سهم جوجل يقفز بدعم من رهان بيركشاير هاثاواي الاستثنائي على ألفابت وتلاشي مخاوف الذكاء الاصطناعي

شهد سهم جوجل (Alphabet) قفزة لافتة في مستهل التداولات، حيث ارتفع بأكثر من 5.1% ليصل إلى 290.59 دولار في التعاملات المبكرة. جاء هذا الارتفاع الصاروخي عقب الكشف عن استحواذ عملاق الاستثمار بيركشاير هاثاواي، بقيادة الأسطورة وارن بافيت، على حصة كبيرة في الشركة الأم لعملاق البحث والتقنية. يمثل هذا التحرك الاستراتيجي المفاجئ تأييداً قوياً لقيمة ألفابت الجوهرية، كما يشير إلى تراجع ملحوظ في المخاوف المتعلقة بتآكل هيمنة محرك البحث لصالح بدائل الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ختم الموافقة من “بافيت”: استثمار استراتيجي بقيمة 4.3 مليار دولار
كشفت الإفصاحات التنظيمية، الجمعة، أن “بيركشاير هاثاواي” اشترت 17.8 مليون سهم من أسهم ألفابت خلال الربع الثالث، قُدّرت قيمتها بأكثر من 4.3 مليار دولار أمريكي بنهاية سبتمبر. يمثل هذا الاستثمار النادر في قطاع التكنولوجيا العملاقة تحت قيادة وارن بافيت دلالة عميقة:
أولاً: التحول عن الحذر والقيمة الجذابة: يُنظر إلى الصفقة على أنها تصويت بالثقة في ألفابت، خاصة وأن بافيت، المعروف بنهجه الاستثماري القائم على القيمة (Value Investing)، كان متردداً تاريخياً في الاستثمار في شركات التكنولوجيا المفرطة في التقييم والتي تتطلب تحديثاً مستمراً. ويرجع جاذبية ألفابت في نظر بافيت إلى الجمع بين توليد التدفقات النقدية الضخمة والبنية التحتية المهيمنة التي تشكل “خندقاً اقتصادياً” (Economic Moat) يصعب اختراقه، وهو مفهوم أساسي في فلسفة بيركشاير. إن التقييم الحالي لألفابت، خاصة بعد المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي ضغطت على سعر السهم، جعلها تفي بمعاييره للقيمة: شركة استثنائية بسعر عادل. إن نشر جزء كبير من سيولة بيركشاير النقدية، التي بلغت مستويات قياسية، في ألفابت، يؤكد أن بافيت وفريقه يرون أن هذا هو أحد الأماكن القليلة التي يمكن فيها الحصول على نمو مستدام بسعر معقول، متحدين بذلك قلقهم المعتاد بشأن تقييمات التكنولوجيا المرتفعة.
ثانياً: اعتراف متأخر: تعيد هذه الخطوة إلى الأذهان ندم بافيت وشريكه الراحل تشارلي مونجر في عام 2019 على عدم الاستثمار في سهم جوجل مبكراً، ما يشير إلى أنهم يرون الآن أن تقييم الشركة يوفر نقطة دخول جذابة. هذا الاعتراف المتأخر يُعد دليلاً على أن ألفابت لم تعد مجرد “شركة تقنية” سريعة التغير، بل أصبحت أصلاً أساسياً ومؤسسة إعلانية راسخة يمكن التنبؤ بتدفقاتها النقدية على المدى الطويل.
ثالثاً: التحرك الأخير لبافيت؟ قد يكون هذا الاستحواذ أحد آخر الاستثمارات الكبرى التي يشرف عليها بافيت قبل أن يتنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي لبيركشاير هاثاواي نهاية عام 2025، تاركاً دفة القيادة لغريغ أبيل. هذا يضفي أهمية إضافية على الصفقة كقرار استراتيجي يهدف إلى تأمين قيمة طويلة الأجل للمساهمين.
الذكاء الاصطناعي: من تهديد إلى محرك قيمة لسهم جوجل
كانت المخاوف بشأن قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT وPerplexity، على سحب حصة سوقية من محرك بحث جوجل هي السبب الرئيسي في بقاء سهم جوجل ضمن أرخص أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى تقييماً هذا العام (مقارنة بنسبة السعر إلى الأرباح).
لكن المعطيات تغيرت مؤخراً:
- تلاشي المخاوف وتكامل الذكاء الاصطناعي: يبدو أن قلق السوق قد تراجع، حيث لاحظ المحللون في وول ستريت أن ابتكارات جوجل الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي بدأت تدفع نحو زيادة في أعداد استفسارات البحث، مما يعزز هيمنتها بدلاً من تآكلها. إن الفهم المتزايد في السوق هو أن جوجل لا تقف مكتوفة الأيدي أمام التهديد التنافسي، بل إنها تستخدم قدراتها الرائدة في نماذج اللغات الكبيرة (LLMs)، مثل Gemini، ودمجها في منتجاتها الأساسية. على سبيل المثال، يمثل تحديث تجارب البحث التوليدي (SGE – Search Generative Experience) دمجاً استراتيجياً للذكاء الاصطناعي التوليدي مباشرة ضمن نتائج البحث التقليدية. هذا التكامل يحول تجربة البحث من مجرد قائمة روابط إلى أداة أكثر ثراءً وقادرة على تقديم إجابات مباشرة ومُلخصة، مما يزيد من ولاء المستخدمين بدلاً من دفعهم نحو منصات الذكاء الاصطناعي المنافسة.
- التقييم الجذاب وهامش الأمان: لا تزال ألفابت تتداول بمضاعفات أرباح أكثر تواضعاً مقارنة بمنافسيها. يتداول سهم جوجل عند 25.01 ضعفاً للأرباح المتوقعة للأشهر الـ 12 القادمة، مقابل 30.02 لإنفيديا (Nvidia) و 29.37 لمايكروسوفت (Microsoft). ويعني هذا الفارق في مضاعف السعر إلى الأرباح أن السوق كانت تُقيّم ألفابت بأقل من قيمتها الجوهرية قبل إعلان بيركشاير، كأنها شركة “نمو بطيء” مقارنة بعمالقة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقديراً، مثل مايكروسوفت التي تستفيد من استثمارها في OpenAI. وقد يكون هذا التقييم المتحفظ هو العامل الحاسم الذي أقنع بافيت بالدخول، لأنه يقدم هامش أمان جذاب، وهي السمة المميزة للاستثمار القيمي.
- الأداء القياسي:على الرغم من المخاوف، ضاعف سهم جوجل سعره تقريباً منذ أدنى مستوياته في أبريل، وارتفعت أسهمها بنسبة 46% منذ بداية العام، متفوقة على أداء مؤشر S&P 500 القياسي، مما يؤكد مرونة أعمالها الأساسية.
إعادة هيكلة محفظة بيركشاير: توازن بين الحذر والفرصة
لم يكن الاستثمار في ألفابت هو التحرك الوحيد لبيركشاير هاثاواي. فقد كشفت الإفصاحات أيضاً عن:
- تقليص آبل: خفضت بيركشاير حصتها في شركة آبل (Apple)، على الرغم من أن صانعة الآيفون لا تزال تمثل أكبر حيازة أسهم لها بقيمة 64.9 مليار دولار بعد التخفيض. لطالما جادل بافيت بأن آبل هي شركة منتجات استهلاكية وليست رهاناً تكنولوجياً خالصاً، لكن تقليصها لصالح ألفابت يبرهن على تحول محسوب نحو تكنولوجيا البنية التحتية الأساسية.
- بيع البنوك: قلصت الشركة حصتها في بنك أوف أمريكا (Bank of America)، في خطوة مستمرة من سحب الاستثمارات من القطاع المالي الذي لا يزال يشكل 36.6% من إجمالي محفظتها. هذا التحول من القطاع المالي (الاقتصاد القديم) نحو ألفابت (التقنية الأساسية) يشير إلى أن بافيت يرى الفرصة في أماكن أكثر مرونة ومقاومة للتقلبات الاقتصادية.
يشير هذا المزيج من الإجراءات – رفع السيولة النقدية، تقليص حيازات مالية وتكنولوجية كبرى، والاستثمار الانتقائي في سهم جوجل – إلى أن بافيت وفريقه يوازنون بين الحذر والفرص، وينشرون رأس المال في شركات يرونها مرنة ومقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية في سوق يسودها التفاؤل المفرط حول الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي.
نظرة تحليلية مستقبلية
إن دخول بيركشاير هاثاواي على خط سهم جوجل ليس مجرد دفعة قصيرة الأجل لأسعار الأسهم، بل هو تأييد طويل الأجل لأساسيات ألفابت القوية وموقعها المهيمن في المستقبل الرقمي. إضافة إلى هيمنتها الإعلانية، فإن قوة ألفابت الحقيقية تكمن في بنيتها التحتية التكنولوجية ذات الشقين. أولاً، Google Cloud Platform (GCP)، التي لا تزال تنمو بسرعة وتوفر الأساس لمؤسسات كبرى لتبني حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ثانياً، محفظتها البحثية الهائلة في الذكاء الاصطناعي ومختبراتها (مثل DeepMind) التي تضمن أن تكون جوجل في طليعة الموجة التكنولوجية القادمة. يثبت هذا الاستثمار أن ألفابت لا تزال تُعتبر ركيزة أساسية لا غنى عنها في الاقتصاد التكنولوجي، مما يبرر مكانتها كأصل استراتيجي طويل الأجل في أي محفظة استثمارية، حتى بالنسبة لعمالقة الاستثمار القيمي.
اقرأ أيضا…



