تحليلاتتحليل الدولار الأمريكيتحليل فوركس

الدولار الأمريكي يسجل أسوأ نصف عام له في أكثر من 50 عامًا: هل يستمر التراجع؟

شهد الدولار الأمريكي، الذي يُعتبر العملة العالمية المهيمنة، تراجعًا ملحوظًا هذا العام، ويبدو أن تعافيه ليس وشيكًا. فقد أدت اضطرابات السوق في أبريل إلى دفع المستثمرين العالميين للبحث عن فرص خارج الولايات المتحدة، وهو اتجاه استمر حتى مع وصول الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية. سجل الدولار الأمريكي أسوأ أداء له في النصف الأول من العام منذ عام 1973، وفقًا لـ “دويتشه بنك”، حيث انخفض بنسبة 10% مقابل سلة من العملات الأجنبية.

يُمثل هذا تحولًا كبيرًا عن عقود من الارتفاع المستمر لـ الدولار الأمريكي، عندما كان المستثمرون العالميون يستخدمونه لزيادة حيازاتهم من الأسهم والسندات الأمريكية. لكن هذا التراجع لا يعني نهاية هيمنة الدولار التي دامت عقودًا في الأسواق العالمية، كما تكهن البعض في أبريل. فمكانة الدولار كعملة عالمية رئيسية لا تزال قوية، حتى لو تأثرت سمعته قليلاً.

يُعلق إد الحُسيني، استراتيجي أسعار الفائدة العالمية في “كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس”، قائلاً: “هل الدولار معرض لخسارة مكانته كعملة احتياطية؟ الإجابة هي: لا على الإطلاق. لا يوجد بديل. لا توجد عملة أخرى. لا يوجد تغيير في السلوك هذا العام يُبرر هذه الرؤية”.

لماذا قد يواجه الدولار الأمريكي المزيد من الضعف؟

لطالما كان المستثمرون العالميون – من صناديق التقاعد الآسيوية إلى مديري الأصول الأوروبيين – يُفرطون في تخصيص استثماراتهم للأصول الأمريكية (أي كانوا يُركزون عليها بشكل كبير). ولكن الآن، بدأ البعض يقلل من شراء الأصول الأمريكية أو يُحصّن نفسه من المزيد من ضعف الدولار عن طريق الرهان ضده. وقد أظهر تقرير صادر عن بنك التسويات الدولية أن هذه التحركات الأخيرة ساهمت بشكل كبير في متاعب الدولار هذا الربيع.

ويرى آدم سلاتر، كبير الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس”، أن ضعف الدولار قد يستمر حتى عام 2027، مع تباطؤ النمو الأمريكي واقتراب سوق الأسهم الأمريكي القوي من مستويات الأسواق الأخرى. وكتب سلاتر: “اختفاء الفروق الكبيرة في النمو وسوق الأسهم سيُضعف مبررات الاستثمار في الولايات المتحدة”، مما سيؤدي إلى انخفاض تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة.

قد يُؤدي تباطؤ النمو أيضًا إلى دفع الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، مما سيُشكل ضغطًا إضافيًا على الدولار. هذا لأن السندات الأمريكية ستُقدم عوائد فائدة أقل، مما يجعلها أقل جاذبية ويُعطي المستثمرين سببًا للبحث عن عوائد أفضل في أماكن أخرى.

ويُشير كريت توماس، استراتيجي الأسواق العالمية في “تاتشستون إنفستمنتس”، إلى أن بعض المستثمرين يزدادون حذرًا من صناعة السياسات المتقلبة. فقد أدت تعريفات ترامب الجمركية المتذبذبة، وهجماته على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وارتفاع العجز الأمريكي، كلها إلى “خلق بعض عدم الثقة” في الأسواق، وفقًا لتوماس. ويقول: “الثقة تأتي سيرًا على الأقدام وتغادر على صهوة جواد”.

وقد يُستعيد الدولار زخمه إذا تراجعت التوترات التجارية. لكن توماس يقول إنه يجد صعوبة في “وضع قصة تُشير إلى أن الدولار سيبدأ في الارتفاع”.

هل يوجد ما هو أفضل من الدولار؟

الخبر الجيد للدولار الأمريكي هو أن المخاوف من أن تتجاوزه عملة منافسة كانت مبالغًا فيها. كتب إد يارديني، خبير اقتصادي ورئيس “يارديني ريسيرش”، في مذكرة لعملائه: “قد يكون الدولار غير مثالي، لكن تاجه لا يزال آمنًا”.

ويُشير يارديني إلى أن الولايات المتحدة تُقدم “شفافية، وسيولة، وإطار عمل سياسيًا موثوقًا به”، وأنه “لا يوجد بديل حقيقي حتى الآن” للدولار الأمريكي.

فعلى سبيل المثال، يُعد سوق السندات الأمريكي ضخمًا، مما يمنح المستثمرين العالميين طريقة سهلة لوضع أموالهم وكسب الفائدة. فحجمه يفوق بكثير أسواق السندات في الصين واليابان، ويهيمن بشكل أكبر على أسواق السندات الفرنسية والألمانية والإيطالية.

وقد أظهر مسح حديث لمسؤولي البنوك المركزية حول العالم، الذين يحتفظون بكميات هائلة من الدولارات، نتائج متباينة للعملة الخضراء. فقد تُنوع العديد من البنوك المركزية حيازاتها وتتجه بشكل أكبر نحو اليورو، واليوان الصيني، والذهب.

ولكن هذا التحول هو “تنويع وليس تخليًا عن الدولار”، وفقًا لـ “منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية” (OMFIF)، الذي يُجري المسح السنوي. فقد صرح أكثر من 80% من البنوك المركزية أن الدولار “لا يزال يوفر الأمان والسيولة”، وتتوقع الغالبية العظمى أن دوره المهيمن سيستمر خلال العقد المقبل.

وختامًا، قال OMFIF: “على الرغم من التساؤلات المطروحة حول أسس النظام المالي القائم على الدولار، إلا أنها لا تزال قائمة في الوقت الحالي”.

في النهاية يُواجه الدولار الأمريكي ضغوطًا كبيرة تدفعه نحو التراجع، مسجلاً أسوأ أداء له في النصف الأول من العام منذ عقود. هذه الضغوط ناتجة عن تحول في سلوك المستثمرين العالميين الذين يقللون من حيازاتهم للأصول الأمريكية، وتباطؤ النمو المتوقع في الولايات المتحدة، وسياسات ترامب التجارية المتقلبة التي تُثير عدم الثقة. ومع أن مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية لا تزال راسخة في غياب بديل حقيقي، فإن مساره في الفترة المقبلة يُشير إلى استمرار الضعف ما لم تظهر عوامل جديدة تُعزز من جاذبيته.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى