الأسهم الأمريكية تسجل ارتفاعات قياسية: تقرير تضخم “هادئ” يعزز آمال خفض الفائدة ويدعم النمو

شهدت الأسواق المالية الأمريكية يوماً تاريخياً جديداً، حيث أغلقت الأسهم الأمريكية على ارتفاعات قياسية يوم الجمعة، مدعومة ببيانات تضخم أقل من التوقعات. لقد غذّى هذا التباطؤ في نمو الأسعار تفاؤل المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي (Fed) يمكنه المضي قدماً في خطته لخفض أسعار الفائدة، مما يعد دافعاً قوياً للنمو الاقتصادي ويبرر التقييمات الأعلى للأسهم.
تعكس ردة فعل السوق الإيجابية تحولاً عميقاً في معنويات المستثمرين، من الخوف من تضخم مستدام وعنيف إلى الثقة في سيناريو “الهبوط الناعم” (Soft Landing) للاقتصاد. لقد أثبتت السياسة النقدية أنها المحرك الأساسي لشهية المخاطرة، متفوقة على أي ضوضاء جيوسياسية أو بيانات اقتصادية مؤجلة. وفي ختام تداولات الأسبوع، عززت المؤشرات الرئيسية مواقعها لتسجل إغلاقات غير مسبوقة، مما يرسخ مرحلة جديدة من دعم السيولة للأسواق.
مؤشرات السوق تلامس مستويات تاريخية وتتجاوز الحواجز النفسية
كان الارتفاع شاملاً ولافتاً عبر جميع المؤشرات الرئيسية، حيث سجلت جميعها إغلاقات قياسية في نهاية الأسبوع:
- مؤشر داو جونز الصناعي (Dow Jones Industrial Average): قفز بأكثر من 472.51 نقطة، أي ما يعادل 1.01%، ليغلق عند 47,207.12 نقطة. هذا التجاوز القياسي لمستوى 47,000 نقطة يمثل إنجازاً نفسياً هاماً ويعكس اتساع نطاق الارتفاع ليشمل الأسهم الصناعية والقديمة (Blue-Chip Stocks)، مما يشير إلى صحة أوسع للسوق ورغبة في الاستثمار في القيمة.
- مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (S&P 500): أضاف 0.79%، ليغلق عند 6,791.69 نقطة.
- مؤشر ناسداك المركب (Nasdaq Composite): تسلق بنسبة 1.15%، ليغلق عند 23,204.87 نقطة. يظل ناسداك، بفضل تركيزه على التكنولوجيا، المستفيد الأكبر من بيئة خفض الفائدة المتوقعة التي تقلل من تكلفة الاقتراض اللازمة لتمويل الابتكار والنمو.
تقرير التضخم: دلالات التباطؤ وإجماع السوق على التيسير
يكمن المحفز الرئيسي وراء هذا الأداء القوي للأسهم الأمريكية في تقرير مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر سبتمبر. وعلى الرغم من تأخر التقرير بسبب الإغلاق الحكومي، إلا أن بياناته كانت بمثابة “هدية” للأسواق، حيث جاءت أقل قليلاً من التوقعات الإجماعية:
- التضخم الكلي (Headline CPI): سجل ارتفاعاً شهرياً بنسبة 0.3%، ليصل معدل التضخم السنوي إلى 3%. هذه الأرقام جاءت أقل من التوقعات الإجماعية للاقتصاديين، التي كانت تشير إلى 0.4% شهرياً و 3.1% سنوياً.
- التضخم الأساسي يمنح الضوء الأخضر: إن تراجع التضخم الأساسي (Core CPI) الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، وجاء عند 0.2% شهرياً و 3% سنوياً، وهو ما يقل عن التوقعات (0.3% و 3.1%)، هو العامل الأكثر أهمية بالنسبة لصناع القرار في الفيدرالي. يشير هذا التباطؤ إلى أن ضغوط الأسعار ليست متجذرة بعمق في الهيكل الاقتصادي، مما يمنح الفيدرالي مرونة أكبر للمضي في خطة التخفيف النقدي دون المخاطرة بعودة التضخم.
بعد صدور التقرير، زادت احتمالات خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة بشكل كبير. وفقاً لأداة CME FedWatch، قفزت احتمالات خفض الفائدة في اجتماع ديسمبر إلى 98.5% من حوالي 91% قبل البيانات. هذا التزايد في الاحتمالات يعكس قناعة السوق المطلقة بأن البيانات الحالية كافية لتأكيد مسار التيسير، كما أن بقاء احتمالات خفض الفائدة الأسبوع المقبل فوق 95% يرسخ فكرة أن الأسهم الأمريكية تحظى بدعم قوي من توقعات السياسة النقدية.
التحليل الاستراتيجي وتفاعل القطاع المصرفي مع آمال الفائدة
علّقت ليندساي روزنر، رئيسة استثمار الدخل الثابت متعدد القطاعات في غولدمان ساكس لإدارة الأصول، على التقرير مشيرة إلى أنه “لم يكن هناك ما يخيف الفيدرالي في تقرير التضخم الهادئ اليوم”. وتوقعت روزنر استمرار التيسير النقدي في اجتماع الفيدرالي القادم، مع ترجيح خفض سعر الفائدة في ديسمبر. وتمثل الإشارة إلى “خطة النقاط” (Dot Plot) تأكيداً على التزام الفيدرالي المعلن مسبقاً بالتيسير، حيث يقلل وجود “جفاف في البيانات” (بسبب الإغلاق الحكومي) من احتمالية ظهور مفاجآت قد تدفع الفيدرالي إلى التراجع عن مساره المتوقع.
تترجم هذه التوقعات مباشرة إلى أداء قطاعي قوي في السوق:
- أسهم البنوك تستفيد من المنحنى: عادة ما تستفيد أسهم المؤسسات المالية من بيئة أسعار الفائدة المتجهة للانخفاض، حيث تزيد من فرص “انحدار منحنى العائد” (Steeper Yield Curve)، وهو ما يعني ارتفاع هوامش الربح للبنوك بين ما تدفعه للمودعين وما تجنيه من القروض طويلة الأجل. ارتفعت أسهم كبرى مثل جي بي مورغان (JPMorgan)، وويلز فارجو (Wells Fargo)، وسيتي غروب (Citigroup) بنسبة 2%، وسارت على خطاها غولدمان ساكس (Goldman Sachs) وبنك أوف أمريكا (Bank of America)، إذ تعزز بيئة التيسير النقدي من حجم النشاط الاقتصادي والإقراض بشكل عام.
- تجاهل العوامل السياسية كدليل على التركيز: تجاهلت الأسواق إلى حد كبير إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ بإنهاء المفاوضات التجارية مع كندا. هذا التجاهل القاطع يؤكد أن السياسة النقدية وتوقعات الفيدرالي تظل القوة المهيمنة على معنويات المستثمرين في الوقت الحالي، وتعتبر أي ضوضاء سياسية أو تجارية مجرد عامل ثانوي لا يستطيع تغيير الاتجاه الأساسي للسوق.
نظرة مستقبلية للأسهم الأمريكية بعد المكاسب المزدوجة
اختتمت الأسهم الأمريكية أسبوعها الثاني على التوالي من المكاسب القوية، مع ارتفاع المؤشرات الثلاثة الرئيسية بحوالي 2% لكل منها. هذا يرفع مكاسب مؤشر S&P 500 للعام إلى 15%، وناسداك إلى 20%، مما يسلط الضوء على استمرار شهية المخاطرة القوية. إن التفاعل الإيجابي للسوق مع التضخم المعتدل يضع الأساس لاستمرار الزخم الصعودي للأسهم الأمريكية في الربع الأخير من العام، ما لم تطرأ عوامل خارجية غير متوقعة. طالما استمرت بيانات التضخم في التباطؤ بشكل معتدل، فإن مسار خفض الفائدة سيظل قائماً، مما يوفر بيئة داعمة للأسهم ويدفع المستثمرين لإعادة تقييم مراكزهم في ظل التوقعات الاقتصادية الإيجابية.
اقرأ أيضا…
 
				 
					 
					 
					


