تراجع أسعار الذهب عن المستوى القياسي وجني المستثمرين للأرباح

شهدت أسعار الذهب يوم الخميس تراجعا طفيفا بعد أن سجل المعدن الثمين مستوى قياسيا جديدا في الجلسة السابقة.
وجاء هذا الانخفاض في سياق عمليات جني الأرباح التي قام بها المستثمرون بعد موجة شراء حادة قادها القلق من تأثير سياسات الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب.
ورغم ذلك، لا تزال أسعار الذهب مرتفعة بنحو 2.5% منذ بداية الأسبوع، مما يعكس استمرار قوة الطلب على الذهب كملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي.
حركة الأسعار والتحول في معنويات المستثمرين
وصل سعر الذهب الفوري إلى 3,318.19 دولار للأوقية، منخفضاً بنسبة 0.8% عن ذروة الجلسة التي سجل فيها 3,357.40 دولار للأوقية وقت نشر هذا التقرير.
والعقود الآجلة الأمريكية سجلت هبوطاً بمقدار 0.5% لتغلق عند 3,330.50 دولار للأوقية. تزامن ذلك مع تعافي طفيف في مؤشر الدولار من أدنى مستوياته خلال ثلاث سنوات، وهو ما جعل الذهب أكثر كلفة لحائزي العملات الأخرى وأدى إلى تراجع طفيف في حماس المشترين.
المحلل المستقل روس نورمان فسر هذا الانخفاض بأنه نتاج لجني الأرباح عند المستويات القياسية والارتفاع المؤقت في الدولار الأمريكي. رغم ذلك، أكد نورمان أن الانخفاض كان محدودة وأن أي هبوط في الأسعار يتم شراؤه بسرعة، مما يشير إلى بقاء القناعة الإيجابية لدى المستثمرين تجاه الذهب.
دوافع الصعود السابقة ومصادر الدعم
قبل التراجع الطفيف، ارتفع الذهب بقوة على مدار الأسبوع مدفوعا بخبر فتح إدارة ترامب تحقيقا حول فرض رسوم جمركية جديدة على واردات المعادن الأساسية، إضافة إلى مراجعات في واردات الأدوية ورقائق الحواسب. هذه السياسة الجمركية المتقلبة أطلقت موجة من المخاوف بشأن احتمال ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والعالم، مما دفع المستثمرين للعودة إلى الأصول الآمنة مثل الذهب.
على الجانب الآخر، جاءت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لتؤكد أن البنك سينتظر صدور المزيد من البيانات قبل تعديل أسعار الفائدة وأن الرسوم الجمركية قد تدفع التضخم بعيداً عن أهداف البنك. هذه التصريحات عززت من جاذبية الذهب، الذي يستفيد من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة وخطورة التضخم المرتفع.
التحليل الفني ومستويات الدعم والمقاومة
يشير التحليل الفني إلى وجود مستوى دعم رئيسي قرب 3,300 دولار للأوقية، حيث شهد الذهب شراءً قوياً فور اختباره. مقابل ذلك، يمثل أعلى مستوى سجله المعدن عند 3,357 دولاراً مقاومةً تؤثر على سلوك المستثمرين الباحثين عن إعادة اختبار القمة. يظهر مؤشر الزخم أن الذهب كان في منطقة تشبع شرائي قبل التراجع الطفيف، مما يتوافق مع التوقعات بخضوع الأسعار لتمرين تصحيح فني محدود بعد ارتفاع سريع.
بيد أن الزخم العام لا يزال إيجابيا، إذ تعكس حركة الأسعار الالتزام القوي بشراء الذهب خلال حالات جني الأرباح الطفيفة. النصيحة الفنية للمستثمرين تقضي بمراقبة مستويات الدعم عند 3,300 دولار، حيث يمكن أن تشكل نقطة دخول مناسبة لإعادة التوازن في المحافظ المتضررة من تقلبات أسعار الذهب.
أثر التضخم وأسعار الفائدة على الطلب
يظل الذهب تحوطاً فعالاً ضد التضخم، وهو ما يجذب الطلب عليه في فترات تزايد الضغوط السعرية. وإلى جانب دور الذهب كملاذ آمن في الأزمات الاقتصادية، فإن توقعات رفع الرسوم الجمركية تزيد من قلق المستثمرين بشأن القفزات المحتملة في الأسعار، مما يعزز من استثماراتهم في المعدن.
على مستوى أسعار الفائدة، تستفيد أسعار الذهب عادةً من بيئة الفائدة المنخفضة، لأن المعدن لا يدر عائداً بالدينار أو الدولار. في ظل تصريحات باول التي أكدت أن الاحتياطي الفيدرالي سيترقب البيانات أكثر قبل اتخاذ أي قرار بشأن رفع الفائدة، استمر التوقع العام بتثبيت أو خفض أسعار الفائدة، مما وفر دعماً للذهب.
طلب الأسواق الناشئة والحصص الجغرافية
لم تكن زيادة أسعار الذهب على نطاق عالمي متساوية، فقد شهدت سوق الذهب الفعلية في الهند حالة من الخمول نتيجة للصعود الحاد في الأسعار، حيث لجأ المشترون التقليديون للانتظار على الهامش. في المقابل، حافظت الصين على مستويات عالية في علاوات الشراء، ما يعكس متابعة قوية من قبل المستهلكين الصينيين والبنوك المركزية لاحتياطياتهم من المعدن.
هذا التباين الإقليمي في الطلب قد يشير إلى أن السوق كان يقترب من ذروة الصعود، إلا أن استمرار المخاوف الجيوسياسية والتجارية يوفر أرضية خصبة لاستمرار الطلب في مرحلة ما بعد جني الأرباح.
سيناريوهات المستقبل وآفاق الأسعار
مع بقاء الضغوط التجارية والمالية دون حلول فورية، من المتوقع أن يحافظ الذهب على زخمه الصاعد على المدى المتوسط. إذا تواصلت المخاوف من الركود التضخمي أو ارتفاع التضخم بفعل الرسوم الجمركية، فقد يدفع ذلك الأسعار للعودة إلى مستويات القمة السابقة وربما تجاوزه إلى 3,400–3,500 دولار للأوقية.
بالمقابل، قد يؤدي أي اتفاقات تجارية إيجابية أو تصاعد في نمو الاقتصاد الأمريكي إلى تراجع طفيف في أسعار الذهب في إطار عمليات جني أرباح جديدة. يبقى الدور المحوري للعوامل الاقتصادية مثل التضخم وأسعار الفائدة والتوترات التجارية حاسماً في تحديد الاتجاه المقبل.
اقرأ أيضا…