هل يخاطر البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة؟
في ظل التوقعات بخفض جديد في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، تتصاعد التحذيرات من أن هذه الخطوة قد تكون محفوفة بالمخاطر.
يأتي القرار بعد مرور خمسة أسابيع فقط من آخر خفض للفائدة، وتثير هذه الخطوة العديد من التساؤلات حول تأثيرها على الاقتصاد في ظل التعافي الهش لمنطقة اليورو.
في هذا السياق، يبرز الدكتور يورغ كرامر، كبير خبراء الاقتصاد في كوميرز بنك، أربع حجج رئيسية ضد قرار الخفض، مما يفتح الباب أمام مناقشات أوسع حول المخاطر المحتملة على استقرار الاقتصاد الأوروبي.
تأثيرات غير مباشرة لانخفاض أسعار الطاقة
أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض التضخم الأساسي في منطقة اليورو هو انخفاض أسعار الطاقة، والذي كان له تأثير غير مباشر على أسعار السلع والخدمات الأخرى.
فعلى سبيل المثال، انخفاض تكاليف النقل أسهم في تخفيف الضغوط التضخمية، ما أدى إلى تراجع التضخم بشكل غير مباشر.
لكن هذا الانخفاض لا يعكس تحسناً هيكلياً في الاقتصاد، بل هو نتيجة عوامل مؤقتة. شهدنا هذا التأثير في خريف العام الماضي، حيث سجلت الأسعار تراجعاً مشابهاً، إلا أن التضخم عاد للارتفاع بمجرد تبدد هذه التأثيرات. بناءً على ذلك، قد لا يكون انخفاض التضخم الحالي إشارة حقيقية على استقرار اقتصادي دائم.
الأجور المرتفعة تشكل تهديدًا لمستقبل التضخم
من ناحية أخرى، يشير كرامر إلى أن الأجور في منطقة اليورو تشهد ارتفاعاً متسارعاً، حيث وصلت معدلات الأجور المتفق عليها إلى 4.5%.
هذا الارتفاع لا يتماشى مع هدف البنك المركزي الأوروبي للتضخم، والذي يبلغ 2% فقط. وعلى الرغم من توقعات البنك بتباطؤ النمو في الأجور، إلا أن الواقع يشير إلى أن الضغوط على الأجور لا تزال مرتفعة، مما يزيد من خطر استمرار التضخم.
ارتفاع الأجور يعزز الطلب على السلع والخدمات، مما يزيد من احتمالية ارتفاع الأسعار مرة أخرى، ويهدد بتحويل انخفاض التضخم الحالي إلى مشكلة مؤقتة بدلاً من تحول دائم.
نقص العمالة وزيادة الاستثمار
أحد التحديات الكبيرة التي تواجه سوق العمل في منطقة اليورو هو نقص العمالة، حيث تعاني نحو خمس الشركات من صعوبة العثور على العمالة المؤهلة.
إذا قرر البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة في هذا الوقت، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمار من قبل الشركات التي تسعى للاستفادة من تكاليف الاقتراض المنخفضة.
ومع ذلك، هذا الاستثمار المتزايد قد يؤدي إلى تفاقم نقص العمالة، مما يمنح الموظفين قوة أكبر للتفاوض على زيادة الأجور. وبالتالي، يمكن أن تتسبب هذه السياسات النقدية التوسعية في خلق مزيد من الضغوط التضخمية على المدى الطويل، بدلاً من الحد منها.
ضرورة الحذر بعد فترات التضخم المرتفع
بعد فترات من التضخم المرتفع، ينبغي الحذر من التخفيف المبكر للسياسات النقدية. خلال السبعينيات، شهد العالم صدمات كبيرة في أسعار النفط، وفي تلك الفترة، خفف العديد من البنوك المركزية سياساتها النقدية في وقت مبكر جداً، مما أدى إلى عودة التضخم بشكل أقوى.
الشركات والمستهلكون في منطقة اليورو لا يزالون يتذكرون صدمة التضخم الأخيرة، وتوقعاتهم للتضخم على المدى الطويل لم تعد مستقرة كما كانت قبل جائحة كورونا.
لذا، من المهم أن يلتزم البنك المركزي الأوروبي بسياسة نقدية تقييدية لفترة أطول، حتى يتمكن من معالجة التضخم بشكل فعال وضمان عدم عودته بشكل مفاجئ.
اقرأ ايضاً: