لماذا لا تزال أسعار الإيجار في الولايات المتحدة مرتفعة رغم انخفاض التضخم؟

على الرغم من انخفاض التضخم في عموم الاقتصاد الأمريكي بشكل ملحوظ منذ ذروته خلال جائحة كورونا، إلا أن ارتفاع أسعار الإيجار (التضخم في قطاع الإسكان) يظل بعناد في مستويات عالية.
يقول خبراء الاقتصاد إن الانخفاض البطيء المؤلم في أسعار الإيجار يعتبر العائق الرئيسي الذي يمنع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) من العودة إلى المستهدف الذي حدده صناعو السياسات.
وأوضح جو سيدل، كبير خبراء الاقتصاد في أسواق بنك جي بي مورجان الخاص، أن “نحن نرى ذلك على أنه العقبة الأخيرة المتبقية” قبل عودة مؤشر أسعار المستهلك إلى مستوياته الطبيعية.
تشكل الإيجارات نسبة 36% من مؤشر أسعار المستهلك، وهي النسبة الأكبر بكثير مقارنة بالفئات الأخرى مثل الغذاء والطاقة، وذلك لأنها أكبر مصروف بالنسبة لمعظم الأسر. وبالتالي، فإن تحركات أسعار الإيجار تؤثر بشكل كبير على قراءات التضخم.
وقالت جيسيكا لوتز، نائبة كبير الاقتصاديين في الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين (NAR)، أن التضخم في قطاع “الإسكان” بشكل عام هو مقياس لإيجارات المنازل في الولايات المتحدة.
لكن الطريقة التي يعتمدها مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS) لحساب هذه الأسعار تعني أن مؤشر تضخم الإسكان يتأخر عن اتجاهات سوق الإيجار الفعلي (كما هو موضح بمزيد من التفصيل أدناه).
لماذا ينخفض تضخم الإيجار في مؤشر أسعار المستهلك ببطء شديد؟
يقول خبراء الاقتصاد إن تراجع التضخم في قطاع الإيجار كان أبطأ من المتوقع.
وفقًا لبيانات مؤشر أسعار المستهلك، فقد انخفض إلى معدل سنوي قدره 5.2% في يونيو 2024 من ذروة بلغت حوالي 8% في أوائل عام 2023. ومستواه الحالي أعلى بحوالي نقطتين مئويتين عن مستواه الأساسي قبل الجائحة.
وقالت أوليفيا كروس، خبيرة اقتصاد أمريكا الشمالية في كابيتال إيكونوميكس: “لقد تحرك [الإيجار] في الاتجاه الصحيح، ولكنه يتحرك بوتيرة أبطأ بكثير مما توقعه أي شخص حقًا”.
قد يبدو هذا التباين غريباً مقارنة بالحالة الحالية لسوق الإيجار.
وفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، انخفض معدل التضخم السنوي للعقود الإيجارية الجديدة إلى 0.4% في الربع الأول من العام – وهو أقل من مستواه الأساسي قبل الجائحة – من مستويات قياسية بلغت حوالي 12% قبل عامين فقط.
ويرجع خبراء الاقتصاد السبب الرئيسي وراء البطء الجليدي للإيجارات في بيانات مؤشر أسعار المستهلك إلى كيفية قيام الحكومة الفيدرالية ببناء مؤشر التضخم في قطاع الإسكان.
تعني منهجية الحكومة أن التغييرات في قراءات مؤشر أسعار المستهلك للإيجار تتأخر مقارنة بتلك الموجودة في سوق الإيجار الحالي.
وقال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في يونيو/حزيران: “لقد اكتشفنا الآن أن هناك تأخيرات كبيرة”. وأضاف أن الأمر قد يستغرق “عدة سنوات” حتى تعكس قراءات مؤشر أسعار المستهلك للإيجار الديناميكيات الأخيرة في سوق الإيجار.
وقالت سيلما هيب، كبير الاقتصاديين في كورلوجيك: “عندما يركز مجلس الاحتياطي الفيدرالي على ما يحدث مع التضخم، فهم يدركون تمامًا هذا القلق بشأن تأخر الإيجار ويأخذونه في الاعتبار عند اتخاذ قرارات بشأن كيفية التعامل مع التضخم”.
وقال سيدل من بنك جي بي مورجان إن مؤشر التضخم في قطاع الإسكان يهدف إلى قياس متوسط تكلفة الإسكان في الاقتصاد الأمريكي. مكوناته الرئيسية هما الإيجار و “إيجار ما يعادل الملكية للمساكن”.
كيف يقوم مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS) ببناء مؤشر الإسكان
بما أن الإيجارات عادة لا تتغير شهريًا، يلجأ مكتب إحصاءات العمل الأمريكي إلى عينة من “المستطلعين المتعاقبين” من المستأجرين وأصحاب المنازل لبناء مؤشر الإسكان الخاص به في مؤشر أسعار المستهلك، وفقًا لسيدل.
يقسم مكتب الإحصاءات عينة المسح إلى ست مجموعات، ويتم إجراء مقابلات مع كل مجموعة على أساس متتابع كل ستة أشهر. على سبيل المثال، يتم إجراء مقابلات مع المنازل في المجموعة الأولى في يناير ويوليو، والمنازل في المجموعة الثانية في فبراير وأغسطس، وهكذا. بعد ذلك، يتم تجميع التغييرات في الأسعار في مؤشر الإسكان الشامل.
يقول خبراء الاقتصاد إن طبيعة تجميع البيانات بشكل متتابع تجعل المؤشر يتحرك ببطء مع تأخير زمني.
وقالت هيب من كورلوجيك: “ما نراه في بيانات مؤشر أسعار المستهلك قد حدث بالفعل خلال التسعة إلى الاثني عشر شهرًا السابقة”.
ويتوقع الخبراء أن يواصل التضخم في قطاع الإسكان الهدوء مع اقترابه من اتجاه عقود الإيجار الجديدة، وبشكل عام، مع توفر المزيد من الوحدات الإيجارية،وقالت هيب: “سنستمر في رؤية تباطؤ أو انخفاض في مكون الإيجار”.
وأضافت أن أسعار الإيجار ارتفعت خلال الجائحة لأن الطلب تجاوز العرض، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجار بشكل كبير.
وقالت لوتز: “من أحد أسباب تباطؤ نمو الإيجار هو وجود المزيد من المباني السكنية متعددة العائلات. وهذا يلبي المزيد من الطلب الذي كان كبيرًا جدًا في السابق”.
اقرأ أيضا…