الأسهم الأمريكية تنهي الجلسة بارتفاع مدفوع بانتفاضة البيتكوين وصعود أسهم الذكاء الاصطناعي

الأسهم الأمريكية سجلت مكاسب واضحة في تداولات يوم الثلاثاء، مستعيدة جزءاً هاماً من الخسائر التي تكبدتها في الجلسة الافتتاحية للأسبوع، ومكسرة بذلك حالة “النفور من المخاطرة” التي سيطرت في بداية الأسبوع. جاء هذا الانتعاش مدعوماً بـ قفزة قوية في سعر البيتكوين الذي عاد ليتداول فوق مستوى 90,000 دولار، وبأداء لافت لأسهم قطاع التكنولوجيا التي تعد المحرك الرئيسي للنمو في السوق. يعكس هذا التحول تفاؤلاً متزايداً لدى المستثمرين، مدفوعاً بتحسن توقعات الأرباح للشركات الكبرى واحتمالية تحول السياسة النقدية الأمريكية نحو التيسير.
دلالات أداء مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية: التركيز على النمو
أظهرت المؤشرات الرئيسية الثلاثة في الأسهم الأمريكية مرونة ملحوظة بعد بداية أسبوع باهتة أنهت سلسلة مكاسب دامت خمسة أيام. ويعكس التوزيع النسبي للمكاسب التركيز المستمر لرأس المال على قطاعات النمو:
- مؤشر داو جونز الصناعي (Dow Jones Industrial Average): ارتفع بمقدار 185.13 نقطة، أو ما يعادل 0.39%، ليغلق عند مستوى 47,474.46. هذا الارتفاع يمثل دعماً من الشركات الصناعية والمالية الأكبر حجماً التي تمنح المؤشر استقراره.
- مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (S&P 500): صعد بنسبة 0.25%، ليختتم التداول عند 6,829.37. يمثل هذا المؤشر الأوسع نطاقاً بوصلة قوية لشهية المخاطرة العامة في السوق، وتأكيده للمكاسب يعكس انتشار التفاؤل على نطاعات أوسع.
- مؤشر ناسداك المركب (Nasdaq Composite): سجل أكبر المكاسب، متقدماً بنسبة 0.59% ليصل إلى 23,413.67. تُعد هيمنة ناسداك في الارتفاع دليلاً واضحاً على أن أسهم التكنولوجيا عالية النمو، التي تحمل تقييمات مرتفعة، هي التي تقود موجة الصعود الحالية.
على الرغم من الإغلاق الإيجابي، شهدت الجلسة تقلبات لافتة، حيث تراجع مؤشرا S&P 500 وداو جونز لفترة وجيزة إلى المنطقة السلبية قبل أن يعودا للصعود. وتشير هذه التقلبات الداخلية إلى استمرار حالة الحذر في السوق، حيث تتصارع المعنويات الإيجابية حول التكنولوجيا مع المخاوف القديمة المتعلقة بالتضخم المستمر وارتفاع تقييمات الشركات.
البيتكوين وأسهم التكنولوجيا: الأصول ذات المخاطر تقود الانتعاش
تُصنّف كل من البيتكوين وأسهم التكنولوجيا الأمريكية كـ “أصول ذات مخاطر عالية” في نظر المستثمرين، مما يفسر ترابط حركتها القوية. وقد عززت عودة شهية المخاطرة العلاقة الوثيقة بين البيتكوين (Bitcoin) ومؤشر ناسداك بشكل خاص.
شهدت عملة البيتكوين انتعاشاً قوياً بنحو 7% يوم الثلاثاء، لتسترد جزءاً كبيراً من خسائر اليوم السابق وتعود لتتداول بقوة فوق مستوى 90,000 دولار. يُفسر هذا الانتعاش السريع كإشارة مبكرة على عودة السيولة العالمية والتفاؤل في الأسواق، مما يعطي دفعة قوية للأصول التكنولوجية.
في موازاة ذلك، واصلت شركات التكنولوجيا المرتبطة بطفرة الذكاء الاصطناعي (AI) دعمها للسوق الأوسع. تُمثل هذه الأسهم مؤشراً رئيسياً لاستثمارات الشركات في المستقبل. فقد ارتفعت أسهم شركة إنفيديا (Nvidia)، التي تُعتبر قاطرة الرقائق المخصصة للذكاء الاصطناعي، بما يقارب 1%. والأكثر لفتاً كان قفزة سهم شركة كريدو تكنولوجي (Credo Technology)، المتخصصة في البنية التحتية لشبكات الذكاء الاصطناعي، بنسبة 10%، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق بفضل أرباح فاقت التوقعات. وتؤكد هذه الأرباح القوية استمرار الإنفاق الرأسمالي الضخم على بناء الأنظمة اللازمة لنمو الذكاء الاصطناعي، مما يوفر محفزات نمو مستدامة للأسهم الأمريكية في هذا القطاع.
تحول التوقعات الفيدرالية والميول الموسمية لصالح الأسهم
يبدو أن المستثمرين يركزون بشكل متزايد على المحفزات المستقبلية، متجاوزين حالة “الركود الاقتصادي الطفيف” الذي شهده السوق مؤخراً. المحفز الأهم هو التحول الكبير في توقعات السياسة النقدية.
يتزايد التفاؤل بين المتعاملين بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيلجأ إلى خفض سعر الفائدة في نهاية اجتماعه المقرر الأسبوع المقبل. وتُسعِّر الأسواق حالياً احتمالاً مرتفعاً يصل إلى 89% لهذا الخفض وفقاً لأداة CME FedWatch. هذا الارتفاع في الاحتمالات مقارنة بمنتصف نوفمبر يقلل بشكل كبير من حالة عدم اليقين المتعلقة بأسعار الفائدة، ويشجع على عودة رأس المال إلى أسهم النمو والتكنولوجيا التي تزدهر عادةً في بيئات أسعار الفائدة المنخفضة.
وكما أشار دوغ بيث، خبير استراتيجية الأسهم العالمية في معهد ويلز فارجو للاستثمار، فإن الأسواق بدأت “تتطلع إلى ما هو أبعد من الركود الاقتصادي الطفيف الذي نمر به حالياً، نحو تسارع النمو في وقت لاحق من العام المقبل”. هذا التطلع يعني أن المستثمرين أصبحوا أكثر استعداداً لتجاهل المخاطر الحالية، مثل التقييمات المرتفعة لأسهم التكنولوجيا ومخاوف التضخم المستمرة، والتركيز بدلاً من ذلك على أرباح الشركات المتوقعة للعام 2026.
بالإضافة إلى العوامل النقدية والاقتصادية، تلعب الميول الموسمية دوراً داعماً. شهر ديسمبر له سمعة تاريخية ممتازة في أسواق المال، حيث يعد ثالث أفضل شهر أداءً لمؤشر S&P 500 بمتوسط مكاسب يتجاوز 1%، وفقاً لسجلات تعود إلى عام 1950. هذه العوامل مجتمعة تشير إلى أن الأسهم الأمريكية قد تكون على موعد مع “تجمع نهاية العام” (Santa Rally) التقليدي، مدعومة بقوة التكنولوجيا والتفاؤل بالتيسير النقدي.
اقرأ أيضا…



