استقرار أسعار النفط وسط حالة عدم يقين في الإمدادات والتوترات الجيوسياسية

تشهد أسواق النفط حالة من الاستقرار النسبي بعد تسجيل مكاسب مبكرة، حيث يسعى السوق لإيجاد توازن وسط مجموعة من العوامل المتداخلة. فقد تأثرت الأسعار بتقرير يشير إلى زيادة مخزونات النفط الأمريكية، بالإضافة إلى المخاوف بشأن تأثير المحادثات حول السلام بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات الناجمة عن السياسات التجارية والعقوبات الدولية.
تأثير بناء المخزونات الأمريكية
أفادت تقارير من معهد البترول الأمريكي بأن مخزونات النفط في الولايات المتحدة ارتفعت بمقدار 3.34 مليون برميل الأسبوع الماضي.
وقد أثر هذا التراكم على السوق إذ ضغط على الأسعار، مما أدى إلى تراجع مؤقت فيها. ففي وقت لاحق من التداول، ارتفعت أسعار خام برنت بمقدار 37 سنتًا لتصل إلى 76.41 دولارًا للبرميل، بينما ارتفعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بمقدار 23 سنتًا لتصل إلى 72.48 دولارًا للبرميل.
يُظهر هذا الوضع تردد المستثمرين في تحديد اتجاه واضح للسوق في ظل البيانات المتضاربة حول مستويات العرض والطلب.
تأثير الهجمات على البنية التحتية النفطية
تلعب المخاطر المتعلقة بالبنية التحتية النفطية دورًا هامًا في عدم اليقين الحالي، فقد تعرض خط أنابيب اتحاد البحر القزويني لهجوم بطائرة بدون طيار نفذته أوكرانيا، مما أدى إلى انخفاض تدفقات النفط بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40%.
وحسب حسابات رويترز، قد يؤدي هذا التخفيض إلى فقدان حوالي 380,000 برميل يوميا من الإمدادات العالمية، وتشكل مثل هذه الهجمات مصدر قلق دائم للمستثمرين، إذ تزيد من احتمالية وقوع اضطرابات تؤثر على تدفق النفط بشكل مفاجئ.
يترقب السوق أيضًا إمكانية استئناف تدفقات النفط من منطقة كردستان في العراق، إذ يمكن أن تضيف هذه العملية حوالي 300,000 برميل يوميا إلى العرض العالمي إذا ما تم تأكيدها.
إلا أن عدم الحصول على تأكيد من السلطات العراقية بشأن إعادة تشغيل هذه التدفقات يضيف مزيدا من عدم اليقين، وفي الوقت ذاته، تبقى توقعات منظمة أوبك+ عن تأجيل الزيادات الشهرية في الإنتاج، المقررة بدءا من أبريل، عاملاً آخر يعقد الصورة.
فبينما أشارت بعض التقارير إلى احتمال تأجيل هذه الزيادات، نفت التقارير الرسمية من قبل المسؤولين الروس أي مناقشة لهذا الأمر، مما يبقي السوق في حالة ترقب بشأن قرارات الإنتاج المستقبلية.
تأثير المخاوف التجارية والجيوسياسية
تتأثر الأسعار أيضا بالتوترات التجارية العالمية؛ فقد أعلن الرئيس ترامب مؤخرا عن نيته فرض تعريفات متبادلة على الدول التي تفرض رسوما على الواردات الأمريكية.
وتهدف هذه الإجراءات إلى تعديل ميزان التجارة العالمية، لكن المخاوف الناجمة عنها تضع ضغطا على الطلب العالمي على النفط، مما قد يحد من ارتفاع الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم المخاوف الجيوسياسية في عدم اليقين، حيث تظل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا في مراحلها الأولية، مع بقاء التوترات حول مطالب روسيا الجديدة، مثل مطالبتها بإلغاء وعد الناتو السابق بشأن عضوية أوكرانيا.
إن أي تقدم إيجابي في هذا الشأن قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات الدولية ضد النفط الروسي، مما يزيد من العرض العالمي ويضغط على الأسعار.
تأثير العوامل الفنية والبيانات الاقتصادية
من الناحية الفنية، تتأرجح أسعار النفط في نطاق ضيق بينما يترقب المستثمرون بيانات إضافية من الجهات الرسمية، فمن المتوقع صدور بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) التي ستوضح مستوى المخزونات الرسمية، وهو ما قد يؤثر على توقعات المستثمرين بشأن العرض.
كما أن بيانات الإنتاج الأمريكي المحلية، التي قد تتأثر بالأحوال الجوية الباردة في بعض الولايات مثل نورث داكوتا، تضيف عنصرا آخر من عدم اليقين حول قدرة الإنتاج على مواجهة ارتفاع الطلب العالمي، وتظهر هذه البيانات أن السوق لا تزال تحاول التوصل إلى توازن دقيق بين العوامل المتناقضة.
نظرة مستقبلية وآفاق الأسعار
تظل التوقعات المستقبلية لأسعار النفط مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتطورات الأحداث الجيوسياسية والتجارية. فإذا تم التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي بين روسيا وأوكرانيا، فإن تخفيف العقوبات قد يؤدي إلى زيادة الإمدادات العالمية بشكل مفاجئ، مما قد يضغط على الأسعار ويؤدي إلى انخفاضها.
وعلى النقيض من ذلك، فإن استمرار المخاطر المرتبطة بالهجمات على البنية التحتية وتعطل الإنتاج المحلي قد يدفع الأسعار للارتفاع. كما أن التوترات التجارية وفرض التعريفات الجمركية المحتملة ستستمر في لعب دور مهم في تشكيل مشهد السوق.
اقرأ أيضا…