أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

تراجع أسعار الذهب لأدنى مستوى في أسبوع مع تقلص رهانات خفض الفائدة الأمريكية

شهدت أسعار الذهب تراجعاً ملحوظاً لتصل إلى أدنى مستوياتها في أكثر من أسبوع خلال تعاملات الثلاثاء، متأثرة بتلاشي الرهانات القوية التي عقدتها الأسواق سابقاً حول إقدام مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) على خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل. يأتي هذا التراجع وسط حالة من الضبابية والترقب لبيانات اقتصادية أمريكية هامة تأخر صدورها، مما يلقي بظلاله الثقيلة على معنويات المستثمرين ويدفعهم نحو إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية بعيداً عن الأصول التي لا تدر عائداً.

أداء السوق: أسعار الذهب تحت الضغط البيعي

انخفضت أسعار الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.1% لتسجل 4,041.54 دولار للأونصة بحلول الساعة 10:27 بتوقيت جرينتش، وذلك بعد أن لامست أدنى مستوى لها منذ 10 نوفمبر في وقت سابق من الجلسة، وهو ما يشير إلى اختبار المعدن لمستويات دعم فنية حرجة قد تحدد مساره في الأيام المقبلة.

وعلى صعيد العقود الآجلة، تراجعت عقود الذهب في الولايات المتحدة (تسليم ديسمبر) بنسبة أكبر بلغت 0.8% لتستقر عند 4,040.30 دولار للأونصة. يعكس هذا الفارق في الهبوط بين العقود الفورية والآجلة ضغوطاً بيعية واضحة وتحوطاً من قبل المؤسسات المالية ناتجاً عن تغير التوقعات النقدية في الأسواق العالمية والمخاوف من استمرار السياسة التشددية لفترة أطول.

التحليل الاقتصادي: لماذا تراجعت أسعار الذهب؟

يرتبط انخفاض أسعار الذهب بشكل وثيق وآلي بالعلاقة العكسية مع أسعار الفائدة الأمريكية. الذهب، كأصل استثماري غير مدر للعائد (Non-yielding asset)، يفقد جاذبيته بشكل كبير في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة. عندما ترتفع الفائدة، تزداد “تكلفة الفرصة البديلة” (Opportunity Cost) للاحتفاظ بالذهب، حيث يفضل المستثمرون تحويل سيولتهم نحو السندات الحكومية وأذونات الخزانة التي تدر عوائد مضمونة، أو نحو الدولار الذي يزداد قوة.

وقد عكست أداة “FedWatch” التابعة لمجموعة CME هذا التحول الجوهري في معنويات السوق، حيث قام المتداولون بتقليص رهاناتهم وتوقعاتهم بشأن خفض سعر الفائدة الشهر المقبل بشكل حاد لتصل إلى ما يزيد قليلاً عن 46%، انخفاضاً من 67% التي كانت مسجلة الأسبوع الماضي، مما سحب البساط من تحت أقدام المضاربين على الصعود.

وفي تعليق له يوضح هذا التحول، قال جيوفاني ستونوفو، المحلل الاستراتيجي لدى بنك UBS:

“يقوم المشاركون في السوق بإعادة تسعير خفض الفائدة الأمريكية وتعديل مراكزهم المالية عقب تعليقات أكثر تشدداً (Hawkish) من مسؤولي الفيدرالي، مما يضغط على الأصول الذهبية.”

تصريحات الفيدرالي وتداعيات الإغلاق الحكومي

كان للإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، الذي انتهى الأسبوع الماضي، أثر سلبي عميق تمثل في توقف إصدار البيانات الاقتصادية الرسمية الحيوية، مما ترك صناع السياسة في الفيدرالي والمتداولين في وول ستريت في حالة من “العمى المؤقت” قبل اجتماع السياسة النقدية الحاسم الشهر المقبل. غياب هذه البيانات يعني غياب البوصلة التي توجه قرارات الفائدة.

ورغم أن المتداولين كانوا يأملون أن يدعم استئناف تدفق البيانات مبررات خفض الفائدة في ديسمبر لإنعاش الاقتصاد، إلا أن هذه الآمال تبددت بسرعة بعد تصريحات حذرة من مسؤولي الفيدرالي الذين فضلوا جانب الحيطة. فقد صرح فيليب جيفرسون، نائب رئيس الفيدرالي، يوم الاثنين بلهجة حازمة بأن البنك المركزي بحاجة إلى “المضي ببطء” وحذر شديد فيما يتعلق بمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة لضمان عدم عودة التضخم، وهو ما فسرته الأسواق على أنه إشارة لتثبيت الفائدة أو خفضها بوتيرة أقل من المتوقع.

نظرة مستقبلية: هل يمثل الهبوط فرصة للشراء؟

على الرغم من الضغوط البيعية الحالية، لا يزال بعض المحللين والمؤسسات المالية يحتفظون بنظرة إيجابية للمعدن الأصفر على المدى الطويل والمتوسط. يرى هؤلاء أن العوامل الأساسية لا تزال تدعم الذهب كملاذ آمن. وأضاف ستونوفو (UBS) موضحاً هذه النظرة:

“أتوقع أن تصل أسعار الذهب إلى القاع قريباً لتبدأ رحلة الصعود، حيث لا أزال أرى أن الفيدرالي سيضطر لخفض الفائدة عدة مرات خلال الأرباع القادمة لدعم النمو، كما أن استمرار البنوك المركزية العالمية في تنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار وشراء الذهب لا يزال قوياً ويوفر دعماً للأسعار.”

من جانبه، قدم كارستن مينكه، المحلل لدى جوليوس باير، رؤية تتفق مع هذا الطرح قائلاً:

“ما زلنا نرى خلفية أساسية مواتية للذهب على المدى الطويل. الاقتصاد الأمريكي يواصل التباطؤ وتظهر عليه علامات الوهن، مما يعني أن أسعار الفائدة الأمريكية مهيأة للانخفاض في نهاية المطاف، وبالتالي يجب أن يضعف الدولار الأمريكي مما يعزز القوة الشرائية لحائزي العملات الأخرى ويدفع الذهب للصعود.”

محركات السوق القادمة: ما الذي يترقبه المستثمرون؟

تتجه الأنظار الآن بحذر نحو حدثين رئيسيين لتحديد مسار أسعار الذهب القادم، حيث ستكون البيانات هي الحكم الفصل:

  1. محضر اجتماع الفيدرالي: المنتظر صدوره يوم الأربعاء، والذي سيبحث فيه المستثمرون بين السطور عن أي إشارات حول مدى انقسام الأعضاء أو اتفاقهم بشأن مستقبل السياسة النقدية.
  2. بيانات الوظائف غير الزراعية (Non-farm Payrolls): المقرر صدورها يوم الخميس. تعتبر هذه البيانات مؤشراً حيوياً؛ فإذا جاءت الأرقام قوية، ستعزز حجة الفيدرالي لإبقاء الفائدة مرتفعة (سلبي للذهب)، أما إذا جاءت أضعف من التوقعات، فقد تعيد إحياء آمال خفض الفائدة (إيجابي للذهب).

أداء المعادن النفيسة الأخرى

في حين عانى الذهب من التراجع وتصدر المشهد، أظهرت سلة المعادن النفيسة الأخرى تبايناً مثيراً للاهتمام في الأداء، مدفوعة ربما بعوامل العرض والطلب الصناعي:

  • الفضة: خالفت الاتجاه وارتفعت في المعاملات الفورية بنسبة 0.4% لتصل إلى 50.38 دولار للأونصة، مستفيدة من طلب صناعي مرن.
  • البلاتين: صعد بنسبة 0.3% مسجلاً 1,537.55 دولار، محاولاً تعويض خسائر سابقة.
  • البلاديوم: حقق أفضل المكاسب بنسبة 0.6% ليصل إلى 1,400.69 دولار، مدعوماً بمخاوف نقص المعروض.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى