ارتفاع أسعار النفط في ظل مخاوف العرض والتوترات الدولية

تشهد أسواق النفط حالة من التعافي المؤقت بعد فترة من التراجع، حيث يبدو أن الأسعار متجهة نحو تحقيق مكاسب أسبوعية متتالية.
وجاء هذا الانتعاش في ظل ضغوط متزايدة على العرض نتيجةً للإجراءات الجديدة التي اتخذتها الولايات المتحدة بشأن إيران، إلى جانب خطة مجموعة أوبك+ لتعويض الإنتاج الزائد عن الحصص المتفق عليها.
ورغم أن الأسعار انخفضت قليلا يوم الجمعة، إلا أن المؤشرات على المدى الأسبوعي تشير إلى ارتفاع قد يصل إلى أكثر من 1.5% لخام برنت و1% لخام غرب تكساس الأمريكي، وهو ما يمثل أكبر مكاسب أسبوعية منذ بداية العام.
تأثير العقوبات الأمريكية على إيران
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الخميس عن مجموعة جديدة من العقوبات المتعلقة بإيران، وقد استهدفت هذه العقوبات لأول مرة مصفاة صينية مستقلة إلى جانب كيانات وسفن تشارك في توريد النفط الإيراني إلى الصين.
وجاءت هذه الإجراءات في إطار الجولة الرابعة من العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية منذ أن وعد الرئيس ترامب بـ “الضغط الأقصى” على طهران في فبراير الماضي، بهدف تقليل صادرات النفط الإيراني إلى الصفر.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه العقوبات إلى انخفاض صادرات النفط الإيراني بمعدل حوالي مليون برميل يوميا، وفقا لتوقعات محللين في بنك ANZ. وقدرت خدمة تتبع السفن Kpler أن صادرات النفط الإيراني كانت تتجاوز 1.8 مليون برميل يوميا في فبراير، مما يؤكد أن تأثير العقوبات سيخلق ضغطا إضافيا على العرض العالمي للنفط.
خطة أوبك+ لتعديل مستويات الإنتاج
في الوقت ذاته، أعلنت مجموعة أوبك+ عن خطة جديدة لبعض أعضائها تهدف إلى تقليص العرض لتعويض الإنتاج الزائد، وحددت خطة جديدة لسبعة أعضاء لخفض الإنتاج بشكل شهري يتراوح بين 189,000 و435,000 برميل يوميا حتى يونيو 2026، في محاولة لتخفيف الفائض الذي نتج عن تجاوز الإنتاج الحصص المتفق عليها.
وفي خطوة مفاجئة، أكدت المجموعة هذا الشهر أن ثمانية من أعضائها سيقومون بزيادة إنتاجهم الشهري بمقدار 138,000 برميل يوميا اعتبارا من أبريل، مما يمثل انعكاسا لإجراءات خفض الإنتاج التي تمت منذ عام 2022 والتي وصلت إلى حوالي 5.85 مليون برميل يوميا.
ورغم ذلك، أشار محللو بنك ING إلى أن هذا التعديل لا يعني بالضرورة التزام جميع أعضاء المجموعة به، حيث تستمر بعض الدول في إنتاج كميات تزيد عن الحصص المستهدفة.
تأثير التوترات الجيوسياسية والاقتصادية
يأتي دعم أسعار النفط أيضا من التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على الأسواق العالمية، فقد زادت المخاوف من تأثير النزاعات في الشرق الأوسط، إلى جانب تصاعد حدة السياسات الحمائية التي يتبعها الرئيس ترامب، من احتمال حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد النفطية.
في هذا السياق، لعبت الإجراءات الأمريكية دورا مهما في رفع توقعات المستثمرين بتقليل المخاطر العرضية، مما زاد من حدة الضغوط على العرض العالمي للنفط. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تؤدي الأوضاع المتوترة إلى تحفيز بعض اللاعبين الرئيسيين في السوق على إعادة توزيع الإنتاج من أجل الحصول على أسعار أفضل.
تأثير نمو الإنتاج المحلي ومنافذ الإمداد
على الجانب الآخر، يظهر سوق النفط أيضًا مؤشرات على زيادة الإنتاج المحلي في بعض الدول المنتجة. فقد سجلت كازاخستان مستويات قياسية في الإنتاج خلال شهر مارس نتيجة لتوسعات في حقول النفط المحلية، مما زاد من مستويات الإنتاج لتتجاوز الحصص المتفق عليها مع أوبك+.
هذا التزايد في الإنتاج المحلي يشكل تحديا إضافيًا لمبادرات خفض الإنتاج العالمية، حيث يمكن أن يفاقم الفائض في العرض إذا لم يترافق مع زيادة ملحوظة في الطلب العالمي.
في النهاية يجمع مشهد النفط الحالي بين عدة عوامل متداخلة تؤثر على الأسعار. فمن جهة، تشكل العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، إلى جانب إجراءات مجموعة أوبك+ لتعديل مستويات الإنتاج، دافعا قويا نحو تقليص العرض وتحقيق مكاسب سعرية على المدى القصير.
ومن جهة أخرى، يواجه السوق ضغوطا من زيادة الإنتاج المحلي في بعض الدول مثل كازاخستان، وكذلك المخاوف الناتجة عن التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية التي قد تضعف الطلب.
وفي ظل هذه البيئة المعقدة، يبقى مستقبل أسعار النفط موضوعا حساسا يعتمد على تداخل عوامل العرض والطلب وتطورات السياسات الدولية، وبينما يتابع المستثمرون بعناية التغيرات في السياسات الأمريكية والعقوبات وتطورات الإنتاج من قبل الدول المنتجة، سيكون من الضروري مراقبة البيانات القادمة لتحديد الاتجاه العام للسوق في الأشهر المقبلة.
اقرأ أيضا…