تباين مؤشر الدولار الأمريكي وسط حالة عدم اليقين

يتداول مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، الذي يتتبع أداء الدولار مقابل ست عملات رئيسية، عند حوالي 103.00 نقطة يوم الثلاثاء.
جاءت هذه الحركة بعد تصريحات مسؤولة مثل سكوت بيسينت، ما أدى إلى تذبذب قيمة الدولار في ظل استمرار توتر الأسواق.
وعلى مدى الأيام الماضية، ساهم الشعور العام بتفضيل ملاذات آمنة في انخفاض قيمة الدولار بشكل كبير، لكن صدور بيانات الوظائف غير الزراعية القوية يوم الجمعة دفع المؤشر للارتداد جزئيا.
السؤال الأساسي الآن هو ما إذا كان بإمكان المؤشر الحفاظ على هذا الانتعاش مع صدور المزيد من البيانات الاقتصادية الأمريكية.
التحركات الأخيرة لمؤشر الدولار وتأثير بيانات الوظائف
قبل صدور البيانات الاقتصادية الأخيرة، كان مؤشر الدولار قد تراجع بسبب توجه المستثمرين نحو الأصول الآمنة، مما أدى إلى انخفاض كبير في قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية. لكن بيانات الوظائف القوية التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة،
والتي أظهرت أداء متميزًا في قطاع التوظيف، ساهمت في عكس هذا الاتجاه جزئيا، مما رفع قيمة المؤشر مجددا إلى حوالي 103.00 نقطة.
يبقى التحدي الآن في معرفة ما إذا كانت هذه الانتعاشات في قيمة الدولار ستستمر مع صدور المزيد من البيانات الاقتصادية الأمريكية. فالمستثمرون يتطلعون لمعرفة إذا ما كانت النتائج القادمة ستعزز ثقة السوق في الاقتصاد الأمريكي أو ستعيد التأكيد على المخاوف من الركود في ظل النزاعات التجارية المستمرة.
المزايدة على سندات الخزانة ومناقشات الاحتياطي الفيدرالي
من المقرر أيضًا صدور مزايدة على سندات الخزانة الأمريكية لمدة ثلاث سنوات، يليها نقاش يشارك فيه مديرة البنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري سي. ديلي، مع برجيت سي. مادريان، عميدة كلية ماريوت للأعمال بجامعة بريجهام يونج.
ستوفر هذه المناسبات مزيدًا من الرؤية حول توجهات الاحتياطي الفيدرالي والتوقعات بشأن السياسة النقدية المستقبلية.
ويترقب المستثمرون بفارغ الصبر ما إذا كان الفيدرالي الأمريكي سيواصل إشارة موقف متحفظ بشأن تخفيض أسعار الفائدة أو أن تظهر مؤشرات تدفع نحو تخفيف السياسة النقدية بشكل أكثر جراءة.
ووفقا لأدوات السوق مثل CME FedWatch، فإن احتمالات تخفيض أسعار الفائدة في مايو قد انخفضت إلى 28.6%، في حين ارتفعت توقعات تخفيض الأسعار في يونيو إلى 94.5% مع فرصة ضئيلة لعدم حدوث تخفيض على الإطلاق.
تأثير تراجع الدولار على العملات الآمنة
على الرغم من تقلبات الدولار، شهدت بعض العملات التي تعتبر ملاذات آمنة – مثل الين الياباني والفرنك السويسري – ارتفاعا ملحوظا.
فقد خسر الدولار 0.6% مقابل الين الياباني ليصل إلى 146.95 ين، وهو أدنى مستوى له في ستة أشهر، كما انخفض بنسبة 0.7% مقابل الفرنك السويسري. أدى ذلك إلى انخفاض المؤشر العام للدولار بنسبة 0.3% ليصل إلى حوالي 103.12 نقطة.
في المقابل، حقق اليورو مكاسب طفيفة؛ إذ ارتفع بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.0936 دولار، بعد تراجع دام يومين. كما شهد الجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي انتعاشا طفيفا، مما يعكس تحسنا عاما في معنويات السوق وسط آمال بحدوث مفاوضات بشأن تخفيض الرسوم الجمركية.
ردود فعل أسواق الأسهم وتراجعاتها
شهدت أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا انتعاشا جزئيا مع تراجع مشاعر الخوف، حيث ساعدت المؤشرات في اليابان وأوروبا على تحقيق مكاسب تجاوزت 3% على بعض المؤشرات الرئيسية.
هذا الانتعاش في الأسهم يدعم بشكل غير مباشر القوة الشرائية للعملات المحلية ويعزز الروح الاستثمارية، مما يخفف من حدة الطلب على الدولار كملاذ آمن.
لكن مع ذلك، يبقى التوتر التجاري بين الولايات المتحدة وشركائها، خاصة مع الصين، أحد العوامل التي تسيطر على المزاج العام في الأسواق، مما يحفز المستثمرين على نقل أموالهم نحو الأصول الآمنة ويشكل ضغطا إضافيا على الدولار.
التطورات في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين
وتظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين محور الاهتمام. فقد استمرت إدارة ترامب في فرض رسوم جمركية على الواردات، بينما ردت الصين بفرض رسوم إضافية على السلع الأمريكية بنسبة 34%، معتبرة تلك الإجراءات “ابتزازًا”.
وأكد سكوت بيسينت، من وزارة الخزانة الأمريكية، أملًا في أن تؤدي المفاوضات الجارية إلى تخفيض بعض هذه الرسوم الجمركية، الأمر الذي دفع بعض المستثمرين إلى توقع تحسن في الوضع، ولو بشكل محدود.
وفي سياق متصل، عرضت المفوضية الأوروبية صفقة جمركية “صفر مقابل صفر” رغم أنها تخطط في نفس الوقت لفرض رسوم مضادة بنسبة 25% على بعض السلع الأمريكية مثل الصلب والألمنيوم.
وأظهرت تلك الإجراءات أن النزاع التجاري لا يقتصر على الولايات المتحدة والصين فحسب، بل يمتد إلى عدة دول ومناطق في العالم، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية العالمية.
وأفاد سكوت بيسينت أن حوالي 70 دولة تواصلت مع الولايات المتحدة لبدء مفاوضات بشأن الرسوم الجمركية، وأن الرئيس ترامب سيشارك شخصيً في هذه المحادثات.
ومن المتوقع أن تحصل الدول التي لم تشن هجمات تجارية على أولوية في تلك المفاوضات، مما يفتح الأبواب لأمل بتخفيف حدة النزاع التجاري على المدى الطويل، رغم أن الصين لا تزال تتخذ موقفًا متشددًا وترفض التخفيض في مستويات رسومها الجمركية.
النظرة المستقبلية: البيانات الاقتصادية والسياسات النقدية
تشكل البيانات الاقتصادية القادمة، مثل مؤشر تفاؤل الأعمال الذي تصدره الرابطة الوطنية للأعمال المستقلة (NFIB)، مؤشرا رئيسيا على نشاط الشركات الصغيرة والتي تعد بدورها مؤشرا مبكرا على الحالة الاقتصادية العامة.
فإذا جاءت بيانات مؤشر تفاؤل الأعمال أقل من المتوقع، فإن ذلك قد يؤكد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي ويؤثر سلبا على الطلب على الدولار.
بالإضافة إلى ذلك، ستصدر مزايدة سندات الخزانة الأمريكية لمدة ثلاث سنوات، ويتوقع أن توفر مناقشات الاحتياطي الفيدرالي المزيد من المؤشرات حول توجهات السياسة النقدية المستقبلية.
وتزداد أهمية هذه الأحداث في ظل توقعات المستثمرين بتغييرات محتملة في أسعار الفائدة، خاصة في ظل تصاعد مخاوف الركود.
وتشير توقعات السوق إلى عدم اليقين فيما يتعلق بتوجهات البنك الاحتياطي الفيدرالي، إذ يبدو أن المسؤولين يميلون إلى البقاء حذرين حتى تتضح مؤشرات النمو الاقتصادي والتضخم بشكل أكبر.
وبناء على ذلك، يتوقع أن يتم إجراء تخفيضات مدروسة في أسعار الفائدة فقط إذا بدت البيانات الاقتصادية أنها تستدعي ذلك، مما يبقي المستثمرين في حالة ترقب مستمر.
الحالة الراهنة للسوق وتحديات مستقبلية
تظل مسألة استمرار التعافي في الدولار الأمريكي مسألة مفتوحة، إذ يتأرجح السوق بين بيانات الوظائف الإيجابية والمخاوف المتزايدة من النزاعات التجارية التي قد تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي محتمل. وبينما شهد المؤشر انتعاشا عقب صدور بيانات الوظائف القوية، تبقى المخاوف من نتيجة التوتر التجاري—وخاصة النزاع الدائر بين الولايات المتحدة والصين—عاملًا مؤثرًا يدفع المستثمرين إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تحركات العملات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري تُظهر استمرار توجه المستثمرين نحو التحوط في أوقات عدم اليقين. كما أن التطورات التي تحدث في أوروبا ومفاوضات الرسوم الجمركية مع الدول المختلفة قد تؤثر بشكل مباشر على مسار الدولار والأسواق المالية العالمية.
وفي الختام، يعتمد مستقبل الدولار الأمريكي بشكل كبير على التوازن بين المبادرات الاقتصادية الإيجابية والضغوط الناتجة عن النزاعات التجارية والسياسات النقدية المتغيرة. يجب على المستثمرين مراقبة التقارير الاقتصادية القادمة بعناية والاستعداد لتحركات محتملة في الأسواق، إذ إن التغيرات في هذه المؤشرات قد تقود إلى تقلبات متواصلة في قيمة الدولار والأسواق العالمية خلال الأسابيع القادمة.
اقرأ أيضا….