أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تسجل رقما قياسيا جديدا فوق 3400 دولار: الأسباب والتوقعات

شهدت أسعار الذهب قفزة كبيرة يوم الاثنين، حيث تجاوز سعر أونصة الذهب مستوى 3400 دولار أمريكي. يمثل هذا السعر أعلى مستوى تاريخي للمعدن الأصفر الثمين، مما جذب انتباه المستثمرين والمؤسسات المالية والأسواق حول العالم.

ويأتي هذا الارتفاع الملحوظ في وقت تتزايد فيه التوترات بين الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، والبنك المركزي الأمريكي المعروف باسم الاحتياطي الفيدرالي. هذه الخلافات، التي تتمحور حول السياسة النقدية واستقلالية البنك المركزي،

وأثارت حالة من القلق الواسع والمبرر بين المستثمرين الذين يبحثون بشكل متزايد عن الأمان والاستقرار لأصولهم في أوقات يسودها عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. فالغموض حول اتجاه أسعار الفائدة المستقبلية واحتمال اتخاذ قرارات سياسية قد تضر بالاقتصاد يدفع الكثيرين نحو الأصول الملموسة.

فقدان الثقة يدفع المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن

يعكس هذا الصعود الكبير والمستمر في أسعار الذهب بشكل مباشر فقدانا أوسع نطاقا للثقة في قوة واستقرار الاقتصاد الأمريكي، الذي يعتبر تقليديا محركا للنمو العالمي.

وعندما يشعر المستثمرون بالقلق العميق بشأن المستقبل الاقتصادي، سواء بسبب تباطؤ النمو أو ارتفاع التضخم أو عدم استقرار السياسات، فإنهم يميلون بشكل طبيعي إلى نقل استثماراتهم من الأصول التي تعتبر أكثر خطورة وتقلبا، مثل أسهم الشركات، إلى أصول ينظر إليها على أنها أكثر أمانا وقدرة على الحفاظ على القيمة.

ويعتبر الذهب تاريخيا، وعبر مختلف الحضارات والأزمات، الخيار المفضل كملاذ آمن لأنه أصل مادي ملموس، يمكن الاحتفاظ به فعليا، ولا يعتمد بشكل مباشر على أداء حكومة معينة أو نجاح شركة واحدة، على عكس السندات والأسهم.

وزاد من حدة هذا الوضع موقف الرئيس ترامب الحاد والمستمر تجاه سياسات البنك المركزي، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية الملموسة للتعريفات الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارته. هذه التعريفات لم تؤثر فقط على أسعار السلع المستوردة، بل أحدثت اضطرابا في سلاسل الإمداد العالمية وزادت من حالة عدم اليقين لدى الشركات والمستهلكين، مما أضعف الثقة في المسار الاقتصادي.

تفاصيل حركة سعر الذهب اليوم وتأثير ضعف الدولار

بحلول الساعة 8:20 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة، وهو وقت مهم لمتابعة حركة الأسواق المالية وتحديد اتجاهاتها اليومية، قفزت العقود الآجلة للذهب، التي تمثل اتفاقات لشراء أو بيع الذهب في تاريخ مستقبلي بسعر محدد، بنسبة قوية تقارب 2.69%.

ونتيجة لذلك، وصل سعر تداول أونصة الذهب (التي تزن حوالي 31.1 جرام) إلى 3418 دولار، وتزامن هذا الارتفاع القوي في سعر الذهب مع انخفاض ملحوظ ومستمر في قيمة الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات الرئيسية الأخرى (مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني).

ووصل الدولار إلى أدنى مستوى له خلال ثلاث سنوات، مما يعكس ضعف جاذبيته كعملة احتياط واستثمار، ويوجد عادة علاقة عكسية واضحة بين سعر الذهب وسعر الدولار؛ فعندما يضعف الدولار، يصبح الذهب أرخص نسبيا للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى حول العالم، مما يزيد الطلب العالمي عليه وبالتالي يدفع سعره للارتفاع، كما أن ضعف الدولار يدفع بعض المستثمرين للبحث عن بدائل للحفاظ على القيمة، ويعتبر الذهب البديل الرئيسي في مثل هذه الظروف.

الذهب في 2025: ارتفاع كبير مدفوع بالمخاوف الاقتصادية والسياسية

منذ بداية عام 2025، شهد سعر الذهب ارتفاعا استثنائيا ومذهلا بنسبة تصل إلى حوالي 29%، مما يجعله أحد أفضل الأصول أداء خلال هذه الفترة، وجاء جزء كبير ومؤثر من هذه الزيادة، حوالي 8%، في فترة زمنية قصيرة نسبيا بعد إعلان الرئيس ترامب عن فرض تعريفات جمركية جديدة وموسعة في الثاني من أبريل. يؤكد هذا الاهتمام المتجدد والقوي بالذهب كم فرصة استثمارية وتحوطية، المخاوف العميقة والمتزايدة لدى المستثمرين بشأن عدة عوامل رئيسية متشابكة:

  1. التضخم: يتزايد القلق من أن سياسات التحفيز المالي والنقدي الواسعة التي تم اتباعها في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تأثير التعريفات الجمركية على أسعار الواردات، قد تؤدي إلى ارتفاع كبير ومستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. هذا التضخم يقلل من القوة الشرائية للعملات الورقية مثل الدولار، مما يجعل الأصول الحقيقية كالذهب أكثر جاذبية للحفاظ على الثروة.
  2. عدم الاستقرار الجيوسياسي: التوترات التجارية المستمرة بين القوى الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى الخلافات السياسية الداخلية الحادة في الولايات المتحدة وغيرها من المناطق، تزيد من شعور المستثمرين بالمخاطرة وعدم اليقين بشأن المستقبل، مما يدفعهم للبحث عن الأمان في الذهب.
  3. موثوقية السياسة النقدية الأمريكية: إن تدخل الرئيس المباشر والمتكرر في شؤون الاحتياطي الفيدرالي ومحاولته العلنية للتأثير على قرارات أسعار الفائدة يثير شكوكًا جدية حول مدى استقلالية البنك المركزي. هذه الاستقلالية ضرورية للحفاظ على ثقة الأسواق في قدرة البنك على إدارة السياسة النقدية بفعالية وموضوعية لتحقيق أهدافه المتمثلة في استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف، بعيدًا عن الضغوط السياسية قصيرة الأجل.

ترامب يهاجم الاحتياطي الفيدرالي ويهدد باستقلال البنك المركزي

صعد الرئيس ترامب من هجومه الحاد وغير المعتاد على رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خلال الأسبوع الماضي، مستخدما لغة قاسية ونبرة تهديد. وصل الأمر إلى حد تصريح ترامب بأن إقالة باول “لا يمكن أن تأتي بالسرعة الكافية”، وهو تصريح غير مسبوق لرئيس أمريكي تجاه رئيس البنك المركزي، ويعكس عمق الخلاف بين السلطة التنفيذية والمؤسسة النقدية.

وجاء هذا الهجوم الشديد بعد أن حذر باول، في تصريحات علنية، من أن الإجراءات الحمائية التي يتبعها الرئيس، وخاصة التعريفات الجمركية، قد تغذي ضغوط التضخم في المدى القريب، وهو تقييم اقتصادي يتعارض بشكل مباشر مع رغبة ترامب المعلنة في خفض أسعار الفائدة بشكل كبير لتحفيز النمو الاقتصادي.

وزاد من حدة الموقف وخطورته تأكيد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، يوم الجمعة، بأن الرئيس ترامب يبحث بجدية عن السبل القانونية التي قد تمكنه من عزل باول من منصبه قبل انتهاء فترة ولايته. يمثل هذا البحث عن طرق للإقالة تهديدًا مباشرًا لمبدأ استقلالية البنك المركزي، وهو مبدأ يعتبر حجر الزاوية في السياسة النقدية الحديثة في معظم الاقتصادات المتقدمة. الهدف من هذه الاستقلالية هو ضمان اتخاذ القرارات النقدية بناء على تحليل اقتصادي دقيق وموضوعي، وليس استجابة للضغوط السياسية الآنية.

استمرار ترامب في الضغط بقوة من أجل تخفيضات كبيرة ومتكررة في أسعار الفائدة، وانتقاده المستمر لحكم باول وقرارات فريقه، وتشكيكه في التوجه العام لسياسة الاحتياطي الفيدرالي، كلها عوامل تزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق وتقوض مصداقية المؤسسة النقدية الأمريكية.

تأثيرات واسعة على الأسواق المالية العالمية

لم يقتصر تأثير تحركات ترامب الاقتصادية غير المتوقعة وسياساته التجارية المثيرة للجدل على سوق الذهب فقط، بل امتد ليؤثر على الأسواق المالية العالمية بشكل أوسع وأعمق.

حيث أدت التعريفات الجمركية الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة، وردود الفعل الانتقامية من الشركاء التجاريين، إلى تعطيل واضح في سلاسل الإمداد العالمية التي تعتمد عليها الشركات في الإنتاج والتوزيع، كما أدت إلى تغيير في أنماط التجارة العالمية التي استقرت لعقود.

هذا الوضع ألقى بظلال كثيفة من الشك على توقعات النمو لأكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الأمريكي، وكذلك على الاقتصاد العالمي ككل، مما دفع العديد من المؤسسات الدولية لخفض توقعاتها للنمو.

نتيجة لهذه الأجواء الاقتصادية المشحونة بالقلق وعدم اليقين، يقوم المستثمرون حول العالم بإعادة تقييم محافظهم الاستثمارية، ويلاحظ اتجاه متزايد لسحب الأموال من الأصول التي تعتبر أكثر ارتباطا بالاقتصاد الأمريكي، مثل الأسهم والسندات المقومة بالدولار، والبحث عن ملاذات أكثر أمانا واستقرارا للحفاظ على قيمة رؤوس أموالهم في مواجهة التقلبات المحتملة.

يبرز الذهب بشكل واضح كالخيار الأول والأكثر جاذبية في هذه الظروف الصعبة، نظرا لسمعته التاريخية كحافظ للقيمة. بالإضافة إلى طلب المستثمرين الأفراد والمؤسسات، يزداد الطلب على الذهب أيضا بشكل ملحوظ من قبل البنوك المركزية في مختلف دول العالم، وخاصة في الاقتصادات الناشئة. تقوم هذه البنوك بزيادة احتياطياتها من المعدن الأصفر كجزء من استراتيجية تنويع أصولها بعيدا عن الدولار الأمريكي، وكإجراء احترازي إضافي تحسبا لاستمرار تقلبات السوق وعدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي.

تحليل أسعار الذهب وتوقعات المحللين للمستقبل

في ظل هذا الزخم الصعودي، يتوقع العديد من المحللين والمراقبين للسوق في المؤسسات المالية الكبرى استمرار الاتجاه الصاعد لأسعار الذهب في المدى المتوسط، ويقدم تحليل أسعار الذهب الذي أجراه فريق الأبحاث المرموق في سيتي بنك توقعات متفائلة بشكل خاص، حيث يرون أن سعر أونصة الذهب لديه القدرة على الارتفاع ليصل إلى مستوى 3500 دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

ويعزون هذه التوقعات الإيجابية إلى استمرار شهية المستثمرين القوية لشراء الذهب كأداة تحوط واستثمار، بالإضافة إلى عامل مهم آخر وهو محدودية المعروض الجديد من إنتاج المناجم عالميا، حيث تواجه صناعة التعدين تحديات تتعلق بالتكاليف والاستدامة والاكتشافات الجديدة.

ويتفق المحلل البارز في بنك يو بي إس السويسري، جيوفاني ستونوفو، مع هذه النظرة الإيجابية العامة تجاه الذهب. يشير ستونوفو إلى أن الشكوك المتزايدة حول هيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية رئيسية، وهي الهيمنة التي استمرت لعقود، تعتبر عاملا داعما أساسيا للذهب. هذه الشكوك تتغذى من عوامل مثل تزايد حجم الدين الوطني الأمريكي، والتوترات التجارية المستمرة، والتحولات الجيوسياسية في ميزان القوى العالمي.

ويضاف إلى ذلك الأداء الضعيف والمتقلب الذي تشهده أسواق الأسهم مؤخرًا، مما يجعل الذهب أكثر جاذبية بالمقارنة. كل هذه العوامل مجتمعة من المرجح أن تستمر في دعم أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة. ولا تقتصر جاذبية استثمار الذهب على العوامل الاقتصادية فقط، بل تزداد أيضا بسبب المخاوف الجيوسياسية الأوسع نطاقا، مثل التحذيرات الأخيرة التي وجهتها الصين لدول أخرى بشأن تكاليف الانحياز الشديد للمصالح الاقتصادية الأمريكية، مما يعكس بوضوح حالة الاستقطاب المتزايدة والانقسام في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي.

نظرة على الاتجاه طويل الأجل لأسعار الذهب

إن الارتفاع الكبير الذي يشهده سعر الذهب في عام 2025 ليس مجرد تقلب قصير الأجل أو حدث معزول، بل هو حلقة جديدة في اتجاه صعودي أوسع وأطول مدى بدأ منذ أكثر من عقد من الزمان. يمكن تتبع بداية هذا الاتجاه بشكل واضح إلى أعقاب الأزمة المالية العالمية الكبرى في عام 2008، والتي هزت الثقة في النظام المالي العالمي القائم.

في ذلك الوقت، كان سعر أونصة الذهب يتداول عند حوالي 1000 دولار فقط. منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من بعض فترات التصحيح والتذبذب، شهد المعدن النفيس مسارًا صعوديًا شبه مستمر، حيث تضاعف سعره ليصل إلى حاجز 2000 دولار بحلول عام 2020، وهو الآن يقترب بثبات من حاجز نفسي وفني مهم عند 3500 دولار.

يعكس مسار النمو طويل الأجل هذا الدور الأساسي والدائم الذي يلعبه الذهب في النظام المالي العالمي وعبر التاريخ. فهو يعتبر أداة تحوط فعالة وموثوقة ضد مجموعة واسعة من المخاطر الاقتصادية والمالية، بما في ذلك التضخم الذي يلتهم القوة الشرائية للعملات، وانخفاض قيمة العملات الورقية نتيجة للسياسات النقدية التوسعية أو فقدان الثقة، وفترات عدم الاستقرار المالي والسياسي بشكل عام. فقط منذ بداية شهر يناير من هذا العام 2025، أضاف الذهب أكثر من 700 دولار إلى سعره للأونصة، محطمًا في طريقه العديد من الأرقام القياسية التاريخية السابقة، ومؤكدًا على جاذبيته المتجددة في بيئة عالمية مليئة بالتحديات.

تحذيرات من تصحيح محتمل على المدى القصير

على الرغم من الأجواء الإيجابية والتفاؤل السائد في سوق الذهب حاليا، ومع وصول الأسعار إلى مستويات قياسية، يحذر بعض المحللين الفنيين من أن السوق قد يكون معرضا لمواجهة تصحيحات سعرية هابطة على المدى القصير. وأشار استراتيجي السوق في IG، ييب جون رونغ، إلى أن بعض المؤشرات الفنية الهامة، مثل مؤشر القوة النسبية (RSI) الذي يقيس سرعة وحجم التغيرات السعرية الأخيرة، تشير إلى أن الذهب قد وصل إلى منطقة “الشراء المفرط”.

تحدث هذه الحالة تقنيًا عندما يرتفع السعر بسرعة كبيرة جدًا في فترة زمنية قصيرة، مما يشير إلى أن الحماس الشرائي قد يكون مبالغًا فيه وأن السعر قد ارتفع بشكل أسرع من اللازم. هذا الوضع غالبا ما يدفع بعض المستثمرين الذين حققوا أرباحًا كبيرة إلى البيع لجني هذه الأرباح، وهو ما قد يسبب ضغطًا بيعيًا ويؤدي إلى تراجع مؤقت في السعر أو فترة من التداول الجانبي. ومع ذلك، أكد رونغ على أن الاتجاه العام لا يزال صاعدًا وأن مستوى المقاومة الرئيسي التالي الذي يراقبه السوق عن كثب هو حوالي 3500 دولار للأونصة. يبدو الوصول إلى هذا المستوى هدفًا ممكن التحقيق بشكل متزايد، خاصة في ظل استمرار الظروف الاقتصادية الكلية الحالية، مثل ضعف الدولار والمخاوف التضخمية والتوترات الجيوسياسية، التي تدعم جاذبية الذهب الأساسية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى