الأسهم الأمريكية تواصل الهبوط لليوم الثالث على التوالي

شهدت أسواق الأسهم الأمريكية تراجعا حادا يوم الاثنين مع استمرار تأثير الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب، حيث انخفض مؤشر داو جونز الصناعي لأكثر من 300 نقطة في جلسة التداول الأخيرة، مما يعكس حالة من التقلبات الكبيرة في الأسواق وتأثرها بقرارات السياسة التجارية.
في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل أبرز الأحداث والتداعيات الاقتصادية التي تلت هذا الانخفاض، مع تسليط الضوء على ردود فعل المستثمرين والآثار المستقبلية المحتملة على النظام المالي العالمي.
انخفاض مؤشر داو جونز وحجم التداول القياسي
شهد مؤشر داو جونس الصناعي تراجعا ملحوظا يوم الاثنين بعد يومين متتالين من الضغوط الناجمة عن تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة. إذ انخفض المؤشر بمقدار 349.26 نقطة، أو بنسبة 0.91%، ليغلق عند 37,965.60 نقطة.
ويذكر أن المؤشر شهد خلال نفس الجلسة انخفاضا تجاوز 1,700 نقطة في وقت من الأوقات، ثم شهد تقلبات قياسية حيث تفاوت من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى بفارق بلغ 2,595 نقطة، وهو أعلى معدل تقلب يومي سجله المؤشر في تاريخه.
كما بلغ حجم التداول 29 مليار سهم، وهو رقم قياسي لم يشهده السوق منذ 18 عاما، متجاوزا أحجام التداول السابقة التي كانت تبلغ 26.77 مليار سهم يوم الجمعة ومتوسط حجم التداول لعشرة أيام بلغ 16.94 مليار سهم.
وتظهر هذه الأرقام مدى شدة التقلبات والقلق الذي ساد الأسواق نتيجة للسياسات التجارية الجديدة والتهديدات المتصاعدة من إدارة ترامب، ما جعل المستثمرين يتجهون نحو التحوط والخروج من مراكزهم في الأسهم لتأمين رؤوس أموالهم.
تأثير الرسوم الجمركية والتهديدات الأمريكية
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار تطبيق الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس ترامب، والذي هدد بتطبيق معدلات أعلى على الصين إذا لم تتراجع عن ممارساتها التجارية.
ففي حديثه على منصة “تراث سول” وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن ترامب أنه إذا لم يسحب الصين زيادتها بنسبة 34% على الرسوم الجمركية خلال فترة محددة، فسيتم فرض رسوم إضافية بنسبة 50% ابتداءً من 9 أبريل، مما أدى إلى زيادة حالة التوتر وعدم اليقين في الأسواق العالمية.
هذه التهديدات، التي تم نقلها وتضخيمها عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم ملايين المتابعين، أدت إلى حالة من الذعر بين المستثمرين. فقد صرح بعض كبار المستثمرين، مثل بيل آكمون، بأن هذه السياسات لم تكن ما صوت له الناخبون، وأنها قد تؤدي إلى “شتاء اقتصادي نووي” إذا استمرت إدارة ترامب في المسار الحالي دون إعادة النظر في السياسات الجمركية.
تأثير الرسوم على الأسهم الرئيسية ومؤشرات السوق
تأثرت أسواق الأسهم بشكل كبير بهذه التطورات، فقد سجل مؤشر S&P 500 انخفاضا بنسبة 0.23% ليغلق عند 5,062.25 نقطة، في حين انخفض مؤشر ناسداك المركب بشكل طفيف بنسبة 0.10% ليصل إلى 15,603.26 نقطة، رغم أن مؤشرات الأسهم الرئيسية شهدت تقلبات حادة خلال الجلسة.
وقد دخل مؤشر S&P 500 في منطقة السوق الهبوطية خلال فترة التداول، حيث بلغ انخفاضه 4.7% عند أدنى مستوياته، رغم أن المؤشر خرج من تلك المنطقة بارتفاع طفيف، إلا أنه لا يزال منخفضا بنسبة تقارب 18% عن أعلى مستوى سجله مؤخرا.
كما تأثرت أسهم الشركات العملاقة مثل شركة أبل، التي انخفضت أسهمها بنسبة 3.7% بعد تهديد ترامب بتطبيق رسوم إضافية على الواردات من الصين، مما أدى إلى خسارة إجمالية تقدر بنحو 640 مليار دولار في القيمة السوقية خلال الأيام الثلاثة الماضية. وشهدت شركات أخرى في قطاعات التكنولوجيا والصناعات الثقيلة تراجعا ملحوظا، مما يعكس مدى تعرض هذه الشركات للتقلبات في ظل السياسات التجارية الحالية.
ردود فعل المستثمرين وتحذيرات من ارتفاع التقلبات
أدى الضغط الناتج عن الرسوم الجمركية والتهديدات التجارية إلى حالة من حالة الذعر بين المستثمرين، حيث بدأت مكالمات الهامش تنفذ على نطاق واسع.
فقد شهد مؤشر التقلبات (CBOE Volatility Index) ارتفاعا إلى مستويات تجاوزت 60، وهو مستوى نادر يشير إلى حالة من الخوف الشديد في الأسواق.
وأوضح الخبراء أن هذا الارتفاع قد يؤدي إلى زيادة طلب المستثمرين على الأصول الآمنة، مثل السندات الحكومية، والتي شهدت عوائدها انخفاضا أدنى من 4%.
وأشار كريس روبكي، كبير الاقتصاديين في FWDBONDS، إلى أن المستثمرين يواجهون حالات تداول عشوائية، مما يفاقم من حالة التوتر في السوق ويجعل تحركات الأسعار أكثر تقلبا.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك محاولات قصيرة المدى للانتعاش في السوق، حيث شهدت فترة من الارتفاع المؤقت التي أدت إلى دخول مؤشر داو جونس في المنطقة الإيجابية، لكن هذه الارتفاعات لم تستمر بسبب انتشار الشائعات عن احتمال توقف الرسوم الجمركية، والتي تبين لاحقا أنها غير صحيحة.
موقف البيت الأبيض والرد الصيني
على الرغم من حالة الذعر التي اجتاحت الأسواق، ظل البيت الأبيض متحفظا ومصمما على الاستمرار في تطبيق الرسوم الجمركية، حيث أكد المسؤولون أن الأسعار الجمركية الجديدة ستبدأ سريانها في 9 أبريل كما هو مقرر.
وفي نفس السياق، ردت الصين على هذه السياسات بفرض رسوم انتقامية إضافية على الواردات الأمريكية بنسبة 34%، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أخرى مثل تقييد صادرات بعض المعادن النادرة. هذا التصعيد الثنائي بين أكبر اقتصادين في العالم زاد من حدة المخاوف بشأن تصاعد حرب تجارية شاملة قد تؤثر على الاقتصاد العالمي وتضعف ثقة المستثمرين.
وأكد بعض المسؤولين أن ما نشهده في الأسواق هو انعكاس مباشر للتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، وأنه إذا استمرت هذه السياسات التصعيدية، فقد نشهد تأثيرات سلبية واسعة على التجارة العالمية وسلاسل التوريد.
ارتفاع حجم التداول والتقلبات القياسية في الأسواق
كان من اللافت أن تصل أحجام التداول في الأسواق إلى مستويات قياسية، حيث بلغ إجمالي عدد الأسهم المتداولة 29 مليار سهم خلال يوم التداول الأخير.
هذا الرقم يفوق حجم التداول العادي بشكل كبير، ويعكس حالة من النشاط المفرط والقلق الذي يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مراكزهم. وقد فاق هذا الحجم التداولي أرقام الأيام السابقة، مما يشير إلى أن السوق يشهد حالة من الاضطراب لم يسبق لها مثيل منذ 18 عاما.
وقد ساهم ارتفاع حجم التداول في تسجيل أعلى معدلات التقلب داخل المؤشرات الرئيسية، خاصة مؤشر داو جونز الذي سجل تقلبات داخلية قياسية، مما أثار تساؤلات حول مدى استقرار السوق وقدرته على تحمل مثل هذه التحركات الكبيرة دون وقوع أزمات مالية أعمق.
المخاوف من الركود وتأثيرها على الاقتصاد
تتزايد المخاوف من أن تؤدي السياسات التجارية الحالية إلى ركود اقتصادي عالمي. إذ يعتقد العديد من المحللين أن تطبيق الرسوم الجمركية والتهديدات التجارية من قبل إدارة ترامب قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة في ظل انكماش التجارة العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وفي ظل هذه المخاوف، توقع بنوك الاستثمار مثل جولدمان ساكس وجيه بي مورغان حدوث ركود محتمل خلال الأشهر المقبلة، مما يؤثر سلبا على الطلب على السلع والاستثمارات في قطاعات النمو الحيوية.
وفي هذا السياق، تتخذ الشركات إجراءات تحوطية لتقليل تعرضها للمخاطر، حيث بدأت تراجع في خطط إصدار السندات الجديدة بسبب التقلبات الشديدة في الأسواق.
وقد أدى ذلك إلى توسيع الفوارق الائتمانية إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، مما يزيد من تكلفة الاقتراض ويضع ضغوطا إضافية على الشركات.
تأثير الرسوم الجمركية على ثقة المستثمرين
يعد انخفاض ثقة المستثمرين أحد أهم النتائج السلبية لتطبيق الرسوم الجمركية والتهديدات التجارية. فقد أثرت هذه السياسات على معنويات المستثمرين في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى زيادة حالات البيع الجماعي وتراجع أسعار الأسهم بشكل كبير.
وأشار بعض المحللين إلى أن هذه الحالة قد تؤدي إلى حدوث تأثير سلبي مضاعف، حيث تستدعي مراكز الهامش عمليات بيع إضافية لتغطية الخسائر، مما يزيد من ضغط البيع ويعمق الانخفاضات في المؤشرات.
وأضاف الخبراء أن غياب رؤية واضحة حول مستقبل السياسات التجارية يجعل المستثمرين في حالة ترقب دائم، حيث يصعب تقييم المخاطر واتخاذ القرارات الاستثمارية بثقة.
وفي ظل هذا الغموض، يلجأ المستثمرون إلى تحويل استثماراتهم نحو الأصول الآمنة، مثل السندات والعملات التي تتمتع بسمعة جيدة في أوقات الاضطراب.
تحديات وتوقعات مستقبلية للسوق
من المتوقع أن تستمر حالة عدم اليقين في الأسواق خلال الفترة المقبلة إذا لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف التوترات التجارية.
ويرى بعض المحللين أن أي تحول إيجابي في نبرة السياسة التجارية الأمريكية، أو بدء مفاوضات جدية مع الشركاء التجاريين، قد يساعد على استعادة الثقة وتخفيف حالة الذعر التي تسود الأسواق.
ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يشير إلى أن الآثار السلبية للتوترات التجارية ستستمر في الضغط على مؤشرات الأسهم وتوسيع الفوارق الائتمانية.
كما أن استمرار زيادة حجم التداول والتقلبات الكبيرة في السوق قد يؤثر على الاستقرار المالي على المدى القصير، مما يستدعي متابعة دقيقة من قبل الجهات التنظيمية والمستثمرين على حد سواء.
ويجب على الشركات والحكومات العمل على تطوير استراتيجيات للتعامل مع هذه التقلبات وضمان حماية النظام المالي من المخاطر الناتجة عن استمرار الاضطرابات.
اقرأ أيضا….