تحليل لتراجع سعر البيتكوين إلى أدنى مستوى في 3 أسابيع

شهد سعر البيتكوين تراجعًا حادًا يوم 1 أغسطس 2025، حيث انخفض إلى أقل من 115,000 دولار، مسجلاً أدنى مستوى له خلال ثلاثة أسابيع. هذا الانخفاض لم يكن بمعزل عن الأحداث العالمية، بل جاء في ظل حالة عدم اليقين المتزايدة التي تسيطر على الأسواق المالية العالمية.
وقد تأثرت الأسواق بشكل مباشر بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة على عدد من الشركاء التجاريين الرئيسيين. هذا الإجراء أثار موجة من القلق بين المستثمرين ودفعهم إلى إعادة تقييم المخاطر وسحب الأرباح.
يُظهر هذا الترابط المتزايد بين العملات المشفرة والأسواق التقليدية أن البيتكوين لم تعد مجرد أصل هامشي، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من منظومة الاستثمار العالمي الأوسع. هذا التراجع يسلط الضوء على أن عوامل الاقتصاد الكلي، مثل السياسات التجارية والقرارات النقدية، تلعب دورًا حيويًا في تحديد مسار العملات الرقمية.
الأسباب المتعددة للانخفاض: التعريفات الجمركية وعدم اليقين الاقتصادي
أوضح المحللون أن هذا التراجع كان مزيجًا من عدة عوامل متداخلة، أبرزها:
- التعريفات الجمركية الجديدة: صدر أمر تنفيذي من الرئيس ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة على شركاء تجاريين للولايات المتحدة. تضمنت هذه التعريفات زيادات كبيرة (تصل إلى 25% و35% على سلع معينة) ووصلت إلى 41% على بعض البلدان. هذا الإجراء يثير قلق المستثمرين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، حيث تؤدي التعريفات إلى ارتفاع تكاليف السلع المستوردة، مما يترجم إلى زيادة في أسعار المستهلكين ويدفع معدلات التضخم للارتفاع. هذا الوضع يدفع المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول عالية المخاطر.
- سياسة البنك الفيدرالي وقيودها: زادت حالة القلق بين المستثمرين بشأن كيفية تأثير هذه التعريفات على الاقتصاد. فهم يخشون أن تؤدي التعريفات إلى ارتفاع معدل التضخم، وهو ما يفرض على البنك الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية أكثر حذرًا. هذا الأمر قد يحد من قدرة البنك الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة. وقد أبقى البنك الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة مؤخرًا، مما قلل من الحماس نحو الأصول الخطرة مثل البيتكوين. عادةً ما تشجع أسعار الفائدة المنخفضة المستثمرين على تحمل المزيد من المخاطر في البحث عن عوائد أعلى، بينما تؤدي أسعار الفائدة المستقرة أو المرتفعة إلى انخفاض الإقبال على الأصول المتقلبة.
- جني الأرباح (Profit-Taking): بعد فترة من الارتفاع القوي والمستمر، أصبح من الطبيعي أن يبدأ المستثمرون في جني الأرباح. جاء هذا الانخفاض بعد أن وصل سعر البيتكوين إلى أعلى مستوى له بالقرب من 122,800 دولار في يوليو. أدى ذلك إلى زيادة عمليات البيع من قبل المستثمرين الذين يرغبون في تأمين مكاسبهم.
- تصفية المراكز المالية (Crypto Liquidations): تسببت عمليات البيع في تصفية أكثر من 629 مليون دولار من المراكز المالية ذات الرافعة المالية خلال 24 ساعة. ما يقرب من 90% من هذه التصفية كانت من صفقات الشراء (long trades)، مما يعكس ضغطًا كبيرًا على البيع. عمليات التصفية تحدث عندما ينخفض سعر الأصل إلى مستوى معين، مما يجبر منصات التداول على بيع مراكز المستثمرين تلقائيًا لتغطية خسائرهم، وهذا ما يؤدي إلى تسارع الانخفاض في الأسعار.
- العوامل النفسية ومعنويات السوق: تلعب معنويات المستثمرين دوراً حاسماً في أسواق المال، وخاصة في سوق العملات المشفرة المتقلب. عندما تسود حالة من القلق والخوف، يمكن أن تتفاقم عمليات البيع بشكل كبير. وقد أدى تداخل التوترات التجارية مع ظاهرة جني الأرباح إلى خلق بيئة نفسية سلبية، حيث يخشى المستثمرون من تفويت الفرصة لتأمين أرباحهم قبل حدوث تراجع أكبر.
البيتكوين تحت المجهر: مستويات الدعم الرئيسية وتوقعات السوق
على الرغم من التراجع، لا يزال أداء البيتكوين يظهر بعض القوة. وصلت العملة إلى أدنى مستوياتها خلال اليوم بين 114,000 و115,200 دولار، لكنها لا تزال تُعتبر جزءًا من دورة صعود قوية بدأت في عام 2025. تراجع سعر البيتكوين أدى أيضًا إلى انخفاض إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة بنحو 4% لتصل إلى 3.75 تريليون دولار. كما شهدت عملات رقمية رئيسية أخرى مثل إيثريوم وسولانا و XRP انخفاضات بين 5% و10%. يُظهر هذا التباين أن المستثمرين يميلون إلى بيع العملات البديلة أولاً، مما يدل على أنهم يتجنبون المخاطر في الأصول الأكثر تقلبًا. كما عانت الأسهم المرتبطة بالعملات المشفرة من خسائر أكبر من البيتكوين نفسه، مما يؤكد أن حالة النفور من المخاطر كانت واسعة النطاق.
يُولي المحللون اهتمامًا كبيرًا الآن لمستوى $111,000، حيث يُعتبر هذا المستوى منطقة دعم رئيسية. في التحليل الفني، يمثل مستوى الدعم نقطة سعرية تاريخية يميل فيها الطلب على الشراء إلى التغلب على ضغط البيع. إذا لم تتمكن البيتكوين من الارتداد من هذا المستوى، فقد تستمر في التراجع، مما قد يشير إلى تحول في الاتجاه.
آفاق المستقبل بناءً على السيناريوهات المحتملة
يرى المحللون أن التراجع الحاد هو نتيجة للقلق بشأن التعريفات الجمركية ورد فعل “الابتعاد عن المخاطرة” (risk-off). عوامل أخرى مثل جني الأرباح بعد الارتفاع في يوليو كان لها دور كبير أيضًا. يقترح بعض الخبراء أن هذا التراجع قد يكون مجرد تصحيح مؤقت، وليس تحولًا دائمًا في السوق، خاصة إذا تم حل التوترات التجارية من خلال المفاوضات.
- سيناريو الاتفاق التجاري: في حال التوصل إلى اتفاق تجاري ينهي التوترات الحالية، من المرجح أن نشهد موجة من التفاؤل تعيد السيولة إلى الأصول الخطرة، بما في ذلك البيتكوين. يمكن أن يدفع هذا السيناريو السعر لتجاوز أعلى مستوياته الأخيرة.
- سيناريو استمرار التوتر: إذا استمرت التوترات التجارية، فقد يستمر الضغط على سعر البيتكوين. في هذه الحالة، ستكون مستويات الدعم التالية، مثل $105,000 أو حتى $100,000، تحت المراقبة. قد يرى بعض المستثمرين هذا التراجع فرصة للشراء، مما قد يمنع انخفاضًا حادًا.
يراقب المستثمرون الآن البيانات الاقتصادية القادمة والإجراءات التنظيمية المحتملة. ستحدد هذه العوامل ما إذا كان مستوى الدعم بين 111,000 و115,000 دولار سيصمد، أم أن هناك احتمالية لحدوث مزيد من الانخفاض في الأيام القادمة.
اقرأ أيضا…