الفيدرالي الأمريكي: انقسامات متزايدة حول خفض الفائدة وسط جدل “التعريفات والتضخم”

كشف محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لشهر يونيو، والذي صدر يوم الأربعاء، عن تباين كبير بين المسؤولين حول مدى رغبتهم في خفض أسعار الفائدة. يأتي هذا الانقسام في ظل تضارب المخاوف بين التضخم الذي قد تُغذيه تعريفات ترامب، وعلامات ضعف في سوق العمل وقوة في الاقتصاد. ورغم تصويت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) بالإجماع على تثبيت سعر الفائدة الرئيسي، إلا أن محضر الاجتماع أظهر خلافات متزايدة حول مسار السياسة النقدية المستقبلي.
الفيدرالي الأمريكي في مرحلة الانتظار والترقب
انتهى اجتماع الفيدرالي الأمريكي (FOMC) في 17-18 يونيو بتصويت بالإجماع على إبقاء سعر الفائدة الرئيسي في نطاق 4.25%-4.5%، وهو المستوى الذي ظل عليه منذ ديسمبر 2024. ومع ذلك، أظهر ملخص الاجتماع انقسامًا متزايدًا حول كيفية المضي قدمًا في السياسة النقدية من الآن فصاعدًا.
أشار المحضر إلى أن “معظم المشاركين أقروا بأن بعض التخفيض في النطاق المستهدف لسعر فائدة الأموال الفيدرالية هذا العام سيكون مناسبًا على الأرجح”، حيث رأى المسؤولون أن ضغوط التضخم الناجمة عن التعريفات قد تكون “مؤقتة ومتواضعة” بينما يمكن أن يضعف النمو الاقتصادي والتوظيف.
ومع ذلك، كان مدى التخفيضات المحتملة محل نقاش. فقد تراوحت الآراء من “عدد قليل” من المسؤولين الذين قالوا إن الخفض التالي يمكن أن يأتي في أقرب وقت من هذا الشهر (يوليو)، إلى “البعض” الذين اعتقدوا أن لا تخفيضات ستكون مناسبة هذا العام. ورغم أن المحضر لا يذكر الأسماء، فقد صرح محافظو الفيدرالي ميشيل بومان وكريستوفر والار علنًا بأنهما قد يريان تخفيضًا في أسعار الفائدة في اجتماع الفيدرالي يومي 29-30 يوليو إذا ظل التضخم تحت السيطرة.
في الوقت نفسه، قال “العديد” من المسؤولين إنهم يعتقدون أن سعر الفائدة الحالي على الأموال الليلية “قد لا يكون بعيدًا” عن المستوى المحايد، مما يعني أن بضعة تخفيضات فقط قد تكون في الأفق. واستشهد هؤلاء المسؤولون بالتضخم الذي لا يزال فوق هدف 2% وسط اقتصاد “مرن”. يُذكر أن مصطلح “البعض” في لغة الفيدرالي يشير إلى عدد أكبر من “العديد”.
توقعات الفيدرالي الأمريكي الجديدة: تضخم أعلى ونمو أبطأ وبطالة مرتفعة
قام المسؤولون في الاجتماع بتحديث توقعاتهم الفصلية لأسعار الفائدة والتوقعات الاقتصادية، وهي الأولى منذ أن كشف الرئيس دونالد ترامب عن تعريفات جمركية شاملة على شركاء التجارة الأمريكيين – العديد منها تم تخفيضه أو تأجيله منذ ذلك الحين.
- التضخم: رفع المسؤولون تقديرهم المتوسط للتضخم في نهاية عام 2025 إلى 3% من 2.7%.
- النمو الاقتصادي: خفضوا توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025 إلى 1.4% من 1.7%.
- البطالة: توقعوا معدل بطالة يبلغ 4.5% بحلول نهاية العام، بزيادة طفيفة عن تقديراتهم السابقة.
تعكس هذه التوقعات الوضع الشائك الذي يواجهه صانعو السياسة في الفيدرالي الأمريكي. فزيادة الضغوط التضخمية تتطلب عادة من سياسة الفيدرالي أن تكبح الاقتصاد بأسعار فائدة مرتفعة، بينما يُطالب ضعف النمو بالتحفيز من خلال أسعار فائدة منخفضة. وقد دفع ترامب هذا العام مرارًا الفيدرالي الأمريكي لخفض أسعار الفائدة، مُجادلاً بأن البنك المركزي تحت قيادة باول غالبًا ما تأخر في تعديل سياسته.
التعريفات الجمركية وصراع الشرق الأوسط
يُشير محضر الاجتماع إلى أن “المشاركين اتفقوا على أنه على الرغم من أن عدم اليقين بشأن التضخم والتوقعات الاقتصادية قد تراجع، إلا أنه لا يزال من المناسب اتباع نهج حذر في تعديل السياسة النقدية”. كما أشار المسؤولون إلى أنهم “قد يواجهون مفاضلات صعبة إذا ثبت أن التضخم المرتفع أكثر استمرارًا بينما تضعف آفاق التوظيف”. في هذه الحالة، قالوا إنهم سَيُوازنون بين أي جانب بعيد عن هدفه في صياغة السياسة.
منذ الاجتماع، واصل ترامب المفاوضات مع شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة، مع تغير “أرضية التعريفات الجمركية” بشكل شبه يومي. وقد أعلن ترامب في البداية عن تعريفات جمركية في 2 أبريل، ثم غيّر المواعيد النهائية للاتفاقيات، وفي الآونة الأخيرة، بدأ في إرسال سلسلة من الرسائل إلى القادة الأجانب يُخطرهم برسوم وشيكة إذا لم يتصرفوا.
تُشير البيانات الأخيرة إلى أن تعريفات ترامب لم تُؤثر في الأسعار بشكل كبير، على الأقل على نطاق واسع. فقد أظهر مؤشر أسعار المستهلك زيادة بنسبة 0.1% فقط في مايو. وبينما لا تزال مقاييس التضخم بمعظمها فوق هدف 2% للفيدرالي الأمريكي، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الجمهور يزداد خوفًا من التضخم على المدى الطويل.
سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي
في الوقت نفسه، تباطأت مكاسب الوظائف بشكل كبير، على الرغم من أن معدل نمو الرواتب غير الزراعية قد فاجأ الاقتصاديين باستمرار. فقد أظهر يونيو زيادة بلغت 147 ألف وظيفة، مقابل توقعات إجماع بلغت 110 آلاف وظيفة، بينما انخفض معدل البطالة بشكل غير متوقع إلى 4.1%.
وفي المقابل، تباطأ الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير. فقد تراجعت النفقات الشخصية بنسبة 0.1% في مايو، بينما انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 0.9%.
وأكد المسؤولون أيضًا أنهم حريصون على الحماية من احتمال أن تُؤدي زيادات الأسعار المدفوعة بالتعريفات إلى تضخم أكثر استمرارية. وقد أظهرت بيانات مسح جامعة ميشيغان ارتفاعًا في توقعات الأمريكيين للتضخم المستقبلي. وقد أقر المسؤولون بهذا التطور، لكنهم جادلوا بشكل عام بأن التوقعات على المدى الطويل لا تزال تحت السيطرة.
ختاما يظهر محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي انقسامات عميقة بين صانعي السياسة حول مسار أسعار الفائدة في ظل وضع اقتصادي معقد. فبينما يرى معظمهم تخفيضات محتملة هذا العام، تختلف الآراء حول توقيتها وعددها، مدفوعةً بالموازنة بين مخاطر التضخم المرتبطة بالتعريفات الجمركية وصراع الشرق الأوسط، وعلامات التباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي رغم قوة سوق العمل المفاجئة. يلتزم الفيدرالي الأمريكي بنهج حذر ويعتمد على البيانات، مع ترقب المستثمرين لأي إشارات جديدة تُحدد اتجاه السياسة النقدية في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا…