تراجع أسعار النفط لأسبوع ثاني على خلفية تصاعد النزاع التجاري

تشهد أسعار النفط حالة من التذبذب الشديد في ظل تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، مما أثر على توقعات الطلب العالمي وأدى إلى تخوفات متزايدة من حدوث ركود اقتصادي عالمي.
وفي وقت استقرّت فيه الأسعار لفترة وجيزة، عاد المستثمرون إلى تقييم المخاطر، مما أدى إلى توقع خسائر أسبوعية جديدة، وفي هذا السياق، يشهد النفط تراجعا ملحوظا مع استمرار القلق بشأن تأثير النزاع التجاري والتدابير الجمركية المتبادلة على النمو الاقتصادي العالمي.
أداء أسعار النفط خلال الأسبوع الحالي
شهدت أسعار النفط تراجعا بواقع حوالي 2% يوم الجمعة، وسط حالة من القلق السائد بين المستثمرين بسبب تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فقد تراجع سعر خام برنت، الذي يعتبر المعيار العالمي لتسعير النفط، بمقدار 1.55 دولار أي بنسبة 2.37% ليصل إلى 63.93 دولار للبرميل وقت نشر هذا التقرير. وفي الوقت ذاته، انخفض خام غرب تكساس الأمريكي (WTI) بمقدار 1.51 دولار، أي بنسبة 2.42%، ليباع عند 60.84 دولار للبرميل.
وقد أثرت هذه التحركات الفنية على توقعات الأسعار، إذ يتوقع المحللون تسجيل انخفاضات أسبوعية تقارب 3% لخام برنت وحوالي 2.5% لخام غرب تكساس الأمريكي، بعد أن سجل كل منهما خسائر نسبتها حوالي 11% في الأسبوع الماضي.
وتشير هذه التوقعات إلى أن الأسعار قد تشهد ضغوطا إضافية إذا ما استمرت المخاوف من تراجع النمو الاقتصادي وتفاقم النزاع التجاري.
التصعيد التجاري وتأثيراته على سوق النفط
يأتي تراجع أسعار النفط ضمن سياق متشابك من النزاع التجاري الدائر بين الولايات المتحدة والصين. ففي وقت أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعليق لبعض الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوما مع تطبيق رسوم استثنائية على السلع الصينية، شهدت الأسواق حركة فوضوية.
فقد اعتمد ترامب زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية إلى 125%، في رد فعل صارم بعدما قررت بكين رفع رسومها الجمركية على السلع الأمريكية إلى 84%. هذا التصعيد من كلا الجانبين أعاد المخاوف إلى الواجهة، مؤكدا أن النزاع التجاري لن يحل بسهولة، وأن التداعيات قد تمتد لتؤثر على التوازن العالمي في سلاسل الإمداد والطلب على النفط.
تأثير النزاع على النمو الاقتصادي والطلب النفطي
أحد التأثيرات المهمة للنزاع التجاري هو احتمال تراجع النمو الاقتصادي العالمي، الأمر الذي يؤثر بدوره على الطلب على النفط. فقد حذرت وكالة إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) مؤخرا من أن تصاعد التوتر التجاري والتدابير الجمركية الإضافية قد يؤدي إلى خفض توقعات النمو العالمي للطلب النفطي.
فقد تم تعديل توقعات نمو الطلب العالمي لهذا العام إلى 900,000 برميل يوميا، مقارنة بتوقع سابق بلغ 1.2 مليون برميل يوميا، مع انخفاض مشابه لتوقعات النمو في عام 2026 حيث يقدر النمو بمعدل 1.1 مليون برميل يوميا مقارنة بالتوقع السابق البالغ 1.2 مليون برميل.
ويشير هذا التعديل إلى تراجع توقعات المستثمرين والصناعيين للنمو العالمي، مما يزيد من احتمال حدوث فائض في العرض النفطي يؤدي بدوره إلى ضغط إضافي على الأسعار، خاصةً إذا ما تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر أو تفاقمت المخاوف من الركود العالمي.
العوامل الداعمة لتراجع الأسعار
ساهمت القرارات الإنتاجية والتغيرات في سياسات العرض أيضًا في الضغط على أسعار النفط. فقد أعلنت مجموعة أوبك+ عن زيادة الإنتاج المخطط لشهر مايو بمقدار 411,000 برميل يوميا، مما يشير إلى إمكانية حدوث فائض في السوق، بالإضافة إلى ذلك، أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية زيادة في مخزونات النفط، حيث ارتفعت المخزونات الأمريكية بمقدار 2.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 4 أبريل، وهو رقم يفوق توقعات المحللين التي كانت تشير إلى زيادة بمقدار 1.4 مليون برميل فقط.
هذا الارتفاع في المخزونات يعكس ضعف الطلب الحالي على النفط، مما يزيد من احتمال استمرار ضغوط الأسعار خاصة مع تكاثر العوامل الخارجية التي تؤثر على العرض والطلب في الأسواق العالمية.
تأثير السياسات الجمركية والقيود على التجارة
على الرغم من إعلان ترامب عن تعليق مؤقت لبعض الرسوم الجمركية، فإن النزاع التجاري المتصاعد، خصوصا مع الصين، لا يزال يشكل عبئا كبيرا على الأنظمة التجارية العالمية.
إذ أن استمرار تطبيق الرسوم الجمركية بمعدلات مرتفعة على السلع الصينية يجعل من الصعب على المستوردين والمنتجين الحفاظ على هوامش الربح، مما يدفع الشركات إلى تقليل الطلب على النفط والسلع الأخرى لتخفيف الأعباء المالية.
ويتوقع من استمرار النزاع التجاري أن يحدث تحولا في سلاسل التوريد الدولية مما يؤدي إلى تغييرات في تدفق التجارة العالمية، وبالتالي تأثير مباشر على الأسعار.
آفاق مستقبلية وتوقعات الخبراء
يقف الاقتصاد العالمي في مفترق طرق حيث يتوقع أن يستمر النزاع التجاري القائم بين الولايات المتحدة والصين في خلق حالة من عدم اليقين.
فقد حذرت تقارير من احتمال أن تؤدي هذه السياسات إلى تباطؤ ملحوظ في النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما سيكون له أثر سلبي كبير على الطلب النفطي. وقد حذر محللون مثل أول هوليفاي من أن استمرار النزاعات التجارية قد يدفع بالعالم نحو ركود اقتصادي، مما قد يخلق بيئة تنافسية تتسم بانخفاض الطلب على الطاقة وتحول المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
توقعات أسعار النفط على المدى القريب
يتوقع المحللون أن تستمر الأسعار في التراجع إذا ما استمرت المخاوف بشأن تراجع النمو الاقتصادي العالمي وانتفاضة المخزونات النفطية.
فقد أشارت توقعات بعض البنوك الاستثمارية إلى أن النفط قد لا يتجاوز مستوى 50 دولارًا للبرميل في أسوأ السيناريوهات إذا ما أدت النزاعات التجارية إلى تقليص الطلب على السلع الأساسية وتراجع النشاط الاقتصادي.
وعلى الرغم من ذلك، يستمر بعض المحللين في التأكيد على أن الأسواق قد تشهد فترات انتعاش مؤقتة إذا ما تحسنت بيانات النمو الاقتصادي أو تمت التوصل إلى مفاوضات تجارية تؤدي إلى تخفيف التوتر. إلا أن التوقع السائد يشير إلى أن الضغوط الحالية ستستمر في دفع أسعار النفط إلى مستويات منخفضة خلال الفترة القادمة.
دور السياسة النقدية والعرض العالمي
يعتبر التحرك في سوق النفط مرتبطا ارتباطا وثيقا بالسياسة النقدية العالمية وبقرارات مجموعة منتجي النفط الدولية. ففي ظل السياسات الجمركية المتبادلة وزيادة الإنتاج المخطط من قبل أوبك+، يظل العرض العالمي في حالة تضخم مع تراجع حاد في الطلب، مما يزيد من احتمالية حدوث فائض في السوق يؤدي بدوره إلى ضغوط إضافية على الأسعار.
كما أن توقعات الاحتياطي الفيدرالي بتبني سياسات نقدية أكثر تساهلا في حال تدهور البيانات الاقتصادية قد تلطف من حدة الانخفاض، لكنها في الوقت نفسه قد تؤدي إلى استمرار حالة عدم اليقين إذا ما استمرت الضغوط الخارجية، مثل النزاعات التجارية والاضطرابات في سلاسل التوريد.
اقرأ أيضا…