استقرار الدولار الأمريكي قبيل اجتماع الفيدرالي

شهدت الأسواق المالية يوم الثلاثاء حالة من الاستقرار الحذر لـ الدولار الأمريكي، وهو استقرار يكتنفه ترقب واسع النطاق تحسباً لما هو متوقع من قرار خفض سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
هذا الترقب يضع العملة الأمريكية في موقع حرج بين توقعات التيسير النقدي والمخاوف الجيوسياسية. في المقابل، سجل الين الياباني ارتفاعاً ملحوظاً مدفوعاً بتصريحات لوزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، والتي فُسرت على أنها دعوة للبنك المركزي الياباني (BOJ) لتسريع وتيرة التشديد النقدي، مما ألقى بظلاله على تحركات الدولار الأمريكي مقابل العملات الآسيوية الرئيسية.
الين يرتفع بضغط من تصريحات وزير الخزانة الأمريكي
عزز الين الياباني من قوته بنسبة 0.48% ليصل إلى 151.15 مقابل الدولار الأمريكي، وذلك قبيل اجتماع بنك اليابان المقرر عقده هذا الأسبوع. وعلى الرغم من التوقعات بالإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة، إلا أن الأنظار تتجه نحو أي تلميحات بشأن توقيت الرفع التالي للفائدة، خاصة وأن البنك يحاول جاهداً الخروج من عقود من السياسات النقدية شديدة التساهل.
وقد جاء الارتفاع الأخير للين مدفوعاً بقوة بتصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، الذي دعا إلى “سياسة نقدية سليمة” خلال اجتماعه مع نظيرته اليابانية ساتسوكي كاتاياما. وفسر المستثمرون هذه التصريحات على أنها انتقاد لبطء بنك اليابان في رفع أسعار الفائدة وتفضيل من واشنطن للأدوات النقدية التقليدية.
وفي هذا الصدد، أشار كمال شارما، الخبير الاستراتيجي للعملات الأجنبية في بنك أوف أمريكا، إلى أن: “بيسنت يوضح تفضيلاً واضحاً لأدوات السياسة النقدية التقليدية مثل رفع أسعار الفائدة بدلاً من التدخل في سوق الصرف الأجنبي. هذا التصريح، الذي يُعد تفويضاً ضمنياً بالتشديد النقدي، هو ما أدى إلى تراجع زوج الدولار/ين بشكل فوري، حيث ترفض واشنطن أن تكون التدخلات هي الحل لأزمة ضعف الين”.
ترقب قرار الفيدرالي وتأثيره على الدولار وسوق السيولة
ينصب التركيز الأكبر في الأسواق على اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث أن خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أصبح شبه مؤكد. وبجانب قرار سعر الفائدة، سيراقب المستثمرون عن كثب أي إشارات حول بدء الفيدرالي في تقليص برنامجه للتيسير الكمي (QT)، والذي يمثل عنصراً حاسماً في سحب السيولة من النظام المالي. إن أي تغيير في وتيرة أو هيكلية هذا البرنامج قد يكون له تأثير أكبر وأطول مدى على تكلفة الاقتراض العالمي وعلى قوة الدولار الأمريكي من خفض الفائدة بحد ذاته.
كما سيبحث السوق عن توضيحات من رئيس الفيدرالي جيروم باول بشأن المزيد من التخفيضات المحتملة للفائدة، خصوصاً في ظل استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي الذي يحرم صناع القرار من البيانات الاقتصادية الأساسية، مثل أرقام التضخم والوظائف، مما يزيد من صعوبة اتخاذ القرارات. ويتوقع التجار خفضاً إضافياً في شهر ديسمبر. ووفقاً لديفيد ميريكل، كبير الاقتصاديين الأمريكيين لدى جولدمان ساكس: “لا نتوقع توجيهات رسمية حول اجتماع ديسمبر، ولكن إذا سئل رئيس الفيدرالي باول، فمن المرجح أن يشير إلى توقعات سبتمبر التي تضمنت خفضاً ثالثاً في ديسمبر، معتمداً على تقديرات سابقة لتعويض نقص البيانات الجديدة”.
آمال صفقة التجارة بين واشنطن وبكين والشكوك التي تلاحقها
في سياق متصل، لا تزال الآمال قائمة حول التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين. وعلى الرغم من علامات التفاؤل المبكرة التي أدت إلى تراجع الدولار مقابل العملات الأخرى يوم الاثنين، إلا أن المستثمرين لا يزالون متخوفين من أن الاتفاق النهائي قد يقدم مكاسب أقل مما هو متوقع بكثير، حيث تكمن المشكلة في القضايا الهيكلية مثل حقوق الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا.
وتتجه الأنظار إلى اللقاء المرتقب بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، حيث أشار ترامب بتفاؤل قائلاً: “لدي الكثير من الاحترام للرئيس شي وأعتقد أننا سنخرج بصفقة”. من جانبه، عبر فاسو مينون، المدير العام لاستراتيجية الاستثمار في OCBC، عن حذره الشديد، مشيراً إلى أنه قد لا يكون هناك “حل مثالي أو حتى حل في بعض الحالات، وقد يتم تأجيل البت في الأمور لوقت لاحق”. ويضيف مينون أن الأمر ليس مجرد خلاف حول تعريفات جمركية، بل هو صراع نفوذ، “فعندما يكون لديك قوتان اقتصاديتان عظميان يقودهما قادة ذوي إرادة قوية يحاولون التوصل إلى اتفاق، يمكن للمرء أن يتخيل أن الأمر لن يكون سلساً أو سهلاً على الإطلاق”.
ويشير مينون إلى أن قدرة الزعيمين على إحراز تقدم ملموس، مثل الاتفاق على خريطة طريق واضحة للمفاوضات أو إلغاء بعض الرسوم الجمركية الثانوية، قد تكون كافية لإرضاء الأسواق في الوقت الحالي، حيث يسعى المستثمرون إلى أي بصيص أمل للحفاظ على استمرار موجة الصعود الحالية. هذا الترقب لنتائج المحادثات التجارية وتوقعات خفض الفائدة من الفيدرالي أبقت الدولار الأمريكي تحت الضغط، مما سمح لليورو بتسجيل أعلى مستوى له في أسبوع عند 1.166 دولار. في غضون ذلك، تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.3% إلى 1.3291 دولار مع تجدد المخاوف بشأن الخلفية المالية للمملكة المتحدة والميزانية المرتقبة.
خلاصة التحديات التي تواجه الدولار الأمريكي
يواجه الدولار الأمريكي تحديات متعددة نابعة من عوامل سياسية ونقدية عالمية، حيث يتأرجح بين ضغوط التيسير الداخلي والمنافسة الخارجية. فبينما يترقب السوق خفض الفائدة من الفيدرالي، لا تزال التوترات التجارية والقضايا الجيوسياسية تلقي بظلالها على العملة الأمريكية. وتتفق التوقعات، كما ذكر شارما من بنك أوف أمريكا، على أن هذه الديناميكيات، بما في ذلك نقاشات “التسييس النقدية” و “إنهاء هيمنة الدولار” (de-dollarisation)، ستستمر في التأثير على مدار العام القادم، مما قد يؤدي إلى المزيد من الضعف في الدولار على المدى القريب.
اقرأ أيضا…
 
				 
					 
					 
					


