استقرار أسعار النفط وسط مخاوف اقتصادية وتوقعات قوية للطلب

شهد سوق النفط استقرارا نسبيا يوم الخميس، بعد ارتفاعات كبيرة حققتها الأسعار في الجلسة السابقة نتيجة لسحب مخزونات البنزين الأمريكية بمعدل أكبر من المتوقع.
ورغم أن الأسعار لا تزال مدعومة بتوقعات قوية للطلب على المدى القريب، فإن المخاوف بشأن تأثير الركود الاقتصادي العالمي وعدم اليقين حول السياسات التجارية تُثقل كاهل السوق.
يأتي ذلك في ظل تداخل عدة عوامل متناقضة؛ فمن جهة، تشير بيانات المخزونات الأمريكية إلى زيادة الطلب الموسمي في الربيع، بينما تثير التوترات الاقتصادية والاحترازات بشأن حروب التعريفات مخاوف من تراجع النمو الاقتصادي العالمي.
أداء أسعار النفط والمخزونات الأمريكية
ارتفعت عقود خام برنت المستقبلية بمقدار 17 سنتا لتتداول عند 71.12 دولار للبرميل وقت نشر هذا التقرير، بينما زادت عقود خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بمقدار 13 سنتا لتصل إلى 67.81 دولار للبرميل.
وجاءت هذه الارتفاعات بعد أن شهدت الجلسة السابقة ارتفاعا بنحو 2% مدعومة ببيانات حكومية أمريكية أظهرت انخفاضا أكبر من المتوقع في مخزونات البنزين؛ إذ انخفضت المخزونات بمقدار 5.7 مليون برميل مقابل توقعات بإنخفاض 1.9 مليون برميل فقط. كما سجلت مخزونات المقطرات انخفاضًا ملحوظًا، على الرغم من تسجيل بعض المكاسب في مخزونات النفط الخام.
وقال هيرويكي كيكوكاوا، كبير الاستراتيجيين في شركة نيسان للأوراق المالية، “إن تراجع مخزونات البنزين في الولايات المتحدة رفع من توقعات زيادة الطلب الموسمي في الربيع، لكن المخاوف المتعلقة بالتأثير الاقتصادي لعوائق التجارة تعيق الاتجاه الصعودي.” وأضاف: “مع تداخل عوامل القوة والضعف في السوق، أصبح من الصعب على المستثمرين اتخاذ موقف واضح تجاه اتجاه الأسعار.”
تأثير المخاوف الاقتصادية وحرب التعريفات
تشهد الأسواق حالياً حالة من الترقب الشديد بسبب تصاعد التوترات التجارية العالمية. فقد هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصعيد حرب تجارية عالمية عن طريق فرض تعريفات إضافية على سلع من الاتحاد الأوروبي، فيما أعلنت الدول الكبرى عن نيتها الرد على هذه الإجراءات بفرض تعريفات انتقامية.
ويعد هذا الوضع من العوامل التي أدت إلى حالة من الذعر في الأسواق، حيث تأثرت معنويات المستثمرين نتيجة للتقلبات المرتبطة بسياسات ترامب، التي أثرت على ثقة المستهلكين والشركات.
وأشار محللو بعض المؤسسات المالية مثل Citi إلى أن هذه السياسات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار خام برنت إلى حوالي 60 دولارا للبرميل في النصف الثاني من عام 2025، في حال تفاقمت المخاوف من الركود الاقتصادي.
كما أثرت المخاوف من انخفاض الطلب العالمي على النفط على سوق الأسهم الأمريكية، حيث أدت حالة عدم اليقين إلى تراجع أسعار الأسهم، مما أثر بدوره على معنويات المستثمرين في سوق النفط.
تأثير السياسات والطلب العالمي على العرض
على صعيد العرض، يستمر منتجو النفط في متابعة استراتيجياتهم وفقا للظروف الراهنة. فقد أعلنت مجموعة أوبك+ عن خطط لزيادة الإنتاج في أبريل، ما قد يضيف المزيد من المعروض إلى السوق إذا استمرت المخاوف من الركود الاقتصادي في تقليل الطلب.
ومع ذلك، فإن البيانات الأخيرة حول الطلب العالمي تبدو إيجابية نسبيا؛ فقد أظهرت تحليلات من قبل محللي جي بي مورجان أن الطلب العالمي على النفط بلغ 102.2 مليون برميل يوميا، بزيادة قدرها 1.7 مليون برميل يوميا مقارنة بالعام السابق، وهو ما يتجاوز التوقعات بنحو 60,000 برميل يوميا.
في الوقت نفسه، تظهر بيانات سوق النفط الأمريكية أن الإنتاج قد يشهد أرقاما قياسية هذا العام، حيث يتوقع أن يرتفع معدل الإنتاج إلى متوسط 13.61 مليون برميل يوميا، وهو ما يدعم من توازن العرض على المدى القصير.
ومع ذلك، فإن المخاوف المتعلقة بالتباطؤ الاقتصادي والتوترات التجارية تظل تؤثر على توقعات المستثمرين، مما يحد من الارتفاعات المحتملة في الأسعار.
ختاما في ظل حالة عدم اليقين المتزايدة نتيجة للمخاوف الاقتصادية وحرب التعريفات، استقر سوق النفط إلى حد ما يوم الخميس رغم وجود عوامل داعمة مثل انخفاض مخزونات البنزين الأمريكية وتوقعات زيادة الطلب الموسمي في الربيع.
ومع ذلك، فإن التوترات التجارية المتصاعدة والسياسات الحمائية التي يتبعها الرئيس ترامب تبقي السوق في حالة من الحذر، مما يحد من ارتفاع الأسعار في المدى القريب.
بينما يستمر منتجو النفط في تنفيذ استراتيجيات زيادة العرض، يظل تأثير تلك السياسات والبيانات الاقتصادية على السوق محور اهتمام المستثمرين، الذين يترقبون المزيد من التطورات من الجهات الحكومية والأخبار الاقتصادية لتحديد الاتجاه المستقبلي لأسعار النفط العالمية.
اقرأ أيضا…