أسعار الذهب تستقر في ترقب حذر لقرار الكونجرس وتوقعات الفيدرالي

شهدت أسعار الذهب العالمية اليوم الأربعاء استقراراً ملحوظاً، حيث يسيطر الترقب على المستثمرين في انتظار نتائج التصويت الحاسم في مجلس النواب الأمريكي على صفقة إعادة فتح الحكومة الفيدرالية. يُنظر إلى هذا التصويت على أنه مفتاح لإعادة إصدار البيانات الاقتصادية الأمريكية، ما يوفر وضوحاً أكبر حول المسار المحتمل لخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. هذا التوازن الحذر يعكس حالة من التجاذب بين الضغوط قصيرة الأجل الناتجة عن الغموض السياسي وبين الدوافع الهيكلية طويلة الأجل التي تجعل الذهب الملاذ الآمن المفضل عالمياً، ما يخلق بيئة من الثبات النسبي قبل الانطلاق نحو مستويات سعرية جديدة.
وبحلول الساعة 08:37 بتوقيت جرينتش، استقرت أسعار الذهب الفورية عند 4,131.80 دولار أمريكي للأونصة. بينما ارتفعت العقود الآجلة للذهب للتسليم في ديسمبر بنسبة 0.5% لتسجل 4,137.20 دولار للأونصة.
الترقب السياسي يُسيطر على حركة أسعار الذهب
يُعدّ التصويت على اتفاقية تمويل الحكومة الأمريكية عاملاً مؤقتاً ولكنه مؤثر. بعد أن وافق مجلس الشيوخ بالفعل على الاتفاق، عادت أنظار الأسواق نحو مجلس النواب لإقرار الإجراء الذي من شأنه أن ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد.
إن أهمية هذا الإجراء لا تقتصر على إعادة تشغيل الخدمات الفيدرالية، بل تمتد إلى استئناف نشر التقارير الاقتصادية الحيوية، مثل بيانات التضخم والوظائف ونمو الناتج المحلي الإجمالي. هذه البيانات هي التي يعتمد عليها صناع القرار في الاحتياطي الفيدرالي لتقييم صحة الاقتصاد وتحديد السياسة النقدية المناسبة، ولهذا، فإن تأخيرها يُبقي المستثمرين في حالة “انتظار”، ما يجمّد حركة أسعار الذهب مؤقتاً.
يقول جيوفاني ستونوفو، محلل لدى “يو بي إس” (UBS): “الجميع ينتظرون مزيداً من الوضوح بشأن إغلاق الحكومة ومتى ستصدر البيانات من الولايات المتحدة مرة أخرى”. ويضيف أن هذا الاستقرار الحالي يسبق على الأرجح المزيد من الارتفاعات، مؤكداً أن الذهب “لا يزال في اتجاه صعودي، ولم يتغير شيء من الجانب الهيكلي بالكامل”. هذا التأكيد الهيكلي يشير إلى أن العوامل الكبرى، مثل زيادة الديون الحكومية عالمياً، وارتفاع حالة عدم اليقين الاقتصادية، توفر أساساً صلباً لطلب مستمر على الذهب كأداة للتحوط ضد المخاطر المالية والتضخم، بغض النظر عن النتائج قصيرة الأمد في واشنطن. فالمعادن الثمينة هي الأصل الوحيد الذي يحافظ على قيمته الشرائية عبر الأزمات.
عام استثنائي والاحتياطي الفيدرالي يدعم ارتفاع الذهب
لم يكن الأداء القوي في أسعار الذهب مجرد رد فعل لتقلبات قصيرة الأجل؛ بل يأتي مدعوماً بعوامل هيكلية قوية:
- الارتفاع التاريخي: ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 57% منذ بداية العام، مسجلة مستوى قياسياً عند 4,381.21 دولار في 20 أكتوبر. هذا الارتفاع المذهل يضع الذهب ضمن الأصول الأفضل أداءً لهذا العام، متفوقاً على العديد من مؤشرات الأسهم والسندات، ومؤكداً دوره كـ “ملاذ آمن” حقيقي للمدخرات العالمية في وجه اضطراب الأسواق المالية والتقلبات الاقتصادية غير المسبوقة.
- دوافع الصعود: تشمل هذه الدوافع التوترات الجيوسياسية، والمخاوف الاقتصادية، وتوقعات تيسير السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى اتجاه “التخلص من الدولرة” (De-dollarization)، والتدفقات القوية إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs). على سبيل المثال، أدت التوترات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط أو المخاوف بشأن التباطؤ الاقتصادي الصيني إلى دفع المستثمرين بشكل فوري نحو شراء الذهب كـ “تأمين” ضد اتساع رقعة الصراع. أما ظاهرة “التخلص من الدولرة” فتعني ببساطة أن البنوك المركزية الكبرى حول العالم بدأت تنوّع احتياطياتها بعيداً عن الدولار الأمريكي، حيث يُعد الذهب الخيار الأول لتقليل الاعتماد على العملة الاحتياطية المهيمنة، ما يخلق طلباً مؤسسياً قوياً ومستمراً يُبقي على السعر مرتفعاً.
فيما يتعلق بالسياسة النقدية، تحولت توقعات السوق بشكل واضح. تشير أداة “فيد ووتش” (FedWatch) التابعة لمجموعة CME الآن إلى احتمال بنسبة 67% لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي القادم في 10 ديسمبر، مرتفعة من 62% في اليوم السابق. هذا الارتفاع في التوقعات يعود جزئياً إلى البيانات الضعيفة الأخيرة التي أظهرت تباطؤاً في التضخم وفتوراً في سوق العمل، ما يمنح الفيدرالي مساحة للميل نحو سياسة “التيسير النقدي”. هذه التوقعات بخفض الفائدة تزيد من جاذبية الذهب، الذي لا يقدم عائداً، مقارنة بأصول مثل السندات التي تنخفض عائداتها عند خفض الفائدة. هذا يقلل من “تكلفة الفرصة البديلة” لحيازة الذهب ويشجع على شرائه لأنه يصبح منافساً أقوى للأصول ذات العائد المنخفض.
توقعات الخبراء: ما بعد حاجز 5,000 دولار
يُظهر التحليل الفني والأساسي للذهب أن الاتجاه الصعودي لم ينته بعد.
- مستويات المقاومة: أشار محللو “إيه إن زد” (ANZ) إلى أن أسعار الذهب اخترقت مستوى مقاومة رئيسياً عند 4,050 دولاراً، ما يؤكد استمرار الزخم الصعودي. ومع ذلك، تبقى منطقة المقاومة التالية عند 4,160-4,170 دولاراً للأونصة، واختراقها سيدفع الأسعار نحو القمة القياسية المسجلة سابقاً عند 4,380 دولاراً. في لغة التحليل الفني، يمثل هذا الاختراق للمقاومة تحولاً نفسياً كبيراً في السوق، حيث تحولت المنطقة التي كانت تُعيق الارتفاع (4,050 دولاراً) إلى مستوى دعم جديد، ما يقلل من احتمالية التراجع الكبير في الوقت الراهن ويمنح المتداولين الثقة في مواصلة الشراء.
- توقعات بعيدة المدى: ذهب بنك “جي بي مورجان” (J.P. Morgan) إلى ما هو أبعد من ذلك، متوقعاً أن يتجاوز سعر الذهب حاجز 5,000 دولار للأونصة بحلول الربع الرابع من عام 2026، مدعوماً بالطلب المستمر من البنوك المركزية والمستهلكين عند أي تراجع في أسعار الذهب. يُعد الطلب من البنوك المركزية عاملاً أساسياً في دعم هذا التوقع، إذ سجلت هذه البنوك عمليات شراء قياسية للذهب على مدى العامين الماضيين، بعيداً عن التقلبات اليومية. هذا الطلب المؤسسي الكبير يمثل شبكة أمان قوية للسعر ويضمن أن أي انخفاض سيقابله طلب شراء فوري من قِبل الحكومات والمؤسسات المالية الكبرى الساعية لزيادة احتياطياتها من المعدن الأصفر.
المعادن الثمينة الأخرى:
بالتوازي مع الذهب، سجلت المعادن الثمينة الأخرى تحركات صعودية طفيفة؛ حيث ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 1.2% لتصل إلى 51.84 دولار للأونصة، وزاد البلاتين بنسبة 0.4% إلى 1,580 دولاراً، وصعد البلاديوم بنسبة 0.3% ليبلغ 1,440.75 دولاراً. تُعرف الفضة عادةً بأنها تتأثر بحركة الذهب وتتبعها في الاتجاه الصعودي لكونها تُعتبر “ذهب الفقراء”، بينما يُستخدم البلاتين والبلاديوم بشكل أساسي في المحولات الحفازة بالصناعة. الارتفاع المشترك لهذه المعادن يشير إلى تفاؤل أوسع في السوق تجاه تحسن محتمل في النمو الاقتصادي والصناعي مستقبلاً، ما يزيد من طلب المصانع عليها.
اقرأ أيضا…


