انخفاض الدولار أمام المخاوف من تعريفات ترامب وتأثيرها على النظام التجاري العالمي

شهد الدولار الأمريكي انخفاضا مقابل العملات الرئيسية مثل اليورو والين والجنيه الإسترليني يوم الأربعاء، وذلك وسط حالة من الترقب الشديد لدى المتداولين لانتظار تفاصيل خطط الرئيس دونالد ترامب بشأن تطبيق تعريفات جمركية جديدة.
ويأتي هذا التراجع في ظل مخاوف متزايدة من أن تؤدي هذه السياسات إلى تقويض النظام التجاري العالمي وتسبب اضطرابات في الأسواق المالية.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه المستثمرون الإعلان الرسمي عن التعريفات، تتأرجح أسعار العملات والأصول المالية في ظل حالة من عدم اليقين حول الآثار المحتملة لهذه السياسات.
تأثير التعريفات الجمركية على الدولار
أفاد الخبراء بأن تأثير تصريحات ترامب بشأن فرض تعريفات جمركية جديدة قد تسبب في حالة من عدم اليقين تؤثر على الدولار الأمريكي.
ففي تصريحات أدلى بها الرئيس، أعلن ترامب عن فرض تعريفات شاملة على واردات السيارات والشاحنات الخفيفة، مما أثار المخاوف من تأثير هذه الإجراءات على النمو الاقتصادي الأمريكي.
وأشارت مصادر إلى أن ترامب يروج لفكرة “يوم التحرر” في 2 أبريل، حيث من المتوقع أن تفرض تعريفات تبادلية شاملة على جميع الدول. وفي ظل هذا الإعلان، تحرك المتداولون بحذر، إذ قال محلل السوق هيلين جفن، مديرة التداول في Monex USA، “بدأ الدولار ‘يوم التحرر’ بشكل ضعيف، ومن المحتمل أن يتوقع السوق تراجعًا آخر إذا ما ظهرت مؤشرات على تخفيف التعريفات في اللحظات الأخيرة.”
وبالرغم من هذه المخاوف، ظل الدولار متماسكا نسبيا في بعض أزواج العملات الأخرى، إذ ارتفع مقابل الدولار الكندي والبيزو المكسيكي، بينما شهد انخفاضًا مقابل اليورو والجنيه الإسترليني.
تحركات العملات الأجنبية
على صعيد العملات، سجل زوج اليورو دولار تذبذبا طفيفا، حيث وصل اليورو إلى 1.0825 دولار مقابل الدولار، بارتفاع نسبته 0.3%.
كما تحرك الجنيه الإسترليني بمعدل زيادة طفيفة ليصل إلى 1.2940 دولار، وذلك في وقت يسبق الإعلان المرتقب في حديقة الورود بالبيت الأبيض يوم الأربعاء، والذي من المتوقع أن يشهد تطبيق تعريفات جديدة قد تكون صارمة على واردات الولايات المتحدة.
في المقابل، ظل الدولار متماسكا إلى حد كبير مقابل الين الياباني، إذ بقي مستوى الدولار مقابل الين دون تغيير تقريبا عند حوالي 149.53، فيما ظل المستثمرون يتحولون نحو العملة اليابانية الملاذ الآمن وسط حالة من التقلبات في الأسواق.
تأثير البيانات الاقتصادية ومؤشرات السوق
على خلفية التوترات التجارية، ظهرت بيانات اقتصادية أمريكية أثرت على توقعات المستثمرين، فقد أظهرت بيانات ADP أن الربع الأخير شهد زيادة في التوظيف خاصة في القطاع الخاص، مما أعطى بعض الثقة في استقرار سوق العمل رغم المخاوف المتعلقة بالسياسات الجمركية.
كما جاءت بعض البيانات الاقتصادية الأخرى من معهد إدارة التوريدات (ISM) لتشير إلى تباطؤ في نشاط التصنيع، مما يعكس حالة من القلق بشأن النمو الاقتصادي.
ورغم أن بعض هذه البيانات جاءت إيجابية من حيث استقرار بعض مؤشرات الاقتصاد، فإن تأثير التعريفات الجمركية وعدم اليقين بشأن السياسات التجارية ظل له تأثير سلبي على ثقة المستثمرين في السوق المالية، مما دفعهم إلى الانتظار لمزيد من الإيضاحات قبل اتخاذ قرارات جذرية.
تصريحات وتعليقات المسؤولين
صرح بعض المحللين بأن حالة عدم اليقين الحالية قد تؤدي إلى تذبذب أكبر في أسعار الدولار. فقد أعرب مارك تشاندلر، رئيس استراتيجي السوق في Bannockburn Global Forex، عن قلقه من تأثير عدم اليقين المتزايد على استقرار الدولار، مشيرًا إلى أن “عدم اليقين والتغطية السرية للتفاصيل يجعل المستثمرين في حالة من الانتظار والترقب، مما يؤدي إلى تراجع مؤقت في قيمة الدولار.”
وأضاف ديريك هالبيني، رئيس أبحاث MUFG، أن فرض تعريفات شاملة بنسبة 20%-25% على واردات الولايات المتحدة من معظم الدول سيكون الأكثر عدوانية، وقد يؤدي ذلك إلى رد فعل سلبي كبير في الأسواق المالية، في حين يشير البعض إلى احتمال استثناء بعض الدول مثل بريطانيا من تلك التعريفات لتخفيف وطأة الأثر على الاقتصاد العالمي.
تأثير السياسات التجارية على الأسواق العالمية
في ظل استمرار التوترات التجارية، تتأثر الأسواق العالمية بشكل ملحوظ، حيث يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤا متزايدا في النمو نتيجة لتطبيق سياسات تعريفات جمركية قد تفاقم من حالة عدم اليقين التجاري.
وقد أثرت هذه السياسات في تقليل ثقة المستثمرين في الأسواق المالية، مما أدى إلى تراجع قيمة الدولار مقابل بعض العملات الرئيسية مثل اليورو والجنيه الإسترليني.
ومن جهة أخرى، أدت تحركات السوق إلى تراجع بعض الأصول الآمنة مثل الذهب، على الرغم من أن الذهب ما زال يحتفظ بمكانته كملاذ آمن في ظل ارتفاع المخاوف الاقتصادية والجيوسياسية.
التوقعات المستقبلية وتأثير البيانات القادمة
أظهرت بيانات ADP أن الشركات الأمريكية أضافت 155,000 وظيفة جديدة في مارس، متجاوزة بذلك معظم توقعات الاقتصاديين، مما يشير إلى انتعاش ملحوظ في سوق العمل بعد ضعف شهر فبراير الذي تأثر بعوامل عدة منها الأحوال الجوية القاسية في بعض المناطق.
وتعد هذه الأرقام بمثابة مؤشر إيجابي على تماسك الطلب على العمالة في ظل بيئة اقتصادية متقلبة، كما أنها تأتي في إطار بيانات أخرى تشير إلى ثبات معدلات تسريحات العمال وانخفاض معدلات البطالة، مما يعكس قوة سوق العمل الخاص في الولايات المتحدة.
واستند تقرير ADP، الذي تم إعداده بالتعاون مع مختبر الاقتصاد الرقمي بجامعة ستانفورد، إلى بيانات تغطي أكثر من 25 مليون موظف في القطاع الخاص الأمريكي.
وأظهر التقرير أن الزيادة في الوظائف جاءت مدفوعة بقطاعات عدة، أبرزها الخدمات المهنية والأعمال، والأنشطة المالية، والتصنيع، وفي قطاع التصنيع، سجلت الإضافات الوظيفية أعلى معدل منذ أكتوبر 2022، مما يدل على تحسن ملحوظ في هذا القطاع الحيوي الذي تأثر سابقًا بظروف السوق الصعبة.
تأتي هذه الزيادة في فرص العمل في ظل بيئة اقتصادية تشهد تباطؤا تدريجيا في بعض مؤشرات النمو، ولكنها تظهر أيضا أن الشركات الخاصة ما زالت تسعى لتلبية الطلب المتزايد على منتجاتها وخدماتها رغم التحديات القائمة.
ويعتبر هذا النمو في التوظيف مؤشرا على استمرار الطلب على العمالة، وهو ما يسهم في دعم الاقتصاد الأمريكي على المدى المتوسط، خاصة في ظل تراجع بيانات التسريحات وإثبات استقرار سوق العمل.
أيضل يتجه المستثمرون إلى متابعة مجموعة من البيانات الاقتصادية الهامة التي ستصدر خلال الأيام القادمة، مثل وبيانات الإنفاق الشخصي، وتقرير الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى مؤشر الأسعار الأساسية (PCE) الذي يعتمد عليه من قبل الاحتياطي الفيدرالي لتقييم التضخم.
وستكون هذه البيانات ذات أهمية كبيرة في تحديد مسار السياسات النقدية في المستقبل، خاصةً إذا ما أثبتت أنها تُشير إلى تباطؤ ملحوظ في النمو الاقتصادي، كما أن الإعلان المرتقب في البيت الأبيض عن التعريفات الجمركية يوم الأربعاء سيعد بمثابة عامل رئيسي ستتحدد بناء عليه توقعات المستثمرين، حيث أن أي تفاصيل إضافية حول حجم ونطاق التعريفات قد تحدث تغييرات كبيرة في مواقف المتداولين في الأسواق المالية.
تأثير مخاوف التضخم والتوترات التجارية على الدولار
تبقى مخاوف التضخم والتوترات التجارية من أهم العوامل التي تؤثر على قيمة الدولار الأمريكي. ففي ظل تصريحات ترامب حول فرض تعريفات جديدة على واردات السيارات وتهديداته بتطبيق تعريفات ثانوية على النفط الروسي، يظل المستثمرون مترددين بشأن الاتجاه المستقبلي للاقتصاد الأمريكي.
وفي هذا السياق، تشير بعض البيانات إلى أن تأثير هذه السياسات قد يؤدي إلى تراجع في النمو الاقتصادي، مما يدعم الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب، في حين يظل الدولار عرضة للتذبذب بناءً على تطورات البيانات الاقتصادية والسياسية.
اقرأ أيضا…