أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تتراجع 2%: تقييم العقوبات الروسية وخطط “أوبك+” لزيادة الإنتاج

شهدت أسعار النفط تراجعاً بنسبة 2% يوم الثلاثاء، مسجلةً بذلك ثالث أيام تراجعها على التوالي، في الوقت الذي يقوم فيه المستثمرون بتقييم تأثير العقوبات الأمريكية الأخيرة على أكبر شركتين نفطيتين روسيتين، إلى جانب خطط تحالف “أوبك+” المحتملة لزيادة الإنتاج العالمي. ويأتي هذا الانخفاض الأخير دليلاً على حالة الموازنة الدقيقة التي يعيشها السوق بين مخاطر تعطل الإمدادات من جهة، وتوقعات زيادة المعروض من جهة أخرى، مما يدفع المتعاملين إلى إعادة تسعير المخاطر.

تفاصيل الانخفاض في الأسواق العالمية

انخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي بمقدار 1.29 دولار، أو ما يعادل 2%، لتصل إلى 64.33 دولاراً للبرميل بحلول الساعة 08:56 بتوقيت جرينتش. كما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط (WTI) الأمريكي بمقدار 1.20 دولار، أي بنسبة 2%، لتسجل 60.11 دولاراً. ويُظهر هذا التراجع المتزامن عبر كلا المعيارين الرئيسيين سيطرة المخاوف المتعلقة بالإمدادات المستقبلية على معنويات المضاربة في الوقت الحالي.

وجاء هذا التراجع في أسعار النفط بعد أن سجل خاما برنت وغرب تكساس الوسيط الأسبوع الماضي أكبر مكاسب أسبوعية لهما منذ شهر يونيو الماضي. كان هذا الارتفاع كرد فعل مباشر على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات مرتبطة بأوكرانيا على روسيا، مستهدفاً للمرة الأولى شركتي “لوك أويل” (Lukoil) و”روس نفط” (Rosneft) النفطيتين الروسيتين. هذا التباين الحاد في الاتجاهات الأسبوعية يعكس الطبيعة الهشة لسوق الطاقة العالمية وسرعة استجابتها للمستجدات الجيوسياسية.

تداعيات العقوبات على قطاع النفط الروسي وتوازن المخاطر

لا يزال المستثمرون يدرسون مدى فعالية العقوبات الجديدة المفروضة على روسيا. وتستهدف هذه العقوبات بشكل خاص قدرة الشركات الروسية العملاقة مثل لوك أويل وروس نفط على الوصول إلى التمويل والتقنيات الغربية، مما قد يعيق مشاريعها التوسعية طويلة الأجل ويؤثر على كفاءة إنتاجها. وفي هذا الصدد، أشار جيوفاني ستونوفو، المحلل لدى بنك (UBS)، إلى أن “سوق النفط لا يزال يناقش ما إذا كانت العقوبات الأخيرة ستؤثر على صادرات النفط الروسية أم لا، حيث يقوم اللاعبون في السوق بتقليص علاوة مخاطر الإمدادات التي تم بناؤها الأسبوع الماضي”. وتُشير هذه العلاوة إلى الجزء من السعر الذي يدفعه التجار مقابل احتمالية انقطاع الإمدادات، وانخفاضها يدل على أن السوق أصبح أقل قلقاً بشأن حدوث نقص فوري وكبير في المعروض الروسي.

من جانبه، صرح المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، يوم الثلاثاء، بأن تأثير العقوبات على الدول المصدرة للنفط سيكون محدوداً بسبب وجود طاقة إنتاج فائضة في السوق. ويُعتبر هذا التصريح مهماً لأنه يضع حداً أقصى لمدى ارتفاع أسعار النفط، إذ تشير الطاقة الفائضة إلى قدرة المنتجين الآخرين، لا سيما داخل منطقة الخليج، على تعويض أي نقص قد ينجم عن العقوبات الأمريكية.

ومع ذلك، أعلنت شركة “لوك أويل”، ثاني أكبر منتج للنفط في روسيا، يوم الاثنين أنها ستبيع أصولها الدولية. ويُعد هذا الإجراء الأكثر أهمية الذي تتخذه شركة روسية حتى الآن في أعقاب العقوبات الغربية المفروضة على خلفية الحرب في أوكرانيا، والتي بدأت في فبراير 2022. ويُفسر هذا التحرك على أنه محاولة استباقية من الشركة لتجنب تجميد هذه الأصول أو مصادرتها في المستقبل، مما يضيف طبقة جديدة من عدم اليقين حول الهيكل التشغيلي لصناعة النفط الروسية. وفي سياق متصل، أفادت مصادر لوكالة “رويترز” يوم الثلاثاء بأن شركات التكرير الهندية لم تقدم طلبات جديدة لشراء النفط الروسي منذ فرض العقوبات، في انتظار وضوح من الحكومة والموردين. وتُعد الهند مستورداً رئيسياً للنفط الروسي، وتوقف طلباتها مؤقتاً يمثل ضغطاً إضافياً على تدفقات الخام الروسي ويساهم في الاتجاه النزولي لأسعار النفط العالمية في الوقت الراهن.

“أوبك+” تدرس زيادة الإنتاج وترقب تأثير المفاوضات التجارية

على صعيد العرض، يتجه تحالف “أوبك+”، الذي يضم منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفاءها بما في ذلك روسيا، نحو زيادة متواضعة أخرى في الإنتاج خلال شهر ديسمبر، وفقاً لأربعة مصادر مطلعة على المحادثات. وتُظهر استراتيجية “أوبك+”، التي تميل نحو زيادات تدريجية بدلاً من ضخ كميات كبيرة دفعة واحدة، التزام المجموعة بالحفاظ على استقرار السوق وتجنب انهيار الأسعار. هذا التوازن الدقيق يهدف إلى تلبية الطلب العالمي المتزايد دون إغراق السوق، مع الأخذ في الحسبان حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتأثير العقوبات. وكان التحالف قد بدأ في أبريل الماضي عكس التخفيضات التي فرضها على الإنتاج لعدة سنوات لدعم أسعار النفط في السوق.

وبالإضافة إلى العوامل الخاصة بالإمدادات والعقوبات، يراقب المستثمرون عن كثب آفاق التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر مستهلكين للنفط في العالم. ومن المقرر أن يلتقي الرئيس ترامب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الخميس في كوريا الجنوبية، في قمة مرتقبة تلقي بظلالها على توقعات الطلب العالمي على الطاقة. فأي تصعيد في النزاع التجاري بين بكين وواشنطن يهدد النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما يترجم فوراً إلى انخفاض في الطلب على الطاقة وبالتالي مزيد من الضغط السلبي على أسعار النفط. وأكد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، لنظيره الأمريكي ماركو روبيو في مكالمة هاتفية يوم الاثنين، أن بكين تأمل في أن تلبي واشنطن التوقعات للتحضير للتفاعلات رفيعة المستوى بين البلدين.

ختاما تظل أسعار النفط رهينة التقييم المستمر لتأثير العقوبات الجيوسياسية على العرض الروسي، مقابل الترقب لقرار “أوبك+” بشأن زيادة الإنتاج. ويتأثر السوق بهذه القوى المتعارضة بشكل يومي، حيث يحاول المستثمرون قياس المخاطر الفورية وطويلة الأجل. كما أن أي تقدم إيجابي في المحادثات التجارية بين واشنطن وبكين قد يوفر بعض الدعم للأسعار على المدى القريب من خلال تحسين توقعات الطلب، لكن بالنظر إلى تزايد إمدادات “أوبك+” وانخفاض علاوة مخاطر الإمداد الروسية، يميل المشهد الحالي إلى ترجيح كفة التراجع الطفيف والتقلبات على المدى القصير.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى