انخفاض الدولار الأمريكي وسط تكهنات بتوجه الاحتياطي الفيدرالي إلى سياسة تساهلية

على مدار الأسبوع الماضي، قفزت احتمالات تخفيض أسعار الفائدة الأساسية للفيت الأمريكية في شهر مايو من 11% إلى 47%، وبلغت نحو 60% يوم الثلاثاء. وبالنسبة لنهاية العام، يرى السوق الآن سيناريو يسفر عن خفض بمقدار 100 نقطة أساس ليصل النطاق إلى 3.25%-3.50% أو أقل، مع احتمال يقارب 75%، في حين كانت تلك الاحتمالات قبل شهر بالكاد تتجاوز الربع.
قد يعكس هذا التحرك الفني توجه المستثمرين نحو سندات الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل كملاذ آمن، فعوائد سندات العشر سنوات والثلاثين سنة الأمريكية، التي عادة ما تنخفض مع تراجع العوائد قصيرة الأجل، تدعم هذا الافتراض. وتؤدي مثل هذه التحركات المتقلبة إلى زيادة تشاؤم المستثمرين بشأن مستقبل الأسهم، حيث قد تستمر عمليات تصفية مراكز أو تتفاقم.
ورغم أن هذا الوضع عادة ما يدعم الدولار الأمريكي ، فإننا نشهد الآن ضغوطا متزايدة على العملة الأمريكية بسبب البيع في أسواق الأسهم والسندات طويلة الأجل.
حالة تراجع مؤشر الدولار الأمريكي تقنيا
تقنيا، دخل مؤشر الدولار الأمريكي في مرحلة انخفاض نشطة منذ أوائل أبريل، إذ اخترق فجأة منطقة الدعم التي كان يشهدها في مارس. وقد أدى الارتداد الذي حدث في بداية الأسبوع إلى سد الفجوة دون تغيير النمط العام، ما يشير إلى إمكانية هبوط المؤشر إلى مستوى 99 – أي ما يقرب من انخفاض بنسبة 3% عن المستويات الحالية.
وبينما يتوقع من الاقتصادات الكبرى الأخرى تسريع تخفيض أسعار الفائدة، يميل السوق إلى التقليل من تأثير التغييرات في الولايات المتحدة أولا. هذا ما جعل الدولار الأمريكي يرتفع قبل بدء دورة رفع الأسعار في عام 2022 وينخفض قبل أولى التخفيضات في عامي 2020 و2024. ويشبه الوضع الحالي من حيث التوتر وعدم اليقين تلك الفترة التي شهدت اضطرابات سوقية في مارس 2020.
تحركات في سوق السندات ووضع المخاطر
يمثل سوق السندات حديث وول ستريت يوم الأربعاء مع انخفاض الأسعار وارتفاع العوائد بشكل غير معتاد، وهو أمر غريب في أوقات تتزايد فيها مخاوف الركود، وعادة ما يُعتمد على السندات كملاذ آمن من الاضطرابات في الأسواق الأخرى.
قفز عائد سند الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار 11 نقطة أساس ليصل إلى 4.37%، وارتفع بعد أن تجاوز 4.51% ليلة البارحة.
وقد عاد العائد إلى مستويات أعلى مما كان عليه في اليوم الذي أعلن فيه الرئيس ترامب عن خطة الرسوم الجمركية يوم الأربعاء الماضي، وهو الآن في أعلى مستوى منذ فبراير. وحتى الأسبوع الماضي، كان عائد السند لأجل 10 سنوات، الذي يؤثر بشكل مباشر على أسعار الرهن العقاري وبطاقات الائتمان وقروض السيارات، دون 3.9%.
ووصل عائد سند الخزانة الأمريكية لأجل 30 سنة إلى مستوى 5.02% ليلة البارحة، وهو مستوى لم يشهد مثله منذ نوفمبر 2023. وارتفع عائد سند الخزانة لأجل سنتين بمقدار نقطتين أساسيتين ليصل إلى 3.76%. وتتحرك العوائد والأسعار في اتجاهين متعاكسين.
تأثير الرسوم الجمركية ومخاوف التجارة العالمية
بدأت الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب في العمل خلال الليل، مما رفع العائدات على الواردات الصينية إلى 104%. وفي وقت لاحق، ردت الصين بفرض رسوم إضافية بنسبة 84% على السلع الأمريكية، مما يزيد من حدة التوتر التجاري مع الولايات المتحدة، وتؤدي هذه التحركات إلى انخفاض أسعار الأسهم؛ فقد خسرت مؤشرات الأسهم مثل S&P 500 حوالي 12% خلال أربعة أيام تداول، وسط قلق متزايد من أن سياسات ترامب قد تكون عاملا محفزا لحدوث ركود اقتصادي.
وقد يؤدي البيع في السوق والمخاوف المتزايدة من الهبوط الاقتصادي إلى توجه المستثمرين نحو الأصول الآمنة مثل السندات، مما يدفع العوائد إلى الانخفاض. لكن هذا لم يحدث، إذ شهد سوق السندات تصفيه قوية أدى إلى ارتفاع العوائد، حيث يشير مؤشر iShares لسندات الخزانة لأجل أكثر من 20 عامًا (TLT) إلى انخفاض بأكثر من 6% خلال هذا الأسبوع.
يشير بعض المحللين إلى أن المستثمرين في السندات الأمريكية قد يبدؤون في القلق من احتمال بدء عملية بيع جماعية من قبل حاملين أجانب للسندات الحكومية، خاصةً من الدول التي تمتلك كميات كبيرة من هذه الأصول، مثل اليابان والصين والمملكة المتحدة.
التوقعات القادمة وتأثيرها على السياسة النقدية
من المنتظر صدور مزاد لسندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات يوم الأربعاء، حيث ستحاول وزارة الخزانة الأمريكية بيع 39 مليار دولار من السندات. تأتي هذه العملية بعد مزاد لسند الخزانة لأجل ثلاث سنوات يوم الثلاثاء الذي شهد ضعف الطلب، مما يزيد من المخاوف بشأن استمرار التوجهات السلبية في سوق السندات.
وأضاف ديفيد زيرفوس، كبير استراتيجي السوق في Jefferies، أنه إذا تمكنت الدول من استخدام مخزونها من الأصول المالية الأمريكية، فإنها قد تخلق بعض المشاكل. وهذا يعني أنه إذا نجحت إدارة ترامب في تقليص العجز التجاري الأمريكي، فإن الدول قد تمتلك عددا أقل من سندات الخزانة، مما قد يخلق ضغوطا على سعر الدولار.
رد فعل البيت الأبيض وموقف الاحتياطي الفيدرالي
مع ارتفاع العوائد، تواجه إدارة ترامب والاحتياطي الفيدرالي مشكلات متعددة. كان من الممكن أن يشعر البيت الأبيض بالارتياح مؤقتاً من انخفاض أسعار الفائدة والرهون العقارية كنتيجة لتطبيق الرسوم الجمركية، لكن الارتفاع في الأسعار عقب ذلك فاجأ السوق. كتب إد يارديني من Yardeni Research: “كانت إدارة ترامب تتفاخر بانخفاض عوائد السندات وأسعار الرهون العقارية، لكن عائد السند لأجل 10 سنوات في ارتفاع الآن.” وأضاف أن المستثمرين في السندات قد بدأوا يشعرون بالقلق بشأن احتمال قيام البلدان الأجنبية ببيع سنداتها الأمريكية.
وفي هذا السياق، قد يتردد الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة الرسمية، التي تتراوح حاليا بين 4.25% و4.50%، إذا أدت الرسوم الجمركية العالمية إلى ارتفاع معدلات التضخم. إلا أن الاحتياطي قد يضطر إلى التخفيف إذا استمرت العوائد في الارتفاع وتفاقمت مخاوف الركود.
وعلى الرغم من أن خفض أسعار الفائدة يؤثر بشكل رئيسي على الأسعار قصيرة الأجل، إلا أنه قد يؤدي إلى ارتفاع أكبر في العوائد طويلة الأجل وفقا لتوقعات السوق بأن سياسة تساهلية قد تؤدي إلى تفاقم التضخم على المدى الطويل.
اقرأ أيضا…