ترامب يعلق الرسوم الجمركية بسبب المخاوف والتوتر
تخفيض مؤقت إلى 10% وزيادة على الصين إلى 125%

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء عن تعديل في سياسة الرسوم الجمركية، حيث قرر تخفيض المعدلات المفروضة على واردات السلع من معظم شركاء التجارة إلى 10% مؤقتا لمدة 90 يوما، وذلك للسماح بإجراء مفاوضات تجارية مع الدول المعنية.
وفي نفس السياق، أعلن ترامب عن رفع الرسوم الجمركية المفروضة على السلع القادمة من الصين إلى 125%، في خطوة أطلقتها بعد انتقادات حول “عدم الاحترام” الذي تبديه الصين تجاه أسواق العالم. يعد هذا الإعلان جزءا من تصعيد النزاعات التجارية التي أثرت بشكل كبير على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي.
تخفيض الرسوم الجمركية وإطار زمني للتفاوض
في خطوة مفاجئة، أعلن ترامب تخفيض الرسوم الجمركية على واردات السلع من معظم الدول إلى 10%، وذلك لمدة 90 يوما، وجاء هذا القرار بعد أن أصبحت واردات السلع من نحو 90 دولة خاضعة لرسوم جمركية شديدة قدمت مؤخرا ضمن نظام الرسوم الجمركية المتبادلة، ويهدف التخفيض إلى إعطاء فرصة لإجراء مفاوضات تجارية مع تلك الدول ومراجعة السياسات التجارية التي أدت إلى حالة من الاضطراب في الأسواق العالمية.
وأكد ترامب أن هذه الخطوة تأتي في إطار محاولته لتهدئة التوترات التي أحدثتها الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الأسبوع الماضي، حيث تصاعدت المخاوف من تأثير هذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وأضاف ترامب في تصريحات لاحقة أنه سيسعى بنفسه للمشاركة في مفاوضات جديدة مع الدول المتأثرة لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف.
زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية
على الرغم من تخفيض الرسوم الجمركية لمعظم شركاء التجارة، تم اتخاذ إجراء معاكس فيما يتعلق بالصين. أعلن ترامب أنه سيتم رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى نسبة 125%، وهو ما اعتبره خطوة صارمة بسبب “عدم الاحترام” الذي أظهرته الصين تجاه أسواق العالم، ويأتي هذا في وقت أعلنت فيه الصين عن نيتها رفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 84%، مما يزيد من حدة التصعيد التجاري بين البلدين.
يشير هذا الإجراء إلى أن النزاع التجاري مع الصين يتخذ منحى أكثر تشددًا، حيث يسعى كلا الجانبين إلى الضغط على بعضهما البعض باستخدام الرسوم الجمركية كأداة تفاوضية، ويعتبر هذا التصعيد خطرا كبيرا على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على سلاسل التوريد الدولية والتبادل التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.
انتعاش مؤقت في مؤشرات الأسهم
تأثرت أسواق الأسهم بشكل كبير بهذه التصريحات والإجراءات، إذ شهدت مؤشرات الأسهم انتعاشا مفاجئا يوم الأربعاء عقب إعلان ترامب عن تعديل الرسوم الجمركية. فقد سجل مؤشر S&P 500 قفزة بنسبة 7%، مما جعله على الطريق لتحقيق أكبر ارتفاع يومي منذ خمس سنوات، وقد انعكس هذا الانتعاش على معنويات المستثمرين، وذلك بعد أيام من التراجع المستمر الذي صاحبه قلق عام بشأن التداعيات الاقتصادية للنزاع التجاري.
أيضا كان لهذه التطورات أثرٌ واضح على سوق العملات، إذ استجاب الدولار الأمريكي لتلك التصريحات بتراجع نسبيا أمام بعض العملات الرئيسية، فقد أدت المخاوف المتزايدة إلى تحول بعض المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة، مما دعم عملات مثل الين الياباني والفرنك السويسري. كما تراجعت أسعار النفط والسلع الأخرى نتيجة للتوتر التجاري والقلق من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
انتقادات من الجانب المعارض
لم تخلُ هذه الخطوة من الانتقادات، إذ وجه زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، انتقادات لاذعة للرئيس ترامب. ووصف شومر السياسات الجمركية بأنها تخلق حالة من “الفوضى والارتباك”، مشيرا إلى أن التغييرات المستمرة في السياسات تفسد من قدرة الإدارة على تحقيق رؤية اقتصادية واضحة.
وأكد شومر أن تغيرات ترامب المتكررة تظهر عدم استقرار واستجابة غير محسوبة لهذه التحديات الاقتصادية، مما يؤدي إلى حالة من الفوضى ليس فقط على الصعيد التجاري بل والاقتصادي أيضا.
وعلى الجانب الآخر، أيد بعض المسؤولين داخل البيت الأبيض قرار ترامب بتعديل الرسوم الجمركية مؤقتا. ففي تصريح وزاري، أكد وزير الخزانة سكوت بيسينت أن قرار تخفيض الرسوم لم يكن خطوة مفاجئة، بل كان جزءا من “الاستراتيجية المخططة” التي تبناها ترامب منذ البداية. وأوضح بيسينت أن الهدف هو إعطاء فرصة لإعادة تقييم السياسات التجارية وتخفيف الضغط على الاقتصاد، دون التخلي عن موقف قوي ضد ما يعتبره انتهاكًا لحقوق التجارة العادلة.
كما أثار وزير التجارة هوارد لوتنيك إعجاب بعض الداعمين لإستراتيجية ترامب، حيث كتب في تغريدة أن العالم على استعداد للتعاون مع الرئيس ترامب لإصلاح النظام التجاري العالمي، بينما اتخذت الصين اتجاهًا معاكسًا برفضها التنازل عن موقفها الصعب تجاه الرسوم الجمركية.
التأثيرات الاقتصادية المحتملة والنظرة المستقبلية
يُعد النزاع التجاري المتصاعد مع الصين ونزاعات الرسوم الجمركية الأخرى عاملًا مهمًا في تشكيل توقعات الاقتصاد العالمي. فمن جهة، يمكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تراجع النمو الاقتصادي وتقليل حركة التجارة الدولية، مما يخل بتوازن سلاسل التوريد المعقدة التي تعتمد عليها الاقتصادات الكبرى، ومن جهة أخرى، قد تدفع مثل هذه السياسات إلى إعادة تقييم العلاقات التجارية وإعادة هيكلة سلاسل الإمداد، وهو ما قد يؤثر بشكل إيجابي على بعض القطاعات على المدى الطويل، لكنه سيخلق اضطرابات كبيرة في الفترات الزمنية القصيرة.
وأفاد ترامب أن أكثر من 75 دولة تواصلت مع الإدارة الأمريكية لبدء مفاوضات بشأن تخفيض الرسوم الجمركية. وقد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها إشارة إلى إمكانية التوصل إلى اتفاقيات تجارية قد تُسهم في تهدئة النزاعات الحالية. ومع ذلك، يظل الوضع متوترًا مع استمرار الصين في موقفها الصارم وزيادة الرسوم الجمركية على سلع أمريكا، مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في حالة عدم الوصول إلى تفاهم بين الأطراف.
تأثير النزاعات التجارية على الأسواق المالية
تشهد الأسواق المالية تقلبات كبيرة نتيجة للسياسات التجارية المتغيرة، خاصةً فيما يتعلق بالرسوم الجمركية التي تؤثر على أسعار الأسهم والعملات والسلع. فقد أدت تلك التصريحات والإجراءات إلى تغيرات كبيرة في مؤشرات الأسهم، مع ارتفاع مفاجئ متبوع بانخفاضات لاحقة. كما أن المستثمرين يتوقعون أن تساهم هذه الإجراءات في اضطرابات طويلة الأجل تؤثر على النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما قد يدفعهم إلى اللجوء إلى الأصول الآمنة مثل الذهب والسندات الحكومية.
يعتقد بعض المحللين أن الرسوم الجمركية الأمريكية تعد خطوة مؤقتة يمكن تخفيف حدتها مع مرور الوقت إذا ما أسفرت المفاوضات عن نتائج إيجابية. ومع ذلك، يشير البعض الآخر إلى أن الإجراءات الحالية قد تؤدي إلى تصعيد مستمر في النزاع التجاري، مما سيخلق بيئة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي يستمر تأثيرها لفترة طويلة.
على سبيل المثال، يرى أحد المحللين أن تخفيض الرسوم الجمركية لم يكن سوى إجراءٍ استراتيجي مؤقت لتخفيف قلق المستثمرين والسماح لعمليات التفاوض بالتقدم، لكن رفع الرسوم الجمركية على الصين بنسبة 125% يعد إشارة قوية على أن النزاع التجاري مع الصين لن ينتهي قريبًا، مما يزيد من مخاطر تقلبات السوق العالمية.
اقرأ أيضا….