولي يخفض توقعات النمو العالمي 

في تطور آخر ذي صلة بالاقتصاد العالمي، خفض صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء توقعاته للنمو لكل من الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي لهذا العام. وأشار الصندوق بوضوح إلى أن سياسة التعريفات الجمركية التي ينتهجها ترامب هي السبب الرئيسي وراء هذا التخفيض في التوقعات. تعكس هذه التخفيضات القلق المتزايد لدى المؤسسات الدولية بشأن التأثير السلبي للحرب التجارية على سلاسل الإمداد العالمية، وحجم التجارة الدولية، وثقة الشركات، مما يؤثر في النهاية على الاستثمار والنمو الاقتصادي بشكل عام.

على الرغم من تراجع الذهب في هذه الجلسة، إلا أن التوقعات الاقتصادية الصادرة عن صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء كانت مخيبة للآمال وتستحق المزيد من التدقيق:

  • وفقًا للتوقعات الاقتصادية المحدثة، يتوقع محللو صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 1.8% فقط هذا العام، بانخفاض كبير قدره 0.9% مقارنة بتوقعات يناير. يعكس هذا التخفيض تباطؤاً متوقعاً في أكبر اقتصاد في العالم.
  • في الوقت نفسه، يرى صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الأوروبي سينمو بنسبة 0.8%، بانخفاض قدره 0.2% عن تقديراته السابقة، مما يشير إلى ضعف مستمر في منطقة اليورو.
  • من المتوقع أن يتوسع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.8%، بانخفاض قدره 0.5% عن توقعات يناير. هذا التخفيض في التوقعات العالمية يؤكد أن التحديات الاقتصادية ليست مقتصرة على مناطق معينة بل هي ظاهرة عالمية.

كما قام صندوق النقد الدولي بمراجعة توقعاته للتضخم في الولايات المتحدة لتصل إلى 3%، بزيادة نقطة مئوية واحدة عن التوقعات الأولية في يناير. يشير هذا المزيج من تباطؤ النمو وارتفاع التضخم إلى احتمال مواجهة الاقتصاد العالمي لظروف تشبه الركود التضخمي (stagflation)، وهو سيناريو عادة ما يكون داعماً لأسعار الذهب.

الذهب كملاذ آمن تاريخي وتوقعات مستقبلية متفائلة

لطالما اعتبر الذهب على مر التاريخ ملاذاً آمناً تقليدياً ضد عدم الاستقرار العالمي والمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية وتآكل قيمة العملات الورقية بسبب التضخم أو الأزمات المالية. وقد حطم المعدن الأصفر مستويات قياسية متعددة وارتفع بأكثر من 26% منذ بداية عام 2025، مما يؤكد دوره كأصل يحافظ على قيمته بل ويزيدها في أوقات الاضطراب وعدم اليقين الاقتصادي. هذا الأداء القوي يشير إلى وجود طلب أساسي قوي على الذهب، مدعومًا بالمخاوف المستمرة بشأن آفاق الاقتصاد العالمي والفعالية المستقبلية للسياسات النقدية التقليدية.

من جانبه، قدم بنك جي بي مورغان (JP Morgan) توقعات متفائلة لمستقبل الذهب، حيث قال إنه يتوقع أن تتجاوز أسعار الذهب حاجز 4000 دولار للأوقية العام المقبل. يعتبر تجاوز هذا المستوى النفسي الهام علامة فارقة ويعكس ثقة كبيرة من قبل مؤسسة مالية كبرى في استمرار الاتجاه الصعودي للذهب. كما توقع البنك رياحاً معاكسة أكبر للفضة على المدى القريب نظراً لحالة عدم اليقين بشأن الطلب الصناعي العالمي الذي يؤثر على الفضة كمعادن صناعي، بينما ستفتح “نافذة للحاق بالركب” للفضة خلال النصف الثاني من عام 2025 مع توقع ارتفاع الأسعار نحو 39 دولار للأوقية بحلول نهاية عام 2025، مدفوعاً ربما بتزايد الطلب الاستثماري على المعادن الثمينة بشكل عام.

آفاق السوق وتأثير جني الأرباح في سياق التوقعات الاقتصادية

لا يزال سوق الذهب يشهد عمليات جني أرباح قوية مع بداية افتتاح سوق الأسهم في أمريكا الشمالية، خاصة بعد الارتفاعات الكبيرة الأخيرة التي دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية. يبدو أن المتداولين يفضلون تحقيق الأرباح من صفقاتهم المربحة، ولا يرى السوق حالياً أي طلب متجدد وقوي على الملاذات الآمنة، حتى مع قيام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته بشكل كبير للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والعالمي لهذا العام.

وعلق محللو صندوق النقد الدولي في التقرير قائلين: “تهيمن مخاطر الهبوط المتزايدة على التوقعات. قد يؤدي تصعيد الحرب التجارية، إلى جانب المزيد من عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، إلى زيادة خفض النمو على المدى القريب والطويل، بينما تضعف هوامش السياسة المتآكلة القدرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية”. هذه المخاطر الكلية تشير إلى بيئة لا تزال مواتية للذهب على المدى الأطول، حتى لو لم ينعكس ذلك في حركة الأسعار اليومية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى