الين الياباني يتراجع لأدنى مستوى في أسبوع بعد انتخاب تاكايتشي

سجل الين الياباني أدنى مستوى له في أسبوع واحد يوم الثلاثاء، في أعقاب انتخاب سناء تاكايتشي، المحافظة المتشددة، رئيسة لوزراء اليابان. يراهن المتداولون على أن الحكومة الجديدة قد تُعكّر صفو توقعات أسعار الفائدة وتجلب معها توسعاً مالياً أكبر، ما يضع بنك اليابان المركزي في موقف معقد بشأن مسار سياسته النقدية. ويأتي هذا التراجع كاستجابة مباشرة لتوقعات السوق بأن الأجندة الجديدة قد تستمر في نهج التحفيز الاقتصادي الذي ساد خلال حقبة “أبينوميكس” الطويلة، مما يغرق السوق في المزيد من السيولة النالية ويقلل من جاذبية الين الياباني كعملة للملاذ الآمن.
التوقعات السياسية وضغوط التوسع المالي
فازت تاكايتشي، وهي أول امرأة تتقلد منصب رئيس الوزراء وزعيمة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، في تصويت مجلس النواب لاختيار رئيس الوزراء الجديد. هذا التحرك كان متوقعاً على نطاق واسع بعد دعمها من قبل حزب “إيشين” المعارض اليميني.
تسبب هذا التطور في تراجع الين الياباني بنسبة 0.57% ليصل إلى 151.62 ين مقابل الدولار، مسجلاً أكبر انخفاض يومي له منذ أسبوعين. كما واجه الين صعوبات مماثلة أمام اليورو والجنيه الإسترليني. هذا الانخفاض القوي يعكس قلق المستثمرين من أن الزخم السياسي الجديد سيؤدي إلى تبني حزم تحفيزية ضخمة لإنعاش الاقتصاد المحلي، ما يزيد من المعروض النقدي ويقلل من قيمة العملة الوطنية.
ويشير دعم تاكايتشي للتحفيز المالي والسياسات النقدية الأكثر مرونة إلى تعقيد مسار بنك اليابان لرفع أسعار الفائدة. حيث يرى فريد نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك HSBC، أن هناك “اعتبارات لتأخير التشديد النقدي حتى يكتسب التيسير المالي زخماً، مما يضع بنك اليابان بين المطرقة والسندان”. هذا المأزق ينبع من أن رفع أسعار الفائدة في ظل إنفاق حكومي كبير سيزيد بشكل كبير من تكلفة خدمة الدين الحكومي الهائل في اليابان، ما يشكل ضغطاً مالياً هائلاً على الميزانية العامة للدولة. وبالتالي، يجد البنك المركزي نفسه مجبراً على موازنة هدف استقرار الأسعار مع الحفاظ على الاستدامة المالية للدولة.
رسائل متباينة من وزارة المالية بشأن الين
في سياق متصل، أشارت تقارير إعلامية محلية إلى أن تاكايتشي وضعت اللمسات الأخيرة على خطة لتعيين ساتسوكي كاتاياما، وزيرة سابقة للتنشيط الإقليمي، كوزيرة للمالية.
خلال مقابلة سابقة مع رويترز في مارس، أشارت كاتاياما إلى تفضيلها لعملة ين أقوى، وهو ما قد يدفع الأسواق إلى إعادة التفكير في المراهنة على خفض قيمة الين الياباني بشكل مفرط. هذا التفضيل يعكس وعياً حكومياً متزايداً بالآثار السلبية لضعف الين على المواطنين اليابانيين، خاصة فيما يتعلق بزيادة كلفة الواردات، وخصوصاً الطاقة والغذاء، وهو ما يؤجج التضخم المستورد ويقلل من القوة الشرائية للأسر.
في هذا الصدد، يوضح فولكمار باور، المحلل لدى “كومرتس بنك”، أنه “من غير المرجح أن تدعم الحكومة الجديدة انخفاضاً في قيمة الين الياباني”، مشيراً إلى أن التضخم والقوة الشرائية للأسر الخاصة سيظلان قضيتين هامتين للحكومة الجديدة، مما يدعم استقرار العملة. هذا التحليل يشير إلى أن حتى أجندة التحفيز المالي قد لا تكون كافية لتبرير تدهور مستمر في قيمة الين، خاصة وأن أي تدهور إضافي سيؤدي إلى تآكل سريع في شعبية الحكومة الجديدة. وبالتالي، فإن توقعات السوق بانهيار العملة يجب أن توازنها الضرورات السياسية والاقتصادية الداخلية.
مؤشر الدولار يستمد قوته من ضعف الين
في السوق الأوسع، سادت حالة من الترقب رغم التفاؤل العام في السوق، والذي جاء مدعومًا بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي توقع فيها التوصل إلى اتفاق تجاري مع نظيره الصيني شي جين بينغ، بالإضافة إلى احتمالية إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي. ساعدت هذه التطورات على تبديد بعض المخاوف بشأن مخاطر الائتمان بين البنوك الأمريكية، مما عزز شهية المخاطرة بشكل عام.
وقد استمد مؤشر الدولار (DXY)، الذي يقيس العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، دعماً مضاعفاً من ضعف الين الياباني ومن التفاؤل العام، ليرتفع إلى أعلى مستوى له في ستة أيام، مسجلاً 98.855. هذه القفزة في قيمة الدولار تعكس استمرار جاذبيته كعملة احتياط عالمية وقوة ملاذ آمن، خاصة في ظل الشكوك الاقتصادية التي تحيط باليابان ومنطقة اليورو.
وتأتي هذه التحركات أيضاً في ظل مخاوف بشأن تمويل الدولار في الأسواق المالية العالمية، حيث حذر فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، من أن البنوك في منطقة اليورو قد تتعرض لضغوط إذا جفت إمدادات تمويل الدولار. وتترسخ هذه المخاوف لدى محافظي البنوك المركزية منذ أن أعلن ترامب عن موجة من التعريفات التجارية وبدأ في ممارسة الضغط على الاحتياطي الفيدرالي في وقت سابق من هذا العام، مما يهدد سيولة الدولار، التي تعتبر شريان الحياة للأسواق المالية الدولية.
بالتزامن مع صعود الدولار، تراجعت العملة الأوروبية، حيث انخفض اليورو بنسبة 0.23% مقابل الدولار القوي ليصل إلى 1.1613 دولار، ولم يساعد في ذلك انحسار حالة عدم اليقين السياسي في فرنسا. كما لم يتغير الجنيه الإسترليني كثيراً مقابل اليورو، رغم البيانات التي أظهرت أن الاقتراض البريطاني في النصف الأول من العام المالي هو الأعلى منذ الوباء، حيث يرى المستثمرون أن ميزانية تقشفية قادمة تم تسعيرها بالفعل في السوق.