استقرار أسعار النفط وسط تحديات التعريفات وزيادة العرض

شهدت أسعار النفط حالة من الاستقرار النسبي يوم الاثنين، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 1% بعد تراجعها في الجلسات السابقة، لكن مخاوف الركود الاقتصادي وعدم اليقين حول السياسات الجمركية الأمريكية وما يصاحبها من تأثيرات سلبية على النمو العالمي حدت من مكاسب الأسعار.
وتأتي هذه التحركات في ظل ارتفاع توقعات العرض من قبل منتجي أوبك+، الذين أعلنوا عن خطط لزيادة الإنتاج في أبريل، إلى جانب احتمالات فرض عقوبات إضافية على صادرات النفط الإيراني. وتستمر الضغوط الناجمة عن السياسات الحمائية التي تتبعها الولايات المتحدة في تشكيل مشهد متقلب في أسواق النفط العالمية.
تأثير السياسات التجارية الأمريكية
يعد عدم اليقين الناتج عن السياسات الجمركية الأمريكية أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على الأسعار، إذ فرضت الولايات المتحدة تعريفات جديدة على واردات السلع من كندا والمكسيك والصين.
وقد أدت هذه الإجراءات إلى خلق حالة من التخوف بين المستثمرين، لما يترتب عليها من انخفاض محتمل في الطلب العالمي على النفط نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أشار محلل شركة PVM، تاماس فارغا، إلى أن تخفيض التعريفات من جانب الولايات المتحدة قد يخفف من المخاوف المتعلقة بالتضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي، إلا أن الانخفاض الحاد الذي شهده النفط مؤخرًا يجعل من الصعب رؤية مجموعة أوبك+ وهي تفرج عن احتياطياتها من النفط اعتبارًا من أبريل دون التأثير سلبًا على الأسعار.
تأثير زيادة الإنتاج من أوبك+
أعلنت مجموعة أوبك+، التي تضم منظمة أوبك وحلفاءها مثل روسيا، عن خطة لزيادة الإنتاج بمقدار 138,000 برميل يوميا اعتبارا من أبريل.
تعد هذه الزيادة الأولى منذ عام 2022، وهي جزء من استراتيجية تدريجية تهدف إلى التراجع عن التخفيضات التي نفذتها المجموعة في السنوات السابقة، والتي بلغت نحو 6 ملايين برميل يوميا – ما يمثل حوالي 6% من الطلب العالمي على النفط.
وقد تسبب هذا الإعلان في ضغوط بيعية إضافية على الأسعار، مما أدى إلى تراجع خام غرب تكساس (WTI) إلى مستويات أدنى، في حين تظل أسعار خام برنت أقل من 70 دولار للبرميل، رغم تعافي طفيف تحقق يوم الاثنين.
تأثير التعريفات المحتملة والعقوبات على صادرات النفط
بالإضافة إلى سياسات التعريفات، تتأثر أسعار النفط أيضا بالقلق من احتمال فرض عقوبات جديدة على النفط الإيراني، فقد أُشير إلى أن إدارة الرئيس ترامب تدرس إجراءات لفحص ناقلات النفط الإيرانية في البحر، بهدف خفض صادرات إيران إلى أدنى مستوى ممكن، مما يُشكل دعمًا مؤقتًا للأسعار على الرغم من الضغوط العرضية المتزايدة.
وفي ظل هذه التطورات، تتنافس الدول المنتجة في آسيا، وبخاصة السعودية وروسيا، على تعزيز حصتها في السوق الآسيوية، حيث تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط عالميا.
وقد شهدت واردات الصين للنفط الروسي انخفاضًا إلى 969,000 برميل يوميا في فبراير، وهو أدنى مستوى يومي منذ ديسمبر 2022، نتيجة لفرض عقوبات جديدة على السفن الناقلة من قبل الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة جو بايدن.
كما تراجعت واردات النفط الروسي إلى الهند، حيث انخفضت إلى 1.43 مليون برميل يوميًا في فبراير، مقارنةً بـ1.63 مليون برميل في يناير.
آفاق الطلب والمنافسة في السوق الآسيوية
على الرغم من التراجع في واردات النفط الروسي خلال الأشهر الأولى من العام، يتوقع أن تشهد الصين والهند انتعاشا في الواردات خلال شهر مارس. فقد أظهرت البيانات أن الصين قد تستقبل حوالي 973,000 برميل يوميا في مارس، وهو رقم أعلى من مستويات فبراير، بينما يتوقع أن ترتفع واردات الهند إلى 1.92 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ يوليو من العام الماضي.
يعزى ذلك إلى جهود التجار والمصافي للتغلب على العقوبات وإيجاد طرق بديلة لتلبية الطلب، مما يُظهر مرونة السوق في التعامل مع التدابير العقابية وتحديات سلسلة التوريد.
ختاما يتجلى في المشهد الحالي لسوق النفط تداخل عدة عوامل تؤثر على الأسعار؛ فمن جهة، تُشكل السياسات التجارية الأمريكية وتعريفاتها رد فعل سلبيا على الطلب العالمي، في ظل زيادة المخاوف من الركود الاقتصادي وتباطؤ النمو؛ ومن جهة أخرى، تؤدي زيادة الإنتاج المعلنة من قبل مجموعة أوبك+ إلى ضغط إضافي على الأسعار.
وفي الوقت ذاته، تبرز احتمالات فرض عقوبات إضافية على صادرات النفط الإيراني وتأثيرها على العرض العالمي كعوامل قد تدعم الأسعار بشكل مؤقت.
ومع استمرار التحديات في السوق الدولية والتنافس على حصة السوق الآسيوية بين الدول المنتجة، يظل المستقبل الاقتصادي لسوق النفط معتمدًا على قدرة الأسواق على تحقيق توازن بين العرض والطلب في ظل بيئة اقتصادية وسياسية متقلبة.
ويبقى المستثمرون في حالة ترقب لتطورات جديدة قد تغير من مسار الأسعار خلال الأشهر المقبلة، سواء عبر تعديل السياسات الجمركية الأمريكية أو عبر استجابة الدول المنتجة للعقوبات والإجراءات البديلة التي تهدف إلى استعادة توازن السوق.
اقرأ أيضا…