أخبار الأسواقأسهم أمريكيةأسهم

هبوط حاد في الأسهم الأمريكية: مؤشر S&P 500 يسجل أطول سلسلة تراجعات منذ أغسطس

شهدت الأسهم الأمريكية يوم ثلاثاء آخر من التراجعات الحادة، مدفوعة بضغوط مستمرة على أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة، وتزايد المخاوف بشأن تقييمات الأسهم المرتبطة بقطاع الذكاء الاصطناعي (AI). وقد سجّل مؤشر S&P 500 أطول سلسلة خسائر له منذ شهر أغسطس الماضي، مما يشير إلى تحوّل ملموس في شهية المخاطرة لدى المستثمرين في وول ستريت. تأتي هذه الموجة البيعية في وقت تترقب فيه الأسواق بقلق الإشارات الاقتصادية القادمة، خاصة فيما يتعلق بمسار التضخم وأسعار الفائدة، مما يضيف طبقة من الحذر إلى قرارات البيع والشراء اليومية.

خسائر تقترب من 500 نقطة لمؤشر داو جونز

أغلقت المؤشرات الرئيسية على انخفاض، حيث فقد مؤشر داو جونز الصناعي 498.50 نقطة، أي ما يعادل 1.07%، ليستقر عند 46,091.74 نقطة. أما مؤشر S&P 500، فقد تراجع بنسبة 0.83% ليغلق عند 6,617.32 نقطة، مسجلاً بذلك جلسته الرابعة على التوالي من الخسارة.

يُعد هذا التراجع الأطول للمؤشر منذ فترة التباطؤ التي شهدها السوق في صيف أغسطس، حيث بدأت المؤشرات تفقد زخم الارتفاع القوي الذي اعتمد بشكل شبه كامل على تفاؤل الذكاء الاصطناعي. هذا التراجع المتتالي يثير التساؤلات حول ما إذا كان السوق قد وصل إلى نقطة انعطاف بعد تسجيل مستويات قياسية في وقت سابق من العام. كما انخفض مؤشر ناسداك المركب، الذي يغلب عليه أسهم التكنولوجيا، بنسبة 1.21% ليختتم اليوم عند 22,432.85 نقطة. وخلال أدنى مستويات الجلسة، وصل الهبوط في مؤشر داو جونز إلى ما يقرب من 700 نقطة.

الضغط يتزايد على أسهم الذكاء الاصطناعي

جاءت التحركات السلبية لهذا اليوم بضغط كبير من أسهم التكنولوجيا التي تقودها شركة “إنفيديا” (Nvidia)، الرائدة في مجال شرائح الذكاء الاصطناعي، والتي تراجعت بنسبة 3% تقريباً. وترافقت معها أسهم شركات “السبعة العظماء” الأخرى، حيث انخفض سهم “أمازون” بأكثر من 4%، في حين تراجع سهم “مايكروسوفت” بنحو 3%. تشكّل هذه المجموعة، المعروفة باسم “السبعة العظماء”، ثقلاً مهماً وكبيراً في مؤشرات السوق، خاصة مؤشر S&P 500 وناسداك، مما يعني أن أي تراجع جماعي لها يترجم فوراً إلى خسائر واسعة النطاق في السوق ككل، حتى لو كانت القطاعات الأخرى مستقرة نسبياً.

وتعتبر شركة إنفيديا في قلب العاصفة، حيث تراجع سهمها بأكثر من 10% خلال هذا الشهر وحده، قبيل إعلان نتائج الربع الثالث المقرر بعد إغلاق يوم الأربعاء. تتعلق المخاوف بشأن تقييمات أسهم التكنولوجيا بارتفاع مضاعفات الربحية (P/E Ratios) لهذه الشركات بشكل كبير مقارنة بالمتوسطات التاريخية، مما يشير إلى أن المستثمرين يضعون توقعات نمو هائلة في المستقبل. ومع تزايد إصدارات الديون من قبل عمالقة التكنولوجيا لتمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي، يزداد القلق بشأن ما إذا كانت هذه الأرباح المستقبلية الموعودة ستتحقق بالسرعة الكافية لتبرير التقييمات الحالية.

ويُنظر إلى نتائج إنفيديا القادمة على أنها اختبار حاسم للثقة في استدامة الثورة التكنولوجية الحالية. فهي ليست مجرد شركة رقائق، بل هي المعيار الذي يقيس عليه المستثمرون الطلب الفعلي على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. أي إشارة إلى تباطؤ في الإنفاق الرأسمالي (Capex) على شرائحها قد يزعزع الثقة في إمكانية تحقيق الأرباح السريعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي على المدى القريب، على الرغم من قوة موسم الأرباح بشكل عام.

ويرى كبير استراتيجيي الاستثمار في CFRA، سام ستوفال، أن مؤشر S&P 500 قد يشهد انخفاضاً يصل إلى 8% أو 9% قبل أن يستقر. وأشار ستوفال إلى أن أي نتائج “متفائلة للغاية” من إنفيديا، مصحوبة ببيانات توظيف “ضعيفة ولكن لا تشير إلى ركود”، قد تساهم في تهدئة أعصاب المستثمرين. ومع ذلك، يظل السؤال الحقيقي هو: “متى سنقوم بتحقيق الأرباح من كل هذا الإنفاق الرأسمالي (Capex)؟”، وهي عملية لا يُتوقع أن تحدث قريباً جداً.

تراجع شهية المخاطرة ورسالة البيتكوين وصفقات الذكاء الاصطناعي

لم يقتصر التراجع على أسهم التكنولوجيا فحسب؛ بل تزامنت هذه الخسائر مع انخفاض سعر عملة البيتكوين لفترة وجيزة إلى ما دون 90,000 دولار قبل أن تتعافى. ويعتبر هذا الانخفاض إشارة واضحة إلى تراجع شهية المخاطرة بين المستثمرين، إذ يمتلك العديد من المستثمرين في التكنولوجيا أيضاً محافظ كبيرة من العملات المشفرة. غالباً ما تُعتبر البيتكوين مؤشراً حساساً لـ “المخاطرة السائدة” في السوق، حيث يميل المستثمرون إلى سحب رؤوس أموالهم من الأصول ذات المخاطر العالية في أوقات عدم اليقين. وصول البيتكوين إلى ما دون مستوى 90,000 دولار أرسل رسالة فورية إلى المتداولين تفيد بتقلص الرغبة في المجازفة.

ومن المفارقات أن إعلاناً عن شراكة ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي بين شركة “أنثروبيك” (Anthropic) التي ستنفق 30 مليار دولار مع “مايكروسوفت”، واستثمار الأخيرة و”إنفيديا” لمليارات الدولارات في أنثروبيك، فشل في رفع أسهم الشركات المعنية، بل ظل سهمي إنفيديا ومايكروسوفت في المنطقة الحمراء. على عكس الصفقات المماثلة التي كانت تطلق شرارة الارتفاعات في الماضي، يشير رد فعل السوق الفاتر تجاه صفقة “أنثروبيك” إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر تركيزاً على الأساسيات والربحية الفورية بدلاً من إعلانات الشراكات المستقبلية. يبدو أن الأسواق أصبحت تشعر بأن الكثير من الأخبار الجيدة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي قد تم “تسعيرها” بالفعل، وأنها الآن بحاجة إلى رؤية دليل ملموس على تحويل الإنفاق إلى تدفقات نقدية فعلية للشركات.

كما تراجعت أسهم “هوم ديبوت” (Home Depot) خارج قطاع التكنولوجيا، بعد أن سجلت نتائج مخيبة للآمال وخفضت توقعاتها للعام بأكمله.

ويشير المحللون إلى أن السوق يمر بـ “هضم طبيعي للمكاسب” في هذه المرحلة، وأن المستثمرين بدأوا يتساءلون عن مدى صحة الأساسيات الحالية. لذلك، فإن الفترة القادمة تتطلب من المستثمرين التحلي بالصبر ومراقبة إشارات الاقتصاد الكلي، بالإضافة إلى نتائج إنفيديا وبيانات التوظيف. إن العودة إلى مسار النمو المستدام في الأسهم الأمريكية لن تتحقق إلا عبر دليل واضح على أن النمو التكنولوجي السريع مدعوم بأساسيات اقتصادية قوية وبيانات تبرر هذه التقييمات المرتفعة، وإلا فقد يستمر هذا التصحيح حتى تتوازن القيمة مع السعر.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى