تراجع أسعار النفط بعد انتعاش حاد في ظل تصاعد حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين

شهدت أسعار النفط تراجعا ملحوظا يوم الخميس بعد انتعاش حاد سجله السوق في الأيام السابقة، وسط تصاعد المخاوف من تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين واحتمالية حدوث ركود اقتصادي عالمي. فقد انخفضت أسعار النفط بنسبة تقارب 2%، مما يعكس حالة من عدم اليقين التي تهيمن على أسواق الطاقة في ظل استمرار التصعيد التجاري والتوترات المستمرة بين أكبر اقتصادين في العالم.
تحركات أسعار النفط خلال الجلسة
شهدت عقود النفط العالمية تراجعا ملحوظا حيث انخفضت عقود برنت الآجلة بمقدار 1.55 دولار، أي بنسبة 2.37%، لتتداول عند 63.93 دولار للبرميل وقت نشر هذا التقرير. وفي الوقت نفسه، تراجعت عقود النفط الأمريكي غرب تكساس الأمريكي (WTI) بمقدار 1.51 دولار، أي بنسبة 2.42%، لتصل إلى 60.84 دولار للبرميل. تعكس هذه التحركات التذبذب الذي يشهده السوق، إذ تراجعت الأسعار بعد جلسة سابقة شهدت تقلبات شديدة وارتفاعا نسبيا بعد إعلان ترامب عن تعليق مؤقت للرسوم الجمركية لبعض الدول.
تفاصيل التصعيد التجاري وتداعياته على الأسعار
في يوم الأربعاء، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن تعليق لمدة 90 يوما لبعض الرسوم الجمركية “المتبادلة” على واردات معظم الدول، مما خلق شعورا مؤقتا بالارتياح ودفع أسعار النفط للارتفاع بنسبة حوالي 4% خلال تلك الجلسة. ومع ذلك، لم يشمل هذا التعليق الصين، حيث أعلن ترامب عن رفع معدل الرسوم الجمركية على السلع الصينية من 104% إلى 125%. هذا التصعيد في الإجراءات الجمركية أدى إلى إعادة إثارة المخاوف بشأن تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
وردا على هذه الإجراءات، أعلنت الصين عن فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأمريكية بنسبة 84% اعتبارا من يوم الخميس. يعد هذا التصعيد جزءا من استراتيجية انتقامية تهدف إلى الرد على ما تعتبره الصين تدخلا غير مقبول في أسواقها، مما زاد من حدة النزاع التجاري وتوليد حالة من عدم اليقين العالمي فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي والطلب على النفط.
تأثير النزاع التجاري على نمو الطلب على النفط
يشير محلل أشلي Kelty من Panmure Liberum إلى أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين يزيد من المخاوف بشأن قدرة الاقتصاد العالمي على تحقيق نمو قوي في ظل هذه الإجراءات. إذ يؤدي استمرار النزاع إلى خلق جو من عدم اليقين في الأسواق المالية، ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط بشكل ملحوظ. في أسوأ السيناريوهات، ويعتبر سعر النفط عند حوالي 50 دولار للبرميل مستوى دعم محتمل إذا ما استمر الركود العالمي في الضغط على الطلب.
ولا تقتصر المخاوف على الركود فحسب، بل تؤثر النزاعات التجارية أيضًا على عوامل العرض والطلب في سوق النفط. فقد أدى التصعيد الأخير للرسوم الجمركية والردود الانتقامية إلى توقعات بزيادة العرض من قِبل منتجي النفط، خاصة بعد إعلان مجموعة منتجي النفط أوبك+ عن خطة لرفع الإنتاج بمقدار 411,000 برميل يوميا في مايو. تشير هذه الزيادة إلى احتمال حدوث فائض في السوق، ما قد يضعف الأسعار بشكل أكبر على المدى القصير.
التحديات اللوجستية وتأثيراتها على الإمداد النفطي
واجه سوق النفط تحديات عملية إضافية، إذ ظل خط أنابيب “كيستون” من كندا إلى الولايات المتحدة مغلقًا يوم الأربعاء بعد وقوع حادث تسرب نفطي بالقرب من فورت رانسم، نورث داكوتا. وتعمل الشركة المشغلة، South Bow (SOBO.TO)، على تقييم خطط إعادة تشغيله، وهو ما يضيف بعدًا من عدم الاستقرار إلى الإمداد النفطي على الحدود.
وعلى الجانب الآخر، أعلنت مجموعة “كاسبيان بايبلاين كونسورتيوم” عن استئناف تحميل النفط في إحدى الأرصفة البحرية بمنطقة البحر الأسود، بعد رفع المحكمة للقيود التي فرضها المنظم الروسي على منشأة المجموعة المدعومة من الغرب. يُظهر هذا التباين أن بعض أجزاء سوق النفط تسعى لاستعادة عملياتها التشغيلية حتى وسط حالة من التقلب العالمي، مما قد يساهم في تخفيف بعض الضغوط على العرض.
توقعات وآفاق مستقبلية لأسعار النفط
حذر محللون في ANZ Research من أن تباطؤ الاقتصاد العالمي قد يدفع بأسعار النفط إلى المزيد من الانخفاض، مشيرين إلى أن سيناريو الركود العالمي قد يؤدي إلى مستويات دعم سعرية عند حوالي 50 دولارًا للبرميل. مثل هذه التوقعات تأتي في ظل حالة من الانكماش الطلبي وارتفاع الإنتاج، مما يشير إلى ضرورة استعداد الأسواق لمواجهة حالة من الفائض النفطي إذا ما استمرت النزاعات التجارية لفترة أطول.
بحسب توقعات بنك جولدمان ساكس، قد تنخفض أسعار برنت وWTI إلى حوالي 62 دولارًا و58 دولارًا للبرميل على التوالي بحلول ديسمبر 2025، ومع تواصل النزاع التجاري وظهور مخاوف الركود، قد تصل الأسعار إلى حوالي 55 دولارًا و51 دولارًا للبرميل على التوالي بحلول ديسمبر 2026. تُشير هذه التوقعات إلى أن الأسواق تتوقع تراجعاً ملحوظاً في الطلب على النفط إذا ما استمرت الضغوط التجارية والاقتصادية العالمية.
تأثير الرسوم الجمركية على الأسواق المالية العامة
على الرغم من أن تعليق رسوم جمركية لبعض الدول أثار انتعاشًا في مؤشرات الأسهم في أيام سابقة، إلا أن النزاع التجاري المستمر مع الصين أسفر عن تقلبات كبيرة في الأسواق المالية. فقد أدت حالة عدم اليقين إلى هبوط أسعار الأسهم الرئيسية، مما أنشأ بيئة من التذبذب في أسواق المال قد تستمر في التأثير على الاستثمارات في مختلف القطاعات.
كما أن مؤشرات المخزون النفطي الأمريكية تأتي ضمن العوامل الهامة التي يشاهدها المستثمرون. تشير بيانات Energy Information Administration إلى زيادة كبيرة في المخزونات، وهو ما يتعارض مع توقعات نمو الطلب، ما يزيد من احتمالية حدوث فائض في السوق ويضع ضغوطًا إضافية على أسعار النفط.
اقرأ أيضا…