تراجع الدولار الأمريكي مع انتظار المستثمرين لاتفاقيات تجارية جديدة

استأنف الدولار الأمريكي تراجعه يوم الأربعاء مع استمرار عدم اليقين التجاري، حيث ظل المستثمرون في حالة ترقب لظهور تطورات مستقبلية في مفاوضات التجارة مع شركاء مثل الصين واليابان والمزيد. جاءت هذه التحركات بعد سلسلة من التصريحات والإجراءات المتداخلة من إدارة الرئيس ترامب، التي أثارت حالة من عدم الاستقرار وزادت من حذر المستثمرين بشأن الأصول الأمريكية.
تأثير النزاع التجاري على الدولار
تراجع الدولار جاء نتيجة لتأثير المخاوف من استمرار النزاع التجاري بين الولايات المتحدة ودول رئيسية مثل الصين. فقد أخبرت التقارير بأن المستثمرين ظلوا ينتظرون معرفة ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستتمكن من التوصل إلى اتفاقات تجارية تُعيد ترتيب الأمور، لكن الشكوك مستمرة بسبب السياسات الجمركية المتقلبة. وفي هذا السياق، تراجعت قيمة الدولار مقابل عملات ملاذ آمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري واليورُو، إذ انخفض الدولار بنسبة 0.53% مقابل الين إلى 142.47 مقابل الفرنك بنسبة 1.03% إلى 0.815، فيما ارتفع اليورو قليلًا إلى مستويات أعلى.
تشهد السياسات الجمركية تغييرات مستمرة؛ ففي خطوة لتخفيف الضغوط عن الأسواق، أعلن ترامب عن استثناءات لبعض المنتجات الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والحواسيب من الرسوم الجمركية، مما منح بعض الثقة للمستثمرين. ومع ذلك، تبقى التفاصيل المتعلقة بالنزاع التجاري غامضة؛ فقد وصف ترامب بعض الإعفاءات بأنها مؤقتة فقط، وأفاد مسؤولون بأن هناك احتمال إعادة النظر في الرسوم الجمركية قريبًا. كما يتم حاليًا مناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاقيات تجارية مع دول كبرى مثل اليابان، حيث من المتوقع بدء مفاوضات رسمية في واشنطن يوم الأربعاء، فيما سيجتمع ممثلون من كوريا الجنوبية مع وزير الخزانة الأمريكي لمناقشة القضايا التجارية.
يضيف أحد المحللين في Jefferies، براد بيتشل، أن “الوضع الحالي يشهد فراغًا معلوماتيًا إلى حد كبير بين الولايات المتحدة والصين، ونحن الآن بانتظار معرفة ما إذا كانت البلاد الكبرى الأخرى ستبرم اتفاقات تجارية تُعيد ترتيب السياسات التجارية.” وتشير التصريحات إلى إمكانية حدوث تغيرات إيجابية إذا ما أدت الاتفاقيات إلى توفير إطار للعملية التجارية، ما قد يدعم الدولار في المستقبل.
تأثير البيانات الاقتصادية وخطابات الاحتياطي الفيدرالي
من المتوقع أن تلعب البيانات الاقتصادية المقبلة دوراً رئيسياً في تحديد مسار الدولار الأمريكي خلال الأيام القادمة. ففي ظل حالة عدم اليقين الحالية، يجري المستثمرون متابعة دقيقة لبيانات مثل مبيعات التجزئة، البناء السكني، وتقرير النشاط الصناعي الأمريكي، بالإضافة إلى عدة ظهورات متتابعة لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي. يُنتظر أيضًا صدور بيانات التضخم القادمة التي ستحدد ما إذا كان سيتم تعديل السياسة النقدية في مواجهة التوترات التجارية وتأثيرها على نمو الاقتصاد.
يعتبر الارتفاع في العوائد على سندات الخزانة الأمريكية جزءًا من هذه المعادلة، إذ أن تغيرات العوائد تؤثر مباشرة على توجهات المستثمرين نحو الدولار. وتزامنت هذه التحركات مع تصريحات محافظي الاحتياطي الفيدرالي الذين أشاروا إلى أن السياسات الحالية قد تشجع على تخفيض أسعار الفائدة إذا ما تراجعت بيانات التضخم، مما يدعم مناخ المخاطرة ويضع مزيدًا من الضغط على الدولار.
نتائج مبيعات التجزئة الأمريكية في مارس
أظهرت التقديرات المتقدمة لمبيعات التجزئة معدل نمو شهري بلغ 1.4% في مارس، متجاوزة توقعات داو جونز التي قدرت النمو بنسبة 1.2%. أما بالنسبة للمقارنة السنوية فقد سجلت المبيعات ارتفاعا بنسبة 4.6%، وفقا للأرقام المعدلة موسميا ولكن دون احتساب تأثيرات الأسعار. ويعد هذا النمو الشهري الأكبر منذ يناير 2023، مما يشير إلى قوة مستمرة في الطلب الاستهلاكي على الرغم من الظروف الاقتصادية المتقلبة.
ومن اللافت أن الأرقام كانت قوية حتى عند استثناء القطاع الخاص بالسيارات؛ إذ ارتفعت المبيعات في القطاعات غير المتعلقة بالسيارات بنسبة 0.5% مقابل توقع بنسبة 0.3%. وقد شهدت مبيعات وكلاء السيارات وقطع الغيار قفزة بنسبة 5.3%، ما يدل على تفاؤل واضح في هذا القطاع، على الرغم من توقعات بعض الاقتصاديين بارتفاع مبيعات السيارات في ظل محاولة المستهلكين الحصول على الصفقات قبل تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة.
العوامل الداعمة لقوة الإنفاق الاستهلاكي
أشار المحلل كريس روبكي، كبير الاقتصاديين في FWDBonds، إلى أن النتائج القوية لمبيعات التجزئة تعكس حالة من “عروض التخفيضات الكبرى”، حيث يتوقع المستهلكون حدوث ارتفاع حاد في الأسعار في العام المقبل. هذا التوقع دفعهم إلى “تفريغ المخازن” وشراء السلع بأسعار أقل قبل أن ترتفع الأسعار بشكل حاد، مما ساهم في تحقيق نمو ملحوظ في المبيعات خلال مارس.
وساهم انخفاض أسعار الوقود أيضًا في دعم الإنفاق الاستهلاكي، خاصة مع انخفاض أسعار البنزين في بعض المناطق. فعندما تنخفض الأسعار في فئة السلع الاستهلاكية الأساسية كالبنزين، يؤدي ذلك إلى زيادة الدخل المتاح للمستهلكين، مما يعزز قدراتهم على شراء سلع أخرى.
تجدر الإشارة إلى أن بعض قطاعات التجزئة، مثل متاجر الأدوات الرياضية والهوايات والموسيقى، قد شهدت زيادة بنسبة 2.4%، بينما ارتفعت مبيعات متاجر مواد البناء والبستنة بنسبة 3.3%. كما ارتفعت مبيعات مؤسسات تقديم الخدمات الغذائية والمطاعم بنسبة 1.8%. على النقيض من ذلك، شهدت محطات الوقود انخفاضًا بنسبة 2.5%، وهو ما يشير إلى أن بعض القطاعات تأثرت بانخفاض الأسعار، لكنه في الوقت نفسه ساهم في دعم الإنفاق في القطاعات الأخرى.
حالة الأسواق المالية وتحركات العملات
على صعيد العملات الأجنبية، شهد الدولار انخفاضًا ملحوظًا أمام عملات ملاذ آمن. فقد تأثر الدولار بانتقال المستثمرين نحو العملات التي يُنظر إليها على أنها أكثر استقرارًا في أوقات الاضطراب، مثل الين الياباني والفرنك السويسري، فيما ارتفع اليورو بشكل طفيف على الرغم من الظروف غير المستقرة. أما السوق الأمريكي للأسهم فقد ظل في حالة من التذبذب، حيث استمرت أسعار الأسهم في تقلبها، مما يضيف إلى حالة عدم اليقين الكلية.
كما أظهرت التقارير أن التداولات على مدار فترة بداية الأسبوع كانت أقل نشاطاً مع انخفاض أحجام التداول إلى حد ما بسبب عطلة الجمعة العظيمة، مما أعطى بعض السكينة للسوق على الرغم من المخاوف المتبقية بشأن النزاعات التجارية.
اقرأ أيضا…