أسعار النفط ترتفع بفضل تفاؤل القمة الأمريكية-الصينية وتراجع حاد للمخزونات الأمريكية

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً في التداولات الأخيرة، مدفوعةً بعاملين رئيسيين: تراجع كبير وغير متوقع في المخزونات الأمريكية، والتفاؤل الذي خيّم على الأسواق قبيل الاجتماع المرتقب بين قيادتي الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر مستهلكين للنفط في العالم. هذا الارتفاع يشير إلى تفاعل معقد بين الديناميكيات الفنية للسوق والمحفزات الجيوسياسية، مما يمنح السوق شعوراً مؤقتاً بالزخم الإيجابي.
ففي الوقت الذي صعدت فيه العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.34% لتسجل 64.62 دولاراً للبرميل، ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط (WTI) بنسبة 0.33% إلى 60.35 دولاراً. هذه المستويات السعرية تشير إلى أن السوق تتلقى دعماً قوياً من التوقعات الجيدة على المدى القريب، لكنها لا تزال حذرة من تجاوز حواجز المقاومة الرئيسية، مع ترقب مستمر للتطورات على جبهتي الإمداد والطلب.
المخزونات الأمريكية.. عامل الدعم الفوري لأسعار النفط
كان لبيانات معهد البترول الأمريكي (API) الأثر الأقوى في دعم ارتفاع أسعار النفط. فقد أظهرت الأرقام تراجعاً فاق التوقعات بكثير في مخزونات الخام والبنزين والمشتقات الأسبوع الماضي، وهو ما فاجأ السوق وأطلق موجة صعودية قوية:
- انخفاض مخزونات الخام: تراجعت بأكثر من 4 ملايين برميل، مما يشير إلى زيادة في معدلات التكرير أو ارتفاع في الصادرات الأمريكية.
- انخفاض مخزونات البنزين: انخفضت بنحو 6.35 مليون برميل، وهو سحب ضخم يعكس إما طلباً أقوى من المتوقع على وقود السيارات أو مشكلة في تدفق الإمدادات من المصافي.
- انخفاض مخزونات المشتقات: تراجعت بواقع 4.36 مليون برميل، وتشمل هذه المشتقات وقود التدفئة والديزل، مما قد يدل على نشاط صناعي قوي أو استعداداً مبكراً لموسم الشتاء.
هذا السحب الأكبر من المتوقع من المخزونات الأمريكية أدى إلى زيادة حادة في الأسعار خلال الجلسات الماضية، واستمر كداعم رئيسي للسوق في التداولات الحالية. وفي هذا السياق، أشارت بريانكا ساشديفا، محللة السوق في “فيليب نوفا”، إلى أن التراجع المفاجئ في المخزونات الأمريكية يساعد أسعار النفط صباح اليوم، لكنها أكدت أن الأسواق لا تزال تدار بالتقاطع بين مخاطر العقوبات المفروضة على منتجين رئيسيين وتوجهات تحالف “أوبك بلس” المستمرة.
التفاؤل التجاري وقرار “أوبك بلس” يضبط إيقاع السوق
إلى جانب المخزونات، عززت التطورات الجيوسياسية الآمال في انتعاش الطلب العالمي على النفط. حيث أكدت وزارة الخارجية الصينية أن الرئيس شي جين بينغ سيلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مدينة بوسان الكورية الجنوبية. وينظر المحللون إلى هذه القمة ليس فقط كفرصة لـ “ضخ زخم جديد في تنمية العلاقات الأمريكية-الصينية”، بل كمحفز مباشر للنمو الاقتصادي العالمي. فاستقرار العلاقات التجارية يترجم مباشرة إلى زيادة في النشاط الصناعي واللوجستي، وبالتالي ارتفاع الطلب على وقود الديزل ووقود السفن (Bunker Fuel)، مما يدعم بشكل جوهري أسعار النفط.
كما أن التفاؤل لا يقتصر فقط على ترويض الخلافات التجارية، بل يمتد إلى التعاون في قضايا مثل “الفنتانيل”، حيث أشار ترامب إلى إمكانية تخفيف التعريفات الجمركية على البضائع الصينية مقابل التزام بكين بالحد من صادرات المواد الكيميائية الأولية لهذه المادة. أي تهدئة في التوترات التجارية بين القوتين العظميين يُنظر إليها فوراً على أنها محفز لنمو الطلب على الطاقة.
وفيما يتعلق بإمدادات السوق، يترقب المتعاملون قرار تحالف “أوبك بلس”، الذي يميل نحو زيادة متواضعة في الإنتاج بمقدار 137 ألف برميل يومياً في ديسمبر، وفقاً لمصادر مطلعة. هذا التوجه الحذر يعكس توازناً دقيقاً بين الرغبة في دعم أسعار النفط وتجنب أي صدمات عرضية قد تضر بالاستقرار، خاصة في ظل استمرار القلق بشأن تخمة المعروض العالمي.
العقوبات الروسية والطلب العالمي: التحديات الجيوسياسية
بالرغم من عوامل الصعود، لا تزال التحديات الجيوسياسية تلقي بظلالها على توقعات أسعار النفط على المدى المتوسط. فبعد أن حقق خام برنت وWTI أكبر مكاسب أسبوعية منذ يونيو إثر فرض عقوبات أمريكية جديدة على شركات نفط روسية كبرى مثل “لوك أويل” و”روس نفط”، عادت المخاوف بشأن تخمة المعروض لتضغط على الأسعار مؤقتاً، حيث هبطت المؤشرات بأكثر من دولار واحد في الجلسة السابقة.
وقد دفع ذلك العديد من شركات التكرير الهندية، والتي تعد من أكبر مستوردي النفط الروسي، إلى تعليق طلبات النفط الروسية الجديدة في انتظار وضوح حكومي بشأن آليات الامتثال، فيما تحول البعض إلى السوق الفورية للبحث عن بدائل. ومع ذلك، أكدت شركة النفط الهندية المملوكة للدولة أنها لن تتوقف عن شراء النفط الروسي طالما أنها تمتثل للعقوبات الدولية، مما يضيف طبقة من التعقيد إلى ديناميكيات الإمدادات العالمية.
ومن جانب يخفف من حدة التوتر، قدمت الحكومة الأمريكية ضمانات مكتوبة بأن أعمال شركة “روس نفط” في ألمانيا ستكون معفاة من العقوبات، مما يحد من تأثير العقوبات على الإمدادات الأوروبية الحيوية. وفي تعليق يؤكد قوة الطلب الأساسي، قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية العملاقة إن الطلب على النفط الخام لا يزال قوياً، حتى قبل فرض العقوبات على الشركات الروسية، وأن الطلب الصيني لا يزال صحياً، مما يشكل أرضية صلبة لتقديرات الطلب العالمي.
ختاما تستند تحركات أسعار النفط الحالية إلى تفاعلات قصيرة الأجل (تراجع المخزونات) وتفاؤل جيوسياسي (القمة الأمريكية-الصينية). ومع ذلك، فإن المحللين يحذرون من أن الارتفاع قد لا يكون غير محدود، حيث تشير ساشديفا إلى أن “جانب الطلب لا يزال يظهر ليونة بينما تظل الطاقة الإنتاجية الفائضة قائمة”. وبالتالي، يبقى توازن السوق معلقاً بين مخاطر الإمدادات الناجمة عن العقوبات، ومرونة أوبك بلس في تعديل الإنتاج، ومؤشرات الطلب العالمي. يجب مراقبة المؤشرات الاقتصادية الصينية والأمريكية عن كثب خلال الأيام القادمة لقياس مدى استدامة هذا الزخم الصعودي.
اقرأ أيضا…
 
				 
					 
					 
					


