تعلم التداول والاستثمار في الذهبتعلم التداول

العوامل الجيوسياسية وعلاقة الذهب بالاستقرار العالمي

عدم الاستقرار السياسي والصراعات والتهديدات العالمية تؤثر بشكل كبير على رفع أسعار الذهب، ولكن يصعب قياس كيفية تأثيرها على الذهب بشكل كمي مقارنة بالعوامل الأخرى للذهب، نظراً لاختلاف تأثير كل عامل من العوامل الجيوسياسية على تحركات الذهب.

يقصد بالعوامل الجيوسياسية على أنها المخاطر السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تؤثر على دولة أو منطقة معينة، ولكن قد يمتد نطاقها بشكل أوسع بكثير. كما تشمل العوامل الجيوسياسية الصراعات العسكرية، والحروب الأهلية، والهجمات الإرهابية، وأعمال الشغب، والحواجز التجارية، والعقوبات، وما إلى ذلك.

هناك العديد من الأحداث الجيوسياسية التي يمكنها أن تعمل على التأثير على أسواق الذهب العالمي:

الاضطرابات السياسية والاقتصادية: ويقصد بها الاضطرابات السياسية والانقلابات الحكومية التي تؤثر على النواحي الاقتصادية بشكل سلبي كبير، وتشمل أيضاً الاضطرابات الاجتماعية، والأزمات المتعلقة بالاقتصاد والعقوبات الاقتصادية المفروضة على الدولة. بالإضافة إلى التوترات التجارية بين الدول الكبرى مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

خاضت الولايات المتحدة الأمريكية ضد الصين حرب تجارية عنيفة وصلت ذروتها في عام 2018، حيث تبادل أكبر اقتصادية في العالمي فرض الرسوم الجمركية المرتفعة على واردات كل منهما للآخر، وذلك على بضائع تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

ظلت الاتهامات من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الصين بأنها تمارس سياسيات وممارسات تجاري غير عادلة من خلال الحفاظ على عملتها منخفضة القيمة، بالإضافة إلى استمراراها في سرقة حقوق الملكية الفكرية من الشركات الأمريكية.

وفي المقابل اتهمت الصين الولايات المتحدة أنها تحاول الحد من نمو اقتصادها وازدهار الشركات الصينية من أجل العمل على احتكار العديد من مجالات التجارة والتكنولوجيا عالمياً.

حاربت الولايات المتحدة البضائع الصينية من خلال تشجيع المستهلكين على شراء البضائع الأمريكية وتخفيف الضرائب على الشركات الأمريكية لتسهيل العمليات التجارية داخل البلاد، في المقابل رفعت الضرائب والرسوم الجمركية على البضائع الصينية والأجنبية لجعل البضائع المستوردة من الخارج أغلى ثمنا.

الحرب التجارية بين الصين و أمريكا
الحرب التجارية بين الصين و أمريكا

وقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على نحو 250 مليار دولار من البضائع الصينية، وفي المقابل قامت الصين بفرض رسومٍ على بضائع بمقدار 110 مليار دولار من المنتجات الأمريكية. حيث فرضت واشنطن رسوم تصل إلى 25% على سلة كبيرة من السلع الصينية، لتقوم بكين بفرض رسوم من 5 إلى 25% على سلع أمريكية منها المواد الكيميائية والفحم والمعدات الطبية.

خلال الفترة من سبتمبر عام 2018 إلى بداية عام 2020 ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 33% بسبب أزمة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يلعب الذهب دور الملاذ الآمن في أوقات التوترات السياسية والتجارية.

الحروب والنزاعات الجيوسياسية: وتمثل الحروب الإقليمية والدولية والصراعات العسكرية والحدودية، والتي تعمل على ضبابية المشهد الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول لتزداد التوترات بشكل كبير.

في الربع الأول من عام 2022 اجتاحت روسيا الأراضي الأوكرانية لتبدأ صراع ممتد حتى الآن، الأمر الذي أثر بشكل كبير على أسعار النفط والغاز وأدى إلى تقلبات في الأسواق المالية وتباطؤ في معدل النمو العالمي.

الحرب الروسية الأوكرانية بشكل عام كان لها تأثير سلبي على استقرار الاقتصادي العالمي، حيث تراجعت الثقة في الاقتصاد وتراجعت الاستثمارات والنشاط التجاري، لينتج عن هذا تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة حدة التوترات المالية.

كان لهذا الصراع تأثير كبير على أسواق الذهب العالمي حيث تسبب في زيادة الطلب على المعدن النفيس كملاذ آمن لحماية الأموال والاستثمارات. وفي مارس 2022 ارتفع الذهب وسجل أعلى مستوى منذ أغسطس 2020 عند 2070 دولار للأونصة، قبل أن يبدأ في الانخفاض بعدها متأثراً بسياسة البنك الفيدرالي المتشددة وعمليات رفع الفائدة المستمرة.

وبالرغم من انخفاض سعر الذهب في الشهور التالية إلا أن الطلب على المعدن النفيس استمر عند مستويات قياسية، فقد تسببت الحرب في أزمة ثقة كبيرة لدى جميع البنوك المركزية العالمية، ونتج عن هذا تسجيل مستويات قياسية في شراء الذهب وزيادة الاحتياطي لدى هذه البنوك.

مجلس الذهب العالمي أظهر أن الطلب السنوي على الذهب خلال عام 2022 ارتفع بنسبة تخطت 18% مقارنة مع العام السابق ووصل إجمالي الطلب إلى 4841 طن وهو أعلى مستوى من الطلب منذ عام 2011، بينما شهد الربع الأخير من 2022 مشتريات قياسية من الذهب في ربع سنوي واحد.

الطلب على الذهب في 2022
الطلب على الذهب في 2022

الطلب المرتفع على الذهب جاء مدعوماً بعمليات الشراء الضخمة من قبل البنوك المركزية التي كانت تتحوط ضد موجة التضخم العنيفة التي ضربت العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وعمليات ضخ السيولة النقدية بسبب أزمة كورونا، مما دفع البنوك المركزية إلى زيادة احتياطيها من الذهب.

الطلب من قبل البنوك المركزية وحدها على شراء الذهب في 2022 تضاعف ليصل إلى 1136 طن بعد أن كان بقيمة 450 طن في 2021، ليسجل بهذا رقم قياسي في شراء البنوك للذهب منذ 55 عام.

فقد شهد الربع الرابع وحده من 2022 مشتريات من البنوك المركزية بمقدار 417 طن وبذلك ارتفع الإجمالي للنصف الثاني من عام 2022 إلى أكثر من 800 طناً.

مشتريات البنوك المركزية من الذهب
مشتريات البنوك المركزية من الذهب

ثم في أكتوبر عام 2023 بدأت الحرب على غزة في خطف الأضواء من الحرب الروسية الأوكرانية ليتسبب في توترات على المستوى الإقليمي والعالمي بسبب أهمية منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على الاقتصاد العالمي بسبب غناها بالنفط والغاز الطبيعي بالإضافة إلى تحكمها على ممرات مائية هامة مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز.

الاضطرابات دفعت المستثمرين إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن، ونتيجة لهذا ارتفع سعر الذهب خلال شهر أكتوبر وحده بنسبة 7.3% ليربح أكثر من 170 دولار قبل أن يستكمل رحلة الصعود خلال شهري نوفمبر وديسمبر ويسجل أعلى مستوى في تاريخ الذهب عند 2148 دولار للأونصة في 4 ديسمبر 2023.

أزمات الديون

أزمات الديون لها صور عديدة ولكن أبرز صورها هي عدم قدرة دخل الدولة على مواجهة التزاماتها، الأمر الذي يدفع الدولة إلى الاستدانة سواء من الداخل أو من الخارج. فالتزامات الدولة التي تتخطى إيراداتها يمثل عجز يتراكم بمرور الوقت ليصبح أزمة دين تواجه الدولة.

يشبه هذا ما حدث مع الحكومة الأميركية خلال عام 2023 حيث تنفق الولايات المتحدة بمعدلات تفوق إيراداتها، إلى أن بلغ العجز 31.7 تريليون دولار منتصف هذا شهر مايو 2023. إلا أن الولايات المتحدة لها وضع مختلف لأنها تمتلك وتطبع الدولار الذي يعد العملة الاحتياطية العالمية، وذلك يساعدها على تحمل الديون بتكلفة أرخص من الدول الأخرى.

تضع الولايات المتحدة سقف للمبالغ التي يمكنها اقتراضها وهو يختلف عن باقي دول العالم المتقدم، ولابد أن يرفع المشرعون سقف الدين بشكل دوري، لأن الحكومة تنفق أكثر مما تجني من المال. ولا يمكن للحكومة الأمريكية أن تتخطى سقف الدين الذي يحدده الكونجرس.

أزمات الديون خاصة المتعلقة بالولايات المتحدة الأمريكية يكون لها تأثير كبير على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي بشكل عام، لأن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها والتزاماتها يؤدي إلى فزع المستثمرين حول العالم.

إذا فقد المستثمرين الثقة في الديون الأمريكية صاحبة أقوى تصنيف ائتماني فسيقومون بالانسحاب من الأسواق المالية بشكل عام ما يخلق أزمة في توفير السيولة النقدية لسداد المستثمرين أموالهم.

أيضاً سيعمل هذا على تباطؤ النمو في الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير ما سيشكل كارثة للاقتصاد الأمريكي ستنتقل سريعاً إلى الاقتصاد العالمي.

الذهب ينشط في هذه الأزمات بشكل كبير لأنه يعد الملاذ الآمن للمستثمرين والأسواق، ولأن المستثمرين يقومون بالخروج من الاستثمارات الخطرة مثل الأسهم لصالح الاستثمار في الذهب الذي يحمي أموالهم أثناء فترات الأزمات مثل أزمة الديون.

والآن بعد أن تعرفنا على أهم المخاطر الجيوسياسية، سنتعرف على تأثير الأحداث الجيوسياسية المختلفة على أسعار الذهب:

– عدم اليقين السياسي والاقتصادي المصاحب للمخاطر الجيوسياسية يزيد من القلق بين المستثمرين ويؤدي إلى انخفاض الثقة في الأصول الأخرى مرتفعة المخاطر مثل العملات والأسهم، وهنا يأتي الذهب ليلعب دور الملاذ الآمن لكونه يحفظ قيمة الأموال بالرغم من كونه لا يقدم عائد لحائزيه.

– تؤثر الأحداث الجيوسياسية على الطلب العالمي على الذهب حيث تعمل على زيادة الطلب عليه خلال فترات الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية، وبالطبع الطلب المتزايد على الذهب يزيد من ارتفاع أسعاره.

– تدفع الأحداث الجيوسياسية أسعار صرف العملات إلى التغير بشكل كبير فقد تنخفض قيمة عملات الدول المتورطة في هذه الأحداث الأمر الذي يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين وبالتالي يزيد من أسعاره.

– في حال تأثير الأحداث الجيوسياسية على مناطق تعدين الذهب الرئيسية فإن ذلك يؤثر بالسلب على المعروض من الذهب وبالتالي يدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع.

– قد تدفع الأحدث الجيوسياسية إلى فرض قيود على صادرات الذهب لبعض الدول المنتجة نتيجة تورطها في هذه الأحداث، مما يؤثر على المعروض العالمي من الذهب ويدفع الأسعار للارتفاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى