شرح استراتيجية تداول الزخم (Momentum Trading)

هل تبحث عن طريقة لربح المال في الأسواق المالية من خلال ملاحظة ما هو “رائج” وما هو “متراجع”؟ هل تسمع عن استراتيجية “تداول الزخم” ولكنها تبدو معقدة؟ في هذا المقال، سنبسط لك هذه الاستراتيجية القوية التي تُشير إلى ميل الأصول التي ترتفع أسعارها إلى الاستمرار في الارتفاع، وتلك التي تنخفض أسعارها إلى الاستمرار في الانخفاض.
على الرغم من أن تداول الزخم قد يُحقق أرباحًا جيدة، إلا أنه يحمل تحديات، مثل ارتفاع تكاليف التداول والخسائر المحتملة. لنشرح لك كيف تعمل هذه الاستراتيجية خطوة بخطوة، ونقدم لك نصائح لمساعدتك كمبتدئ.
أولاً: فهم الزخم: القوة الدافعة للأسعار
1. ما هو الزخم؟ الزخم هو قوة حركة سعر الأصل. هو ميل السعر الحالي إلى الاستمرار في اتجاهه الحالي لفترة قصيرة أو متوسطة. مبدأ تداول الزخم هو عكس المبدأ القديم “اشترِ عندما يكون السعر منخفضًا، بِع عندما يكون مرتفعًا”. بل هو: “اشترِ عندما يكون السعر مرتفعًا، بِع عندما يصبح أعلى“.
يعتمد تداول الزخم على ملاحظة حركة السعر وحجم التداول، لا على قيمة الأصل الحقيقية. يهدف المتداولون إلى الدخول في الصفقات عندما تبدأ حركة السعر في التسارع، والخروج عندما تظهر أول علامات على أن هذه الحركة ستتوقف أو تنعكس.
2. مؤشرات الزخم الشائعة: يستخدم المتداولون أدوات فنية لقياس الزخم، مثل:
- تقاطعات المتوسطات المتحركة: خطوط تُظهر متوسط السعر خلال فترة معينة. تقاطع هذه الخطوط يُشير إلى تغيير في الاتجاه.
- مؤشر القوة النسبية (RSI): يُقاس سرعة تغيرات الأسعار، ويُشير إلى متى يكون الأصل قد ارتفع أو انخفض أكثر من اللازم.
- مؤشر تقارب وتباعد المتوسطات المتحركة (MACD): يُظهر العلاقة بين متوسطات سعرين متحركين، ويُستخدم لتحديد قوة الاتجاه.
3. أنواع الزخم: نسبي ومطلق: هناك نوعان رئيسيان من استراتيجيات الزخم:
- الزخم النسبي (Cross-Sectional Momentum):
- المفهوم: تُقارن أداء مجموعة من الأصول ببعضها البعض. تُصنّف الأصول بناءً على أدائها (من الأفضل إلى الأسوأ) خلال فترة معينة.
- التطبيق: يُنشئ المتداول محفظة “متوازنة” (بلا مخاطرة سوقية) عن طريق شراء الأصول التي أدت أفضل أداء (الفائزون) وبيع الأصول التي أدت أسوأ أداء (الخاسرون).
- زخم السلاسل الزمنية (Time-Series Momentum) – متابعة الاتجاه:
- المفهوم: تُقيّم الأصول بناءً على أدائها الخاص (هل ارتفع سعرها أم انخفض خلال فترة معينة؟).
- التطبيق: يُشتري المتداول الأصول التي أظهرت ارتفاعًا في السعر، ويبيع الأصول التي أظهرت انخفاضًا.
- الميزة: هذه الاستراتيجية تتغير حسب الاتجاه العام للسوق. فإذا كان السوق صاعدًا بقوة، ستكون معظم المراكز شراء. وإذا كان هابطًا بقوة، ستكون معظم المراكز بيعًا. هذا يُوفر “قدرة تلقائية على توقيت السوق” تُساعد على حماية رأس المال في فترات الانكماش.
4. لماذا يستمر الزخم؟ (فهم سلوك المستثمرين): إن استمرار ظاهرة الزخم يُعد تحديًا للنظريات الاقتصادية التي تقول إن الأسواق “فعالة” وتُسعّر المعلومات فورًا. التفسير الأقوى لوجود الزخم يعود إلى سلوك البشر والمشاعر التي تؤثر على قرارات الاستثمار:
- رد الفعل البطيء من المستثمرين: غالبا ما يتأخر المستثمرون في استيعاب المعلومات الجديدة تمامًا في أسعار الأصول. فمثلاً، عندما تُعلن شركة عن أرباح جيدة جدًا، قد لا يقفز سعر السهم فورًا إلى قيمته الجديدة، بل يرتفع تدريجيًا بمرور الوقت. هذا الانتشار البطيء للمعلومات يُخلق اتجاهات مستمرة.
- سلوك القطيع ورد الفعل المبالغ فيه: بمجرد أن يتشكل الاتجاه، يبدأ المستثمرون في “اللحاق بالركب” والدخول في الأصول الرابحة خوفًا من تفويت الفرصة. هذا السلوك يُعزز الاتجاه ويُسرّعه.
- تأثير التصرف: يميل المستثمرون إلى بيع الأصول الرابحة مبكرًا (لحبس الأرباح)، بينما يتمسكون بالأصول الخاسرة لفترة طويلة (على أمل التعادل). هذا السلوك يُعيق الأسواق من التسعير الفعال ويُطيل من مدة الاتجاهات السعرية، مما يُغذي استراتيجيات الزخم.
ثانياً: الأدلة على فعالية تداول الزخم
لقد أكدت العديد من الدراسات الأكاديمية والتحليلات الصناعية وجود الزخم كعامل مؤثر في الأسواق.
1. الدراسات الأكاديمية الأساسية:
- دراسة جيغاديش وتيتمان (1993): كانت أول دراسة تُوثق بوضوح تأثير الزخم النسبي في سوق الأسهم الأمريكية. أظهروا أن استراتيجية “شراء الفائزين وبيع الخاسرين” حققت أرباحًا كبيرة.
- دراسة كارهارت (1997): أكدت مكانة الزخم كعامل مؤثر رئيسي في تحليل أداء المحافظ الاستثمارية.
- دراسة موسكويتز وآخرين (2012): أظهرت أن زخم السلاسل الزمنية (متابعة الاتجاه) فعال عبر فئات الأصول المختلفة (مثل العملات والسلع والسندات) ويوفر فوائد تنويع قوية، خاصة في الأزمات.
2. وجهات نظر من الصناعة:
- AQR Capital Management: أكدت أبحاثهم باستمرار قوة الزخم ووجوده في الأسواق العالمية. وأشاروا إلى أن الزخم غالبًا ما يكون له علاقة سلبية مع “القيمة” (Value)، مما يجعلهما عاملين متكاملين في محفظة متنوعة.
- MSCI: أكدوا أن الزخم كان تاريخيًا أحد أقوى العوامل أداءً، خاصة خلال فترات السوق ذات الاتجاهات الواضحة والمستقرة.
3. مقارنة الأداء (مدعومة بالبيانات): لقد أكدت الاختبارات الرجعية (Backtests) وجود الزخم، لكنها أبرزت أيضًا أهمية احتساب تكاليف التداول.
ماذا نستفيد من هذه الأرقام؟
- زخم السلاسل الزمنية الأفضل: يُظهر هذا النوع من الزخم أفضل أداء معدل بالمخاطر (نسبة شارب أعلى، وحد أقصى للتراجع أقل) مقارنة بالزخم النسبي، وحتى بالمحفظة التقليدية 60/40 في بعض الجوانب. هذا لأنه يساعد على تجنب أكبر الخسائر في الأسواق الهابطة.
- الحد الأقصى للتراجع: يُعد هذا مقياسًا مهمًا للمخاطرة. انخفاض الحد الأقصى للتراجع يعني أن المحفظة لم تخسر الكثير من قيمتها خلال الفترات الصعبة.
- تكاليف التداول مهمة جدًا: يجب دائمًا احتساب العمولات وفروق الأسعار، لأنها يمكن أن تأكل جزءًا كبيرًا من الأرباح.
ثالثاً: تقنيات الزخم المتقدمة
يمكن تحسين استراتيجيات الزخم البسيطة بشكل كبير من خلال دمج العوامل وتطبيق تقنيات علوم البيانات الحديثة.
1. مزيج العوامل: يُعد التنويع عبر العوامل ذات الارتباطات المنخفضة أو السلبية حجر الزاوية في الاستثمار الكمي القوي.
- الزخم والقيمة: عاملان يُعرفان بارتباطهما السلبي. فبينما يشتري الزخم الأصول التي ترتفع أسعارها، تشتري القيمة الأصول التي تُعتبر رخيصة. هذا التناقض يعني أنهما يميلان إلى الأداء الجيد في نقاط مختلفة من دورة السوق.
- الزخم والجودة: الاستثمار في شركات ذات أرباح مستقرة وربحية عالية وديون منخفضة، ثم تطبيق الزخم عليها. هذا يساعد على تصفية الأسهم المضاربية.
- الزخم والـ Carry: (خاصة في السندات، الفوركس، السلع) الـ Carry هو العائد المكتسب من الاحتفاظ بأصل (مثل الفائدة على السند)، بافتراض أن سعره لا يتغير. دمج الزخم مع الـ Carry يمكن أن يُنشئ إشارة أقوى.
- الـ Carry، في سياق الأسواق المالية، هو العائد أو التكلفة التي تنتج عن الاحتفاظ بأصل مالي أو مركز تداول لفترة من الزمن. بعبارة أبسط، هو الفرق بين العائد الذي تحصل عليه من الأصل والعائد الذي تدفعه لتمويله.
دعني أوضح بمثالين:
- في الفوركس (سوق العملات الأجنبية): عندما تشتري عملة وتبيع عملة أخرى (تفتح مركز تداول)، فإنك تكسب فائدة على العملة التي اشتريتها وتدفع فائدة على العملة التي بعتها. إذا كانت الفائدة على العملة المشتراة أعلى من الفائدة على العملة المباعة، فإن الفرق الإيجابي هذا هو “الـ Carry” الذي تكسبه يوميًا (أو حسب فترة الاحتفاظ). هذا يُعرف بـ “Carry Trade”.
- في السندات: إذا اشتريت سندًا، فإن الـ Carry هو العائد الذي تحصل عليه من الفائدة المدفوعة على السند (الكوبون) مطروحًا منه تكلفة تمويل شراء هذا السند.
بشكل عام، يمكن تلخيص الـ Carry على أنه: العائد الذي تحصل عليه من الأصل (مثل الفائدة أو التوزيعات) – تكلفة الاحتفاظ بالأصل (مثل تكلفة الاقتراض لشرائه).
في سياق تداول الزخم، دمج الـ Carry يعني أن المتداول لا يعتمد فقط على حركة سعر الأصل (الزخم)، بل يستفيد أيضًا من العائد الإضافي الذي يحققه من الاحتفاظ بهذا الأصل، مما يمكن أن يقوي إشارة التداول الإجمالية ويزيد من الأرباح المحتملة.
- الـ Carry، في سياق الأسواق المالية، هو العائد أو التكلفة التي تنتج عن الاحتفاظ بأصل مالي أو مركز تداول لفترة من الزمن. بعبارة أبسط، هو الفرق بين العائد الذي تحصل عليه من الأصل والعائد الذي تدفعه لتمويله.
2. التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي: يُحدِث التعلم الآلي (ML) والذكاء الاصطناعي (AI) تحولًا في قدرات الاستراتيجيات المنهجية، مما يُحولها من أنظمة ثابتة إلى أنظمة ديناميكية وتكيفية.
- نماذج تبديل نظام السوق (Regime-Switching Models): تُحدد هذه النماذج حالة السوق الحالية (مثل “هادئ”، “متقلب”، “انهيار”). ثم تُعدّل الاستراتيجية بشكل ديناميكي، بحيث تزيد من استراتيجيات الزخم في الأوقات الاتجاهية، وتُقللها في أوقات السوق النطاقية.
- توقع السلاسل الزمنية المتقدم: تُستخدم نماذج التعلم العميق (مثل شبكات LSTM) لالتقاط أنماط معقدة وغير خطية في بيانات الأسعار.
- معالجة اللغة الطبيعية (NLP): تُستخدم لتحليل كميات هائلة من البيانات النصية (الأخبار، وسائل التواصل الاجتماعي) لتحديد معنويات السوق، مما يمكن أن يُقدم إشارات زخم قوية.
رابعاً: دليل المتداول
يعتمد نجاح تداول الزخم بشكل كبير على التنفيذ المنضبط وإدارة المخاطر.
1. تحديد حجم المركز (Position Sizing):
- المفهوم: تحديد مقدار رأس المال الذي سيُخصص لصفقة معينة.
- التقلبات تحدد الحجم: يتم تعديل حجم المركز ليكون عكسيًا متناسبًا مع التقلبات الأخيرة للأصل (المُقاسة بـ ATR). الهدف هو ضمان أن تُساهم كل صفقة بنفس القدر من المخاطر في المحفظة الإجمالية. فإذا كانت التقلبات عالية، يُقلل حجم المركز تلقائيًا.
- معيار كيلي (Kelly Criterion): صيغة رياضية تُستخدم لحساب النسبة المثلى من رأس المال لتخصيصها لصفقة لزيادة النمو طويل الأجل. غالبًا ما يُستخدم جزء صغير من نتيجة كيلي ليكون أكثر تحفظًا.
2. إدارة الصفقات: وقف الخسارة والوقف المتحرك:
- وقف الخسارة الثابت: مستوى سعر محدد مسبقًا يُغلق عنده المركز الخاسر تلقائيًا.
- وقف الخسارة المتحرك (Trailing Stop-Loss): هذا هو الأسلوب الأكثر ديناميكية وملاءمة لتداول الزخم. يتم وضع وقف خسارة عند نسبة مئوية أو مبلغ ثابت أقل من سعر السوق للمركز الطويل. كلما تحرك السعر في اتجاه مواتٍ، يتعدل مستوى وقف الخسارة صعودًا، مما يُحقق الأرباح ويُشجع على “ترك الرابحين يركضون” (Let Winners Run).
3. مجموعة التكنولوجيا لتداول الزخم المنهجي: يتطلب تنفيذ استراتيجية زخم منهجية على المستوى الاحترافي بنية تحتية تكنولوجية قوية:
- الاختبار الرجعي والبحث: استخدام لغات مثل Python ومكتباتها المتخصصة.
- إدارة البيانات: وجود مستودع بيانات مركزي لتخزين البيانات التاريخية والوقت الفعلي.
- التنفيذ: الاتصال بوسيط لديه واجهة برمجة تطبيقات (API) قوية، واستخدام خوارزميات تنفيذ ذكية لتقليل تأثير السوق.
خامساً: الخلاصة والتوصيات
إن تداول الزخم هو استراتيجية قوية ولكنها دقيقة. التقاط فوائدها الكاملة يتطلب فهمًا واضحًا لدورها في المحفظة، ونهجًا منضبطًا للتنفيذ، وإطار عمل قويًا لاختيار المدير وإدارة المخاطر.
توصيات عملية للمتداولين:
- لا تبحث عن الربح فقط: تداول الزخم ليس مجرد مطاردة للأسعار الصاعدة؛ بل هو نهج منهجي للربح من استمرار الاتجاهات.
- أتقن فهم السوق: تعلم كيفية تحديد أنظمة السوق المختلفة (اتجاهي، نطاقي، انهيار) لتطبيق الاستراتيجية الصحيحة.
- التعليم المستمر: الأسواق تتطور باستمرار، لذا يجب أن تستمر في التعلم وتكييف استراتيجياتك.
- إدارة المخاطر هي الأهم: تُعد إدارة المخاطر، وخاصة تحديد حجم المركز ووقف الخسارة، حجر الزاوية في تداول الزخم الناجح.
- التنويع: لا تركز استثماراتك في فئة أصول واحدة، بل نوّعها عبر الأسهم، العملات، السلع، وغيرها.
- التدريب العملي: استخدم حسابات تجريبية لاختبار استراتيجياتك قبل استخدام رأس مال حقيقي.
في الختام، تداول الزخم هو أداة قوية. عندما يُتعامل معها بذكاء ودمج في نظام تداول منضبط، تُصبح مكونًا حيويًا لتحقيق النجاح على المدى الطويل في الأسواق المالية.
اقرأ أيضا…