السياسة النقدية وأثرها على الذهب

تم اعتبار الذهب أصلا قيما لعدة قرون فهو يقدم مجموعة واسعة من الفوائد لممتلكيه وللمستثمرين فيه، بما في ذلك عوائد ثابتة وتنويع للمحافظ المالية والسيولة العالية. ولكنه على مدى العقود تأثر بالعديد من العوامل التي ساهمت في تحركات أسعاره بشكل كبير.
سنلقي الضوء على أهم العوامل التي تساهم في تحرك أسعار الذهب من خلال سلسلة من المقالات، ونبدأ بهذا المقال الذي نناقش فيه تأثير السياسة النقدية على الذهب.
السياسة النقدية
السياسة النقدية هي التوجه العام الذي يتبعه البنك المركزي في الدولة من خلال مجموعة من الأدوات للعمل على دعم النمو الاقتصادي من خلال التحكم في المعروض النقدي المتاح في الدولة، ويتم ذلك من خلال عدد من الأدوات على رأسها سعر الفائدة.
ويكون الهدف الرئيسي من السياسة النقدية التأثير على عوامل الاقتصاد الكلية مثل معدلات التضخم ومعدلات الاستهلاك والنمو الاقتصادي بالإضافة إلى السيولة الاجمالية المتاحة في الأسواق.
وهناك أدوات يستخدمها البنك المركزي لضبط السياسة النقدية وتطويعها لخدمة أهداف الدولة وعلى رأس هذه الأدوات أسعار الفائدة، إلى جانب التحكم في سعر صرف العملة المحلية أمام غيرها من العملات العالمية، إلى جانب شراء أو بيع السندات الحكومية، وتحديد حجم السيولة النقدية التي يجب أن يحتفظ بها البنوك العاملة داخل الدولة كاحتياطي نقدي.
وتنقسم السياسة النقدية بمفهومها العام إلى نوعين ولكل نوع منهم تأثير مختلف على أسعار الذهب:
السياسة النقدية التوسعية (التيسير النقدي)
وهي السياسة التي يستخدمها البنك المركزي في حالة تباطؤ النمو الاقتصادي من أجل تحفيز الاقتصاد وزيادة المعروض النقدي في الأسواق وخفض الفائدة لتشجيع القروض والعمل على خفض القيمة الشرائية للعملة وبالتالي التقليل من سعر الصرف.
في هذه السياسة تكون الأداة الأكثر فعالية هي خفض أسعار الفائدة للقروض قصيرة الأجل للبنوك العاملة في الدولة، وبالتالي تخفض البنوك أسعار الفائدة المقدمة للمقترضين الأمر الذي يسهل ويسرع عمليات الإقراض.
يقوم البنك المركزي أيضاً بتقليل الاحتياطي الإلزامي للبنوك وهو الحد الأدنى من الاحتياطي المالي المطلوب الاحتفاظ به، الأمر الذي يزيد من السيولة النقدية المتاحة للبنوك وبالتالي للعملاء.
أيضاً يقوم البنك المركزي بزيادة تمويله للحكومة عن طريق عمليات السوق المفتوح حيث يقوم بالتوسع في عمليات شراء أذون الخزانة التي تصدرها الحكومة لتمويل العجز لديها ليصب المزيد من السيولة لدى الحكومة التي تستخدمها في التوسع في عمليات الإنفاق من أجل تحفيز الاقتصاد.
تساهم عملية شراء أذون الخزانة أيضاً في رفع أسعار أذون الخزانة وانخفاض العائد عليها (علاقة عكسية بين سعر أذون الخزانة والعائد عليها)، الأمر الذي يقلل من الطلب على أذون الخزانة وبالتالي يضمن بقاء السيولة النقدية داخل الأسواق وخارج النظام البنكي.
ينتج أيضاَ عن هذه السياسة انخفاض في القيمة الشرائية للعملة بسبب زيادة المتاح من السيولة النقدية في الأسواق، بالإضافة إلى تسهيل عمليات الإقراض للأفراد والشركات مما يزيد من سبل الاستثمار.
تأثير السياسة النقدية التوسعية على أسعار الذهب
التأثير الرئيسي والمباشر للسياسة النقدية التوسعية على الذهب يكون إيجابي بشكل كبير، فسياسة التيسير النقدي توفر السيولة النقدية لدى الأسواق والتي يتجه جزء كبير منها إلى شراء الذهب باعتباره ملاذ آمن ومخزن للقيمة.
من جهة أخرى نجد أن التيسير النقدي يدفع القيمة الشرائية للعملة إلى الانخفاض، وبالتالي في المقابل ترتفع أسعار الذهب حيث يتطلب شراء نفس الكمية من الذهب نقود أكثر عندما تنخفض القيمة الشرائية للعملة أو يتراجع سعر صرف العملة.
أيضاً تلجأ البنوك المركزية إلى استخدام السياسة النقدية التوسعية عندما يتزايد تباطؤ الاقتصاد، أو يدخل في حالة من الركود الاقتصادي، وفي هذه الحالة يكون الطلب على الذهب عند أعلى معدلاته، لأنه يعد ملاذ آمن في حالات الركود الاقتصادي والمخاوف الاقتصادية من البطالة وغيرها.

السياسة النقدية الانكماشية (التشديد النقدي)
وهي السياسة النقدية التي يتم تطبيقها في حالة رغبة البنك المركزي في سحب السيولة النقدية من الأسواق بهدف مكافحة ارتفاع التضخم أو التشوهات الاقتصادية الأخرى، وتعد السياسة الانكماشية عكس السياسة التوسعية.
سياسة التشديد النقدي يتم اللجوء إليها لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم أياَ كان مسببات هذا التضخم، سواء كان تسارع في معدلات النمو أو انخفاض في سعر صرف العملة أو تزايد معدلات السيولة النقدية في الأسواق المالية بشكل تسبب معه ارتفاع مستوى التضخم ليتخطى المستهدف المناسب للبنك المركزي.
في هذه السياسة تكون الأداة الأكثر فعالية هي رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي على القروض قصيرة الأجل، مما يقود البنوك التجارية إلى رفع أسعار الفائدة التي تفرضها على المقترضين من عملائها وبالتالي تقل عمليات الإقراض لتتراجع السيولة النقدية الموجودة في الأسواق خارج البنوك.
في المقابل تتزايد عمليات الإيداع في البنوك من أجل الاستفادة من الفائدة المرتفعة والحصول على عائد دوري، وبهذا تتراجع السيولة النقدية المتاحة في الأسواق وبالتالي تتراجع معدلات التضخم وتعود القيمة الشرائية للعملة إلى التزايد.
أيضاً سعر صرف العملة المحلية يرتفع بشكل كبير خلال تطبيق سياسة التشديد النقدي، لأن رفع الفائدة على العملة يدفع المستثمرين من خارج الدولة إلى شراء عملة الدولة من أجل الاستثمار في السندات الحكومية التي تصدرها الدولة بالعملة المحلية للاستفادة من العائد المرتفع.
يقوم البنك المركزي أيضاً برفع الاحتياطي الإلزامي للبنوك وهو الحد الأدنى من الاحتياطي المالي المطلوب الاحتفاظ به، الأمر الذي يقلل من السيولة النقدية المتاحة للبنوك وبالتالي للعملاء.
أيضاً يقوم البنك المركزي عن طريق عمليات السوق المفتوح ببيع كميات كبيرة من السندات الحكومية الأمر الذي يقلل من سعر السندات وبالتالي يرتفع العائد عليها (علاقة عكسية بين سعر أذون الخزانة والعائد عليها)، ليتزايد إقبال المستثمرين على شراء السندات للاستفادة من العائد المرتفع وبالتالي يكون نجح البنك في جذب السيولة النقدية في الأسواق إلى داخل النظام البنكي.
تأثير السياسة النقدية الانكماشية على أسعار الذهب
التأثير الرئيسي والمباشر للسياسة النقدية الانكماشية على الذهب يكون سلبي بشكل كبير، فسياسة التشديد النقدي تسحب السيولة النقدية من الأسواق إلى البنوك، وبالتالي يتجه جزء كبير من المستثمرين إلى بيع الذهب وشراء السندات الحكومية ذات العائد المرتفع أو إيداع الأموال في البنوك للحصول على عائد، بالمقارنة مع الذهب الذي لا يقدم عائد لحائزيه.
من جهة أخرى نجد أن التشديد النقدي يدفع القيمة الشرائية للعملة إلى الارتفاع، وبالتالي في المقابل تنخفض أسعار الذهب حيث يتطلب شراء نفس الكمية من الذهب نقود أقل عندما ترتفع القيمة الشرائية للعملة أو يرتفع سعر صرف العملة.
أيضاً تلجأ البنوك المركزية إلى استخدام السياسة النقدية الانكماشية عندما يتسارع نمو الاقتصاد، أو يشهد حالة من انتعاش الطلب المتزايد، وفي هذه الحالة يكون الطلب على الذهب عند أدنى مستوياته، لأن الذهب يعد مخزن للقيمة فقط ولا يقدم عائد مقابل الاستثمار فيه.
3 تعليقات