استمرار ارتفاع أسعار الذهب وسط تصاعد حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين

تشهد أسعار الذهب ارتفاعات ملحوظة في ظل تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، حيث يستفيد الذهب من جو من الشك العام والحالة المتقلبة للسوق.
وعلى الرغم من إعلان الرئيس دونالد ترامب عن تعليق رسوم جمركية مؤقتة لمدة 90 يومًا لمعظم الدول، فقد استمر التصعيد في النزاع التجاري، مما دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى ملاذات آمنة كالذهب.
وتشير المؤشرات إلى أن أسعار الذهب ستظل تحظى بالدعم نظراً لعدم اليقين المتزايد في الاقتصاد العالمي وارتفاع مخاوف الركود والتضخم.
الأداء الراهن للذهب في الأسواق العالمية
في يوم الخميس، سجل الذهب الفوري ارتفاعا بنسبة 0.9% ليتداول عند 3,110.69 دولار للأوقية وقت نشر هذا التقرير، بعد أن حقق أكبر مكاسب يومية منذ أكتوبر 2023 في يوم الأربعاء.
كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 1.5% لتتداول عند 3,126.70 دولار للأوقية. وقد أحدث ذلك انتعاشا قويا في أسواق الذهب، حيث زاد الطلب على المعدن الثمين نتيجة المخاوف من تفاقم التوترات التجارية وتأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي.
يرجع هذا الانتعاش إلى عدة عوامل، أبرزها التوتر المتزايد في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم: الولايات المتحدة والصين. إذ أن النزاع التجاري يتسم بخطوات حاسمة من الطرفين، ما يخلق بيئة مليئة بقدر كبير من عدم اليقين يؤثر على توقعات المستثمرين بالنسبة للنمو الاقتصادي والتضخم على مستوى العالم.
التصريحات والتغيرات في السياسات الجمركية
على الرغم من قرار ترامب بتعليق الرسوم الجمركية لبعض الدول لمدة 90 يومًا، أعلن في نفس الوقت عن تعديل سياساته بتطبيق رسوم جمركية أشد على الصين. ففي تصريحات له على مواقع التواصل الاجتماعي، أكد ترامب أنه سيخفض الرسوم الجمركية المؤقتة لمعظم الدول إلى 10% خلال فترة التعليق، فيما سيرفع معدل الرسوم الجمركية المفروضة على الصين إلى 125% بدلا من 104%، ردًا على قرار بكين برفع رسومها الجمركية إلى 84% على البضائع الأمريكية.
يعتبر هذا التباين في السياسة التجارية إشارة إلى أن النزاع مع الصين يتخذ طابعًا أكثر حزمًا وصلابة، في ظل اعتقاد الإدارة الأمريكية بأن الصين لم تظهر الاحترام الكافي للأسواق العالمية. وفي هذا الصدد، جاء التصريح على أن هذه الإجراءات هي جزء من استراتيجية تفاوضية تهدف إلى تخفيف الضغط على السوق وإتاحة الفرصة لإجراء مفاوضات جديدة، مع الحفاظ على الموقف التفاوضي فيما يتعلق بالصين.
آراء المحللين وتوقعات مستقبلية
أشار نيتيش شاه، الاستراتيجي في مجال السلع في شركة WisdomTree، إلى أن الذهب سيستمر في الارتفاع على مدار العام نظرًا لبيئة من عدم اليقين الشديد. حيث قال: “نحن نعيش في عالم مليء بعدم اليقين المطلق، ولا نعلم إلى أين يتجه النزاع التجاري. أعتقد أنه على مدار هذا العام، سوف يرتفع الذهب.”
يظهر هذا التصريح الثقة المتزايدة لدى بعض المحللين في أن الذهب سيظل يستفيد من الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية، خاصةً مع استمرار المخاوف من الركود في ظل النزاع التجاري. ومن المتوقع أن يستمر اتجاه أسعار الذهب الصاعد، حيث حافظت الأسعار على مسار تصاعدي منذ العام الماضي، وارتفعت بأكثر من 18% حتى الآن خلال هذا العام.
وتأتي توقعات المستثمرين على ضوء البيانات الاقتصادية القادمة، مثل بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) التي ستصدر لاحقا، وهو ما سيعطي صورة أوضح عن مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. يُشير السوق إلى أنه تم تسعير تخفيضات في أسعار الفائدة بمقدار 84 نقطة أساس بحلول نهاية العام، وهو ما يعكس توقع استمرار البيئة ذات أسعار الفائدة المنخفضة، مما يدعم الطلب على الذهب باعتباره سلعة لا تدر عوائد مالية.
كما أن الذهب يعتبر ملاذا آمنا في ظل الضغوط الجيوسياسية والاقتصادية، وهو ما يجعله خيارًا مفضلًا بين المستثمرين الذين يتطلعون إلى حماية رؤوس أموالهم في بيئة سوقية متقلبة. وفي ظل هذه الظروف، يرى بعض المحللين أن الذهب قد يصل إلى مستويات أعلى، حيث توقع بعضهم وصول السعر إلى ما يقرب من 3,600 دولار للأوقية خلال عام، مع احتمالية وصوله إلى 4,000 دولار إذا ما استمرت المخاوف والتوترات الاقتصادية.
تأثير النزاع التجاري على الأسواق المالية الأخرى
لم يقتصر تأثير النزاع التجاري على سوق الذهب فقط، بل امتد ليشمل أسواق الأسهم والعملات. فقد أدت الإجراءات الجمركية المتبادلة إلى تذبذب كبير في أسواق الأسهم؛ إذ شهدت مؤشرات مثل S&P 500 وداو جونز هبوطاً شديداً خلال الأيام الماضية، مما دفع المستثمرين إلى التحول نحو الأصول الآمنة. وهذا التوجه انعكس إيجابيًا على الذهب، الذي احتفظ بمكانته كملاذ آمن وسط تلك التذبذبات.
من جهة أخرى، شهد الدولار الأمريكي انخفاضا نسبيا مقابل بعض العملات الرئيسية، خاصةً الين الياباني والفرنك السويسري، مما زاد من جاذبية الذهب لدى المستثمرين الدوليين. يعتبر انخفاض قيمة الدولار من العوامل الرئيسية التي تدعم ارتفاع أسعار الذهب، حيث يجعل المعدن الثمين أقل تكلفةً للمشترين الأجانب.
تقلبات سوق العملات والسلع كدليل على حالة عدم اليقين
يظهر التحليل التقني أن مؤشر الدولار الأمريكي في حالة انخفاض نشطة منذ بداية أبريل، حيث اخترق مناطق دعم رئيسية في شهر مارس. ورغم تحقيق بعض الارتفاعات الطفيفة في بداية الأسبوع، يتوقع أن يهبط المؤشر أكثر مع استمرار ظهور البيانات الاقتصادية السلبية وتعاظم المخاوف التجارية.
كما أن تقلبات أسعار الذهب والعملات تظهر مدى التداخل بين السياسة التجارية والاقتصادية. فالذهب، الذي يلعب دور الملاذ الآمن في الأوقات الصعبة، يستفيد من بيئة انخفاض أسعار الفائدة بالإضافة إلى المخاوف المتزايدة من الركود العالمي. ومع استمرار التصعيد في النزاعات التجارية خاصة مع الصين، يتوقع أن يستمر اعتماد المستثمرين على الأصول الآمنة التي توفر حماية ضد التقلبات الشديدة.
مستقبل الذهب وسط ظروف اقتصادية غير مستقرة
في ظل النزاع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين والإجراءات الجمركية المتباينة، يتجاوز سعر الذهب مستوى 3,100 دولار للأوقية، مع استمرار الدعم من قبل المستثمرين الذين يبحثون عن حماية من المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم أن هناك بعض الإشارات الإيجابية مثل بيانات الوظائف القوية وتوقعات خفض أسعار الفائدة، يبقى عدم اليقين هو السمة الرئيسية التي تحكم الأسواق في الوقت الراهن.
يُعطي التصريح الذي أدلى به نيتيش شاه لمحة عن التوقعات المستقبلية، حيث يُعتقد أن الذهب سيستمر في مساره التصاعدي خلال العام القائم. ومع توقعات بأن يظل بيئة أسعار الفائدة منخفضة وتعمل السياسات النقدية على دعم النمو المالي في ظل الأزمة التجارية، فإن لدى المستثمرين فرصة للاستفادة من هذه المرحلة الحرجة من الأسواق.
ومع ذلك، يجب الحذر من أن تكون هذه الارتفاعات مؤقتة، إذ أن النزاع التجاري وما يترتب عليه من تباطؤ في النمو الاقتصادي يمكن أن يعيد تشكيل مسار الأسعار بمجرد انتهاء فترات الاسترخاء في السياسات. ينصح الخبراء المستثمرين بمراقبة التطورات عن كثب، سواء كانت بيانات اقتصادية جديدة أو تطورات إضافية في السياسة التجارية، لضمان اتخاذ القرارات الصحيحة في بيئة سوقية تتسم بالتقلب المستمر.
باختصار، تستمر أسعار الذهب في الارتفاع مدعومة بانخفاض الدولار وارتفاع المخاوف من نزاعات تجارية تؤدي إلى عدم استقرار اقتصادي عام. على الرغم من هذه الظروف المتقلبة، يظل الذهب خيارا جذابا للمستثمرين كملاذ آمن، مع توقع أن يستمر في الارتفاع إذا ما استمرت البيئة ذات أسعار الفائدة المنخفضة وحالة عدم اليقين العالمي.
اقرأ أيضا…