أسعار الذهب تسجل مستوى قياسياً وتستعد لأفضل أسبوع في 17 عاماً

شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً جنونياً لتتخطى حاجز الـ 4,300 دولار للأونصة يوم الجمعة، متجهةً بذلك لتسجيل أفضل أداء أسبوعي لها منذ أكثر من 17 عاماً، وتحديداً منذ سبتمبر 2008. هذا الصعود القياسي يرسخ مكانة “المعدن الأصفر” كملاذ آمن في خضم تزايد حالة عدم اليقين التي تخيم على الأسواق العالمية والمخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
الذهب يلامس قمماً جديدة وتفاصيل الصعود غير المسبوق
سجل سعر الذهب الفوري ارتفاعاً بنسبة 0.8% ليصل إلى 4,359.31 دولار للأونصة ، بعد أن لامس في وقت سابق مستوى قياسياً جديداً غير مسبوق عند 4,378.69 دولار. وفي السياق ذاته، قفزت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 1.6% إلى 4,372.10 دولار.
وقد ارتفع سعر الذهب بنحو 8.6% خلال هذا الأسبوع وحده، في مسار يجعله يحقق أفضل مكاسب أسبوعية له منذ عام 2008، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً في كل جلسة تداول. ويشير هذا الأداء التاريخي إلى حجم القلق والخوف الاستثنائي الذي يسود أسواق المال العالمية، حيث أن المكاسب الأسبوعية بهذا الحجم لم تتحقق إلا في فترات الأزمات المالية الكبرى. وتتبعه الفضة التي صعدت بنسبة 0.1% لتصل إلى 54.26 دولار للأونصة، متجهة لتحقيق مكسب أسبوعي بنسبة 8%. وقد وصل سعر الفضة إلى مستوى قياسي عند 54.35 دولار، مدفوعاً بتتبع صعود الذهب وكذلك بعمليات “الضغط البيعي” في السوق الفوري.
محفزات الصعود: مخاوف البنوك وتوقعات خفض الفائدة والتوترات التجارية
يأتي هذا الارتفاع المدفوع بشكل رئيسي بثلاثة عوامل رئيسية ومترابطة تدعم جاذبية الذهب كأصل غير مرتبط بالمخاطر التقليدية:
- مخاوف القطاع المصرفي الأمريكي: أعطت إشارات الضعف الجديدة التي ظهرت في البنوك الإقليمية الأمريكية سبباً إضافياً للمتداولين للإقبال على شراء الذهب، كما أشار كبير محللي الأسواق في KCM Trade، تيم ووترر. هذه المخاوف لا تقتصر على خسائر السيولة، بل تمتد إلى القلق من تعرض هذه البنوك لقروض عقارية تجارية صعبة محتملة، مما يذكر المستثمرين بأزمات ائتمانية سابقة. وبذلك، يصبح الذهب هو الوجهة الفورية لرأس المال الباحث عن حماية بعيداً عن تقلبات الأسهم والديون المصرفية. وقد أغلقت وول ستريت على انخفاض يوم الخميس بسبب هذه المخاوف، ما عزز طلب المستثمرين على الأصول الآمنة.
- توقعات خفض أسعار الفائدة: يواصل المستثمرون ترجيح رهانات قوية على خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فقد أعرب محافظ البنك، كريستوفر والر، عن دعمه لإجراء خفض آخر في أسعار الفائدة بسبب القلق المتزايد حيال سوق العمل. كما أن العلاقة عكسية بين أسعار الفائدة والذهب؛ فعندما تنخفض الفائدة، ينخفض العائد على السندات والأصول الأخرى التي تنافس الذهب. هذا يجعل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، وهو أصل لا يدر عائداً، أقل بكثير، مما يزيد من جاذبيته. وتتوقع الأسواق خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعي الفيدرالي المقررين في أواخر أكتوبر وديسمبر.
- التوترات التجارية والجيوسياسية: تساهم الاحتكاكات التجارية العالمية، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، في دفع المستثمرين نحو الذهب. وفيما يتعلق بالتوترات التجارية، فإن تبادل الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة حول السيطرة على المعادن النادرة يزيد من حالة الانكشاف على المخاطر، ما يدفع المستثمرين إلى الهروب نحو الملاذات الآمنة. كذلك، تضيف الأوضاع الجيوسياسية في شرق أوروبا، مع استمرار العقوبات على النفط الروسي، طبقة إضافية من عدم اليقين العالمي، وهو المناخ المثالي لازدهار الذهب.
النظرة المستقبلية لأسعار الذهب والمحفزات طويلة الأجل
بسبب البيئة الاقتصادية التي تتميز بانخفاض أسعار الفائدة (مما يدعم الأصول التي لا تدر عائداً مثل الذهب)، تمكن الذهب من تحقيق مكاسب تتجاوز 65% منذ بداية العام.
يرى المحللون أن الاتجاه الصعودي مستمر. ووفقاً لتيم ووترر، قد يصبح مستوى 4,500 دولار هدفاً أقرب مما هو متوقع لسعر الذهب، بالرغم من أن تحقيق هذا المستوى سيعتمد بشكل كبير على مدى استمرار المخاوف بشأن التجارة الأمريكية الصينية واحتمالية إغلاق الحكومة الذي قد يفاقم الأزمة.
ويستمد الذهب قوته أيضاً من محفزات طويلة الأجل تتجاوز دورة الأخبار اليومية، مثل عمليات شراء البنوك المركزية القوية التي تعتبر دليلاً على تزايد الثقة به كأصل احتياطي رئيسي، وتوجهات الابتعاد عن الدولار (De-dollarisation) الذي يعكس محاولات تنويع الاحتياطات بعيداً عن العملة الأمريكية، بالإضافة إلى التدفقات القوية إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب. هذه العوامل الهيكلية توفر أرضية صلبة لاستمرار صعود أسعار الذهب.
اقرأ أيضا…