ما هو مؤشر السيولة وكيف يتم استخدامه في التداول؟

يُعد مؤشر السيولة، أو “مؤشر حجم السيولة” كما يُعرف في التحليل الفني، أحد أهم الأدوات التي غالباً ما يتم إغفالها من قبل المتداولين. ففي حين أن السعر يخبرك بما يفعله السوق، فإن حجم السيولة يمنحك السياق الأساسي من خلال الكشف عن “مدى قوة” حركة السعر. يوفر هذا المؤشر رؤية حاسمة حول مستوى النشاط في السوق وقوة ضغط الشراء أو البيع الكامنة وراء أي تحرك في الأسعار.
أساسيات: فهم مؤشر السيولة (حجم السيولة)
ببساطة، يمثل حجم السيولة (Volume) إجمالي عدد الأسهم أو العقود التي تم تداولها—أي الكمية الإجمالية التي انتقلت ملكيتها بين مشترٍ وبائع—خلال فترة زمنية محددة. يتجاوز هذا المقياس مجرد السعر، حيث يوفر رؤية مباشرة لمستوى نشاط السوق وكثافة ضغط الشراء أو البيع. على سبيل المثال، في سوق الأسهم، تساهم كل صفقة بيع أو شراء لـ 100 سهم بـ 100 في إجمالي حجم السيولة اليومي. وفي أسواق العقود الآجلة والخيارات، يتم قياس حجم السيولة بعدد العقود المتداولة. بينما توفر بعض منصات التداول تقديرات فورية، غالباً ما يتم نشر بيانات حجم السيولة الرسمية في اليوم التالي.
يمكن فهم أهمية حجم السيولة بتشبيه بسيط: حجم السيولة هو الوقود وراء حركة السعر. فالحركة السعرية الكبيرة التي لا يصاحبها حجم سيولة مرتفع تشبه سيارة تنزل منحدرًا دون تشغيل محركها؛ قد تتحرك، لكنها تفتقر إلى القوة والثقة اللازمة لمواصلة المسار. وعلى النقيض، فإن حركة السعر المصحوبة بحجم سيولة كبير هي إشارة قوية إلى أن هذا التحرك مدعوم بإجماع واسع من المشاركين في السوق.
تظهر بيانات حجم السيولة على الرسم البياني عادةً كأشرطة عمودية في الجزء السفلي من الشاشة، مباشرة تحت شموع السعر. يمثل كل شريط عمودي فترة زمنية معينة (يوم واحد أو ساعة واحدة)، ويعكس ارتفاعه كمية حجم السيولة المتداول خلال تلك الفترة. يشير الشريط الأطول إلى نشاط تداول أعلى بكثير من الشريط الأقصر. غالباً ما يتوافق لون الشريط مع حركة السعر؛ حيث يشير الشريط الأخضر إلى أن سعر الإغلاق كان أعلى من سعر الافتتاح، بينما يشير الشريط الأحمر إلى أن الإغلاق كان أدنى من الافتتاح.
تتبع فترات حجم السيولة المرتفع والمنخفض سلوكًا منتظمًا في الأسواق. يميل حجم السيولة إلى الارتفاع بشكل كبير بعد افتتاح السوق مباشرة وقبل إغلاقه، حيث يتفاعل المتداولون مع أخبار الليل أو يستعدون لإغلاق مراكزهم. وبالمثل، يكون حجم السيولة عادةً أعلى في أيام الاثنين (تفاعلاً مع أخبار عطلة نهاية الأسبوع) وأيام الجمعة (إغلاق المراكز قبل عطلة نهاية الأسبوع). يساعد فهم هذه الأنماط المتداولين على فلترة ضوضاء السوق؛ فالحركة السعرية بحجم سيولة منخفض في منتصف الأسبوع قد تكون أقل أهمية بكثير من حركة بحجم سيولة مرتفع عند افتتاح السوق.
المبادئ الأساسية للتداول باستخدام حجم السيولة
1. تأكيد قوة الاتجاه:
يعتبر الاتجاه السعري قويًا وصحيًا عندما يتم تأكيده بحجم السيولة. هذا يعني أن حجم السيولة يجب أن يزداد في اتجاه الاتجاه السائد وينخفض أثناء أي تصحيحات أو تراجعات طفيفة. فالعلاقة المباشرة بين السعر وحجم السيولة هي حجر الزاوية في التحليل الفني.
- في الاتجاه الصعودي (Bullish Uptrend): يجب أن ترتفع الأسعار بحجم سيولة متزايد، مما يدل على أن المشترين يسيطرون على السوق. في المقابل، يجب أن تحدث أي تصحيحات طفيفة (انخفاضات في السعر) بحجم سيولة أقل، مما يشير إلى أن ضغط البيع ليس كافياً لعكس الاتجاه.
- في الاتجاه الهبوطي (Bearish Downtrend): يجب أن تنخفض الأسعار بحجم سيولة متزايد، مما يظهر أن البائعين لديهم قناعة قوية. بينما أي ارتفاعات طفيفة (ارتداد) تحدث بحجم سيولة منخفض، مما يؤكد ضعف المشترين واستمرار الاتجاه الهبوطي.
التحليل النفسي: تشير هذه العلاقة إلى وجود قناعة متزايدة ومشاركة واسعة في الاتجاه. ففي الاتجاه الصعودي، يظهر حجم السيولة المتزايد أن عددًا متزايدًا من المشترين حريصون على الدخول ودفع الأسعار إلى الأعلى. أما انخفاض حجم السيولة أثناء التراجع، فيشير إلى أن البائعين غير مقتنعين بعد، وأن الاتجاه الصاعد لا يزال قويًا. هذه الديناميكية تؤكد أن الاتجاه مدعوم بقوة السوق وليس مجرد نتيجة للمضاربات العشوائية.
2. تحديد الانعكاسات المحتملة مع الاختلاف (Divergence):
يُعد الاختلاف إشارة تحذير قوية على أن الاتجاه يفقد زخمه. يحدث هذا عندما يتحرك سعر الأصل في اتجاه، بينما يتحرك حجم السيولة في الاتجاه المعاكس.
- الاختلاف الهبوطي (Bearish Divergence): يسجل السعر قمة جديدة، لكن حجم السيولة يكون أقل من حجم السيولة عند القمة السابقة. وهذا يدل على أن الارتفاع الأخير غير مدعوم بنفس القوة الشرائية التي دفعت السعر سابقاً، مما يزيد من احتمالية حدوث تصحيح أو انعكاس.
- الاختلاف الصعودي (Bullish Divergence): يسجل السعر قاعًا جديدًا، لكن حجم السيولة يكون أقل من حجم السيولة عند القاع السابق. هذه الحالة تُشير إلى أن حركة الهبوط قد فقدت قوتها، وأن ضغط البيع يتضاءل، مما قد يمهد الطريق لانعكاس صعودي.
التحليل النفسي: يشير هذا النمط إلى أن قناعة السوق تتلاشى. فبينما قد يدفع عدد قليل من المشاركين السعر إلى مستوى جديد، فإن انخفاض حجم السيولة يكشف أن السوق الأوسع لا يشارك في هذه الحركة وأن الاتجاه يفقد زخمه. على سبيل المثال، عندما يسجل سهم قمة جديدة، لكن حجم السيولة يتراجع، فهذا يعني أن عددًا أقل من المشترين يدعمون هذا الارتفاع، مما يجعله هشًا وعرضة للانعكاس.
3. التحقق من الاختراقات وتجنب “الاختراقات الزائفة”:
الاختراق هو تجاوز سعر الأصول لمستوى دعم أو مقاومة رئيسي. وحجم السيولة هو الحكم النهائي على صحة هذا الاختراق.
- المفهوم: من المرجح أن يكون الاختراق حقيقيًا ومستدامًا إذا حدث بحجم سيولة مرتفع وفوق المتوسط. أما الاختراق بحجم سيولة منخفض، فهو مشكوك فيه وقد يكون “اختراقًا زائفًا” (fakeout) أو إشارة خاطئة.
التحليل النفسي: فترة تماسك السعر (تداوله في نطاق ضيق) هي فترة من عدم اليقين في السوق. عندما يحدث الاختراق بحجم سيولة كبير، فإنه يمثل إجماعًا قويًا من عدد كبير من المشاركين على أن مستوى السعر القديم لم يعد صالحًا. هذا “التصويت بالثقة” القوي يمنح الزخم اللازم لبدء اتجاه جديد. في المقابل، يظهر الاختراق بحجم سيولة منخفض نقصًا في الإجماع، مما يجعله عرضة للفشل والعودة إلى النطاق السابق.
مؤشرات قائمة على حجم السيولة للمتداولين المبتدئين
يتم تعزيز تحليل حجم السيولة غالبًا باستخدام مؤشرات متخصصة تجمع بيانات حجم السيولة بطريقة أكثر وضوحًا. من أبرزها:
أ. مؤشر التوازن الحجمي (On-Balance Volume – OBV):
هو مؤشر زخم يتتبع مجموع حجم السيولة لقياس ضغط الشراء والبيع التراكمي. فإذا أغلق سعر الأصل أعلى من إغلاق اليوم السابق، يتم إضافة حجم السيولة اليوم بالكامل إلى إجمالي مؤشر OBV، وإذا أغلق أدنى، يتم طرح حجم السيولة. استخدامه الأساسي هو تأكيد قوة الاتجاه وتحديد الاختلافات. فعلى سبيل المثال، إذا كان السعر يرتفع، لكن خط مؤشر OBV لا يتبعه، فهذه إشارة على أن حجم السيولة لا يدعم الحركة، مما قد يكون تحذيرًا من ضعف الاتجاه.
ب. متوسط السعر المرجح بحجم السيولة (Volume-Weighted Average Price – VWAP):
هو متوسط السعر المرجح بحجم السيولة للأصل خلال يوم تداول واحد. يتم إعطاء وزن أكبر لحركات السعر ذات حجم السيولة المرتفع. يُعد مؤشر VWAP أداة حاسمة للمتداولين اليوميين والمؤسسات لتحديد “السعر الحقيقي” المتوسط لليوم. فالسهم الذي يتداول فوق مؤشر VWAP يعتبر قويًا، بينما يعتبر السهم الذي يتداول دونه ضعيفًا. يمكن استخدامه كمستوى دعم أو مقاومة ديناميكي، وكخط مرجعي لتحديد نقاط الدخول والخروج المناسبة.
ج. مؤشر تدفق الأموال (Money Flow Index – MFI):
يعتبر هذا المؤشر أكثر تعقيداً قليلاً ولكنه مفيد للغاية. يجمع مؤشر تدفق الأموال بين السعر وحجم السيولة لقياس قوة تدفق الأموال داخل وخارج الأصل المالي. يمكن استخدامه لتأكيد الاتجاه أو لتحديد الانعكاسات المحتملة. على سبيل المثال، إذا كان السهم يرتفع، ولكن مؤشر تدفق الأموال ينخفض، فهذا يشير إلى ضعف تدفق الأموال الداعمة للارتفاع.
الأخطاء الشائعة للمبتدئين
- استخدام حجم السيولة بمعزل عن غيره: الخطأ الأكثر خطورة هو استخدام حجم السيولة كإشارة قائمة بذاتها. فحجم السيولة يوفر السياق، لكن قرار التداول يجب أن يتم تأكيده دائمًا بحركة السعر وأنماط الرسم البياني والمؤشرات الأخرى. يجب أن يُنظر إلى حجم السيولة كجزء من لوحة أكبر، وليس كعامل وحيد.
- عدم مقارنة حجم السيولة بالمتوسط: لا قيمة لرقم حجم السيولة الفردي دون وجود معيار. يجب دائمًا مقارنة حجم السيولة بمتوسط حجم السيولة اليومي (مثل متوسط آخر 20 يومًا). فمثلاً، حجم سيولة تداول 500 ألف سهم قد يبدو مرتفعًا، ولكنه يُعد منخفضًا جدًا إذا كان متوسط حجم السيولة اليومي مليونين.
- سوء تفسير فترات حجم السيولة المنخفض: يتباطأ حجم السيولة بشكل طبيعي في أوقات معينة مثل منتصف اليوم أو قبل العطلات. هذا الانخفاض طبيعي ولا يُعتبر بالضرورة إشارة هبوطية. يجب على المتداول فهم أنماط السوق اليومية والأسبوعية لتجنب التفسيرات الخاطئة.
- تطبيق منطق حجم سيولة الأسهم على الفوركس: سوق الفوركس (العملات الأجنبية) هو سوق لامركزي، مما يعني عدم وجود بورصة مركزية واحدة لتوفير بيانات حجم السيولة الإجمالية والحقيقية. يعتمد متداولو الفوركس على “حجم التغير” (Tick Volume)، والذي يقيس عدد تغيرات السعر، كبديل تقريبي لحجم السيولة الفعلي. هذا يجعل استراتيجيات حجم السيولة أقل موثوقية في هذا السوق.
في الختام، يجب أن تتذكر أن حجم السيولة ليس أداة سحرية للتنبؤ؛ إنه مؤشر قوي يوفر سياقًا أساسيًا لحركات الأسعار. يساعد حجم السيولة المتداولين على قياس قناعة المشاركين وراء الاتجاهات، والتحقق من صحة الاختراقات، وتحديد نقاط التحول المحتملة في السوق. من خلال تعلم كيفية قراءة “قصة” حجم السيولة، يمكن للمتداول المبتدئ أن يتجاوز مجرد رد الفعل على السعر ويبدأ في فهم المشاعر الجماعية للمشاركين في السوق. إن إتقان هذه العلاقة الأساسية خطوة حاسمة في تطور المتداول نحو اتخاذ قرارات أكثر استنارة.
اقرأ أيضا…