ارتفاع أسعار النفط بنهاية الأسبوع مع تشديد العقوبات الأمريكية على صادرات إيران

ارتفعت أسعار النفط يوم الخميس فيما اقتربت من أعلى مستوياتها خلال أسبوعين، مدفوعة بقلق المتعاملين من تأثير العقوبات الأمريكية الجديدة على صادرات النفط الإيراني وخفض الإنتاج من قبل بعض الدول الأعضاء في أوبك.
وجاء هذا الارتفاع في يوم التسوية الأخير قبل عطلة الجمعة العظيمة وعيد القيامة، محققا ارتفاعا أسبوعيا هو الأول منذ ثلاثة أسابيع.
تأثير العقوبات الأمريكية على الإمدادات
أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي قرارا بفرض عقوبات جديدة تستهدف صادرات النفط الإيرانية، شملت مصفاة صينية صغيرة تُعرف باسم “إبريق الشاي”. وقد تضمنت الإجراءات تجميد أصول المسؤولين والشركات المرتبطة بقطاع الطاقة في إيران، وهو ما أثار مخاوف من تراجع الإمدادات العالمية. وعقب الإعلان، ارتفع خام برنت بمقدار 54 سنتا ليصل إلى 66.39 دولار للبرميل وقت نشر هذا التقرير، فيما ارتفع خام غرب تكساس الأمريكي بمقدار 64 سنتا إلى 63.11 دولار للبرميل.
وصرح المحلل لدى بنك يو بي إس، جيوفاني ستاونوفو، بأن “العقوبات الجديدة والتصريحات المحمّسة من وزارة الخزانة الأمريكية حول القضية الإيرانية زادت المخاوف بشأن الإمدادات وساهمت في دعم أسعار النفط”. ويرجع ستاونوفو الصعود الأخير جزئيا إلى عمليات شراء المضاربين لتغطية مراكزهم المفتوحة (short-covering)، بالإضافة إلى ضعف الدولار الأمريكي الذي يجعل النفط المسعر بالدولار أرخص للمشترين بالدول الأخرى.
في سياق متصل، تلقت أسعار النفط دعما إضافيا من تقارير تلقت أوبك تحديثات لخطط خفض الإنتاج من العراق وكازاخستان ودول أخرى. وتأتي هذه الخطوات لمعالجة التجاوزات على الحصص الإنتاجية التي اتُفقت عليها في اجتماعات سابقة، بهدف إعادة التوازن للسوق وتخفيف الفائض الذي تشكل مع بداية العام. ويعكس هذا الالتزام الجديد رغبة المنتجين في دعم الأسعار في مواجهة ضغوط النمو البطيء للطلب العالمي.
آفاق الطلب العالمي وتوقعات وكالات الطاقة
على الرغم من هذه العوامل الداعمة، خفضت أوبك والوكالة الدولية للطاقة بالإضافة إلى بنوك كبرى مثل جولدمان ساكس وجي بي مورجان توقعاتها لنمو الطلب على النفط وأسعار الخام للعامين الجاري والمقبل.
وأرجع كثير من المحللين ذلك إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي نتيجة الرسوم الجمركية وتصاعد التوترات التجارية، بالإضافة إلى تباطؤ النمو الصيني المتوقع في النطاق بين ثلاثة وأربعة في المائة. وقد صدر عن الوكالة الدولية للطاقة تقرير توقع أن يقتصر نمو الطلب العالمي هذا العام على 730 ألف برميل يوميا، مقارنة بمليون و30 ألف برميل في التوقع السابق.
أيضا صدرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لتظهر ارتفاع مخزونات الخام الأسبوع الماضي في حين انخفضت مخزونات البنزين والديزل، ويعزى ارتفاع مخزون الخام جزئيا إلى عمليات الإنتاج القوي في الولايات المتحدة، فيما يرجع انخفاض مخزون المنتجات المكررة جزئيا إلى الطلب المحلي القوي على الوقود. ويظل هذا التباين في المخزون مؤشرا مهما على توازن العرض والطلب في السوق الأمريكية.
سعي آسيا لزيادة واردات الطاقة الأمريكية وتجنب الرسوم
وسط هذه التطورات، باتت العديد من الدول الآسيوية تتسابق لتأمين حصص أكبر من الطاقة الأمريكية كوسيلة للتخفيف من تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية في مطلع أبريل.
فقد توجهت وفود رسمية من دول تمر بمفاوضات مع واشنطن، من بينها تايلاند التي تتطلع لزيادة وارداتها من النفط الأمريكي والغاز المسال، في محاولة لثني واشنطن عن فرض رسوم تراوح نسبتها حول 36% على الصادرات التايلندية.
وفي الإندونيسيا، التي كانت مهددة برسوم جمركية بنسبة 32%، أعلن المسؤولون استعدادهم لشراء عشرة مليارات دولار إضافية من النفط والغاز المسال الأمريكي، أما باكستان، التي تعاني من فائض في الميزان التجاري مع الولايات المتحدة، فتدرس لأول مرة استيراد الخام الأمريكي بنية تحسين وضعها التجاري، وجنوب كوريا من جانبها تفكّر في زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي في إطار جهودها للتفاوض بشأن خفض الرسوم الجمركية.
وفي الهند، تدرس السلطات إلغاء ضريبة الاستيراد على الغاز الأمريكي المسال لرفع مستوى الواردات وخفض الفائض التجاري مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التزامات أي دولة بشراء المزيد من الطاقة الأمريكية لن تضمن بالضرورة إعفائها من الرسوم الجمركية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل مع واشنطن.
أما تايوان فقد تعرضت لرسوم تجارية بنسبة 32% رغم استثمارات كبيرة في مشروعات أمريكية للطاقة، بما في ذلك مشروع غاز ألاسكا المسال. ورغم أن الشركة الوطنية للنفط والغاز في تايوان وقعت على نية استثمار 44 مليار دولار في المشروع، لم تفلح هذه الخطوات في تجنيبها الرسوم الجمركية بسبب قلق واشنطن من العجز التجاري التايواني الكبير، خاصةً في قطاع أشباه الموصلات الذي يشكل النسبة الأكبر من صادرات تايوان إلى الولايات المتحدة.
التحديات المستقبلية وأسواق الطاقة
في ضوء هذه المتغيرات، يواجه سوق النفط تحديات مزدوجة بين مخاوف الإمدادات نتيجة العقوبات الجديدة على إيران وخفض إنتاج أوبك، وبين تراجع توقعات الطلب العالمي بفعل النزاعات التجارية والضعف الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين. ويُضاف إلى ذلك محاولات الدول الآسيوية تفادي الرسوم الجمركية عبر ترتيبات طارئة لزيادة واردات الطاقة الأمريكية.
ومع اقتراب عطلات نهاية الأسبوع وعطلة عيد القيامة، يبقى أقل ما يقال أن السوق سيظل متقلبًا، حيث يسعى المشاركون فيه لموازنة مراكزهم بين مخاطر الإمدادات والسياسات التجارية والتوقعات الاقتصادية. وستتجه الأنظار في الأيام المقبلة إلى تنفيذ العقوبات الجديدة على إيران ومدى نجاح المنتجين في الإبقاء على خطط خفض الإنتاج، بالإضافة إلى مراقبة تحرّكات الدول الآسيوية في مفاوضاتها مع واشنطن لتجنب الرسوم الجمركية وتلبية احتياجاتها من الطاقة.
في النهاية، يبدو أن سوق النفط يواجه حالة من التوتر المركب الذي يجمع بين قلق الإمدادات وتراجع النمو في الوقت نفسه. وستكون متابعة التطورات السياسية والاقتصادية والتجارية في الولايات المتحدة وبقية العالم العامل الحاسم الذي يحدد مسار الأسعار خلال الأسبوع المقبل.
اقرأ أيضا…